الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠١٣
وُلِدَت بعين واحدة مليئة بالندبات الغائرة، فكانت شبه ضريرة لمدة نصف قرن من عمرها، ولكي تتمكن من الرؤية طوال تلك السنين كان عليها أن تستخدم عينها اليسرى فتحرِفَها إلى أقصى اليسار حيث فتحة صغيرة غائرة في جفنها يمكن للضوء أن يمر عبرها، إلا أنها وعلى الرغم من كل هذا الألم رفضت أن تكون محل شفقة الآخرين وأن ينظروا إليها على أنها معاقة أو أدنى من غيرها، ولذلك كانت تصر على المشاركة في كل الأنشطة الحياتية، وكانت تنجح في عمل كل شيء في الغالب. عندما كانت طفلة كانت تصر على أن تلعب "الحجلة" مع الأطفال، ولأنها لم تكن لتستطيع رؤية العلامات على الأرض، فقد كانت تذهب إلى ساحة اللعب بعد عودة الأطفال إلى منازلهم فتلتصق بأرضية الملعب وتزحف على امتداده لتتمكن من رؤية العلامات التي وضعوها أثناء لعبهم حتى حفظتها جميعاً، وسرعان ما تمكنت من مشاركتهم لتصبح خبيرة في اللعبة تتفوق عليهم في بعض المرات. كانت تقوم بقراءة الكتب ودراستها في المنزل، فتلصق الصفحات بوجهها إلى درجة أن رموش عينها الوحيدة كانت تحتك بسطح الورقة حتى تتمكن من رؤية الحروف، وبالرغم من معارضة المعلمين واعتقادهم أن إعاقتها أكبر من إمكانية نجاحها في مراحل التعليم النظامي، فإنها تمكنت من إكمال جميع مراحل دراستها فدخلت الجامعة وحصلت على البكالوريوس والماجستير، وتدرجت من ثم…
الجمعة ١٧ أغسطس ٢٠١٢
تفاعل كثير من الأخوة والأخوات عبر الانترنت، وبالأخص عبر شبكة تويتر، مع مقالي السابق والذي كان قد جاء الأسبوع الماضي بعنوان ”الإلحاد... لماذا يتزايد؟“، وتناولت فيه تزايد ظاهرة الإلحاد بين أواسط شبابنا في مجتمعاتنا الخليجية وهي المجتمعات التي لطالما كنا نقول بأنها مجتمعات أقرب إلى التدين بسبب كثرة المحاضرات والندوات واللجان والجمعيات الدينية الدعوية وغيرها من الأنشطة المشابهة. وقد حاول هؤلاء الأخوة والأخوات مشاركتي في البحث عن الإجابة على هذا السؤال المهم، وسأسعى من خلال السطور القادمة إلى صياغة وإخراج ما تحصلت عليه من مشاركاتهم وردودهم. ربط البعض تزايد مسألة الإلحاد بالانفتاح على الثقافة الغربية المادية وهي التي تميل بطبيعتها للإلحاد وإنكار وجود الذات الإلهية عموما وكذلك قراءة الكتب والمواقع الالكترونية الإلحادية دون وجود أسس عقيدية إسلامية صحيحة مما جعل هؤلاء الشباب لقمة سائغة للوقوع في فخ الإلحاد، وأضاف آخرون أن المناهج التربوية والتدريسية في المدارس، وبالأخص في مراحلها الأولى، لا تضع الأسس الكافية للعقيدة الراسخة الصحيحة. وكذلك رأى البعض أن هذا الأمر اقترن مع تزايد حركة ابتعاث الشباب حديثي التخرج للدراسة في الخارج، والذين وجدوا أنفسهم فجأة في تلك المجتمعات الغربية المغرقة في المادية دون أن يكون لديهم القدر الأدني من الاستعداد الديني لمواجهة ما فيها من شبهات وتحديات إلحادية. وألمح البعض من زاوية ليست ببعيدة إلى أن الإلحاد…
الثلاثاء ٠٧ أغسطس ٢٠١٢
كنت كتبت عن هذا الموضوع منذ عدة سنوات عندما لمست بذوره آنذاك، ورأيت أن أعود له اليوم مجددا بعدما كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة، وخصوصا في النقاشات المتداولة على شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك بعدما جاء أكثر من شخص، سواء باسمه الصريح أو بأسماء مستعارة، بآراء وعبارات أثارت الهيجان الشعبي لاعتبارها إلحادية أو كفرية، وتطورت في بعض الحالات إلى إلقاء القبض على من كتبوها. وسأبدأ قائلا بشكل مباشر بأن من الضروري أن نعترف اليوم أن ”الإلحاد“ موجود ويتزايد في مجتمعنا وبالأخص في أوساط شبابنا، وقد أضحت الشواهد على ذلك كثيرة، سواء من خلال الكتابات على شبكة الانترنت في المنتديات والمدونات وشبكات التواصل الاجتماعي، أو من خلال كتابات صحافية متفرقة تأتي على استحياء، أو حتى من خلال من يعبرون عن أفكارهم الإلحادية شفاهة بشكل مباشر أو غير مباشر في هذا المحفل والمجلس أو ذاك. وسـأتوقف للحظة هنا موضحا بأني لا أسعى من خلال هذا المقال إلى وضع أي أحد ممن اتهموا بالالحاد على منصة الاتهام بأي شكل من الأشكال، أو الدفع نحو محاسبتهم من خلال القضاء أو غيره، أو حتى إلى مجرد الدخول في دائرة القول بكفرهم أو أنهم سيكونون حطبا لجهنم مثلا، فكل هذا لا يعنيني في هذا المقام، بل لعلي لا أراه السبيل…