الثلاثاء ٠٣ ديسمبر ٢٠١٣
من المزمع أن تنعقد القمة الخليجية الأسبوع القادم في الكويت، في ظل تحول كبير تمر به المنطقة، على رأسه الترقب الكبير لما قد ينتج عن الاتفاق النووي بين الدول الست وإيران، من تغيير للمنظومة الإقليمية وتوازن القوى فيها. دول مجلس التعاون تمر اليوم بجملة من التحديات التي أطلقتها التغيرات في محيطها سواء الربيع العربي أو الأزمة السورية أو ملف إيران، إلا أن التحدي الحقيقي الذي تمر به الدول الخليجية هو مجلس التعاون نفسه، وهو تحد يعود إلى إنشاء الكيان والفلسفة الكامنة خلفه، وهذا ما يجعل الحديث عن مجلس التعاون الخليجي حديثا قديما متجددا. لقد أنشئ المجلس عام1981 لغرضين رئيسين: الأول: إيجاد منظومة جماعية للتعامل مع مسألة أمن الخليج في ظل الثورة الإيرانية عام 1979، وخروج مصر من منظومة جامعة الدول العربية بعد اتفاقية كامب ديفيد والحرب العراقية–الإيرانية التي بدأت عام1981. الثاني: إيجاد مظلة سياسية تجمع المملكة بدول الخليج التي تتشارك معها في بنية تاريخية وثقافية واجتماعية متشابهة، خاصة وأن أغلب دوله كانت ما تزال حديثة عهد بالاستقلال والتحول من مشيخات لدول "دول الخليج استقلت في السبعينات الميلادية باستثناء الكويت عام 1961" على أن هذه الأغراض استنفذت نفسها مع الوقت، وبقت منظومة التعاون بين دول المجلس تواجه الاستحقاق السياسي الأهم، وهو ترسيخ أسس هذا التعاون أو "الاتحاد" مستقبلا على أرض أكثر…
الإثنين ١٨ نوفمبر ٢٠١٣
أشار المقال السابق إلى أن مفهوم "المصلحة الوطنية" يعد مفهوما مطاطا وغائما، ما يجعل تحديد المصلحة الوطنية على وجه الدقة أمرا صعبا بطبيعته، وهو تحد تواجهه جميع الدول بلا استثناء نظرا لكون تحديد المصلحة هنا يتداخل بين عديد من العوامل ومنها التباين الفكري داخل الدولة ورؤية الدولة نفسها للعالم ولساحته السياسية وتعريفها لما تكمن مصلحتها فيه. ويشير مصطلح "المصلحة الوطنية" في أبسط تعريفاته إلى "المنفعة" المتوخاة لأي دولة كهدف نهائي لسياستها الخارجية، فالدولة في نهاية المطاف هي إطار تنظيمي بحدود جغرافية يجمع شعبا تحته ويعمل على تحقيق المنفعة لهم ودفع الضرر عنهم. المصلحة الوطنية يمكن اعتبارها هنا بمثابة "نجم الشمال" للسياسة الخارجية لأي دولة، فهي تحدد وجهة السياسة ضمن مساحة متعددة الأبعاد. إلا أن تحديد الوجهة لا يعني بالضرورة تحديد الدرب الأمثل للوصول إليها، وهو ما يزيد من تعقيد المسألة. المعضلة الرئيسية عند الحديث حول مصلحتنا الوطنية حاليا تبرز عند تقاطع الأطر العامة لهذه المصلحة مع تطبيقها على أرض الواقع. تقوم السياسة الخارجية السعودية على عدة مرتكزات، لعل أبرزها وأهمها هو سياسة حسن الجوار، وعدم التدخل في شئون الغير، والحياد الإيجابي والمحافظة على الوضع الإقليمي القائم status-quo، بما يخدم أمن واستقرار المنطقة اللازمين لدفع التنمية. إلا أن الواقع الإقليمي يفرض أمورا عكس ذلك تماما، فالدور الإيراني في المنطقة –على سبيل…
الإثنين ٠٣ يونيو ٢٠١٣
هل يعكس شعار «خليجنا واحد» حقائق الجغرافيا السياسية لمنطقة الخليج العربي؟ يبرز هذا السؤال بقوة عند الحديث عن منطقة مجلس التعاون الخليجي كوحدة سياسية، وتزداد أهمية السؤال في ظل حالة عدم اليقين السياسي (political uncertainty) التي أوجدها الربيع العربي. تبدو منطقة الخليج العربي واحدة بالفعل في حال اعتبار عامل الاشتراك التاريخي والثقافي والاجتماعي بين دوله، ويمكن حتى في هذه الحالة اعتبار اليمن ومناطق من العراق امتدادا حتى بادية الشام جزءا لا يتجزأ من وحدة ثقافية وتاريخية واحدة ترتبط بمنظومة قبائل شبه الجزيرة العربية. على أن عامل الارتباط الثقافي واللغوي (تشابه اللهجة) لا يشكل في حد ذاته أساسا قويا لنشوء وحدة سياسية تعبر عن ذات المصالح والتطلعات، وهذا ما يقود للسؤال حول مدى تعبير شعار «خليجنا واحد» لحقائق الجغرافيا السياسية لمنطقة الخليج ووحدته السياسية المتمثلة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي أنشئ عام 1981، خاصة أن دول الخليج تقف اليوم أمام استحقاق فكرة التحول لاتحاد خليجي في ظل كل الظروف الداخلية والإقليمية المحيطة بها. تكشف الجغرافيا السياسية لدول التعاون الخليجي عن وجود ثلاث معضلات رئيسة تواجهها منطقة الخليج اليوم: أولا: قضية المياه: ينعكس ارتباط دول الخليج العربي في واقع الأمر بمضيق هرمز أكثر من ارتباطهم بالخليج كمسطح مائي، ويمر من مضيق هرمز ما يقارب 20 في المائة من إنتاج النفط…
الأحد ٣١ مارس ٢٠١٣
اشتهر في أدبيات العلوم السياسية ما يعرف بـ"المسألة الشرقية" (The Eastern Question) وهي تشير للمعضلة السياسية التي ظهرت لدى الإمبراطوريات الأوروبية خلال القرن التاسع عشر مع ضعف الإمبراطورية العثمانية وفقدانها للسيطرة الفعلية على منطقة جنوب شرق أوروبا وبالأخص البلقان، حيث إن خروج الدولة العثمانية من تلك المنطقة بعد قرون من سيطرتها ونفوذها هناك شكل معضلة جيوسياسية حقيقية أمام الدول المتنافسة في حينه، ذلك الفراغ الذي نشأ بخروج العثمانيين من البلقان كانت إحدى تبعاته اصطدام القوى العظمى في تلك المنطقة، مما قاد لاشتعال الحرب العالمية الأولى. لقد كانت "المسألة الشرقية" معضلة حقيقية امتدت لعقود وشكلت حجر زاوية في تجاذبات الجغرافيا السياسية لأوروبا، ذلك لأنها كانت مسألة تتعلق بحدوث تغير جذري في الخريطة السياسية وليس مجرد تبدل بسيط في موازين القوى. مثل هذه التغيرات التي تعيد رسم الخريطة السياسية وتؤسس لموازين جيوسياسية جديدة تحفزها الأحداث والصراعات الكبرى التي تمر بها المناطق. تمثل المسألة الكردية في منطقتنا حالة مشابهة نوعا ما "للمسألة الشرقية" وإن كان بوجه مختلف، ويعد الصراع في سورية المحفز الرئيس لهذا التغير الذي سيجعل من قضية الأكراد معضلة مستقبلية سيتعين على دول المنطقة التعامل معها، إما بنشوء دولة كردية جديدة في المنطقة كأقصى تقدير في أحد الاتجاهات، أو بتحول ساحة الحزام الكردي على امتداده لمنطقة ملتهبة ستؤثر على جميع دول…
الأحد ١٠ فبراير ٢٠١٣
حتى الآن لا توجد ترجمة واحدة معتمدة عربيا ومعترف بها تعبر عن مصطلح Think Tanks، فهي تترجم أحيانا مراكز فكر، أو مراكز تفكير، أو مصانع أفكار، أو خلية أفكار، أو حوض فكري أو غيرها كثير من الترجمات المختلفة. وفي أحيان يشار لها بأنها مراكز أو مؤسسات أبحاث ودراسة، ورغم أن هذه قد تكون ترجمة تعكس جزءا من عمل مثل هذه المراكز إلا أنه يظل هناك فارق بين مراكز ومؤسسات الأبحاث research institutions وبين "مراكز التفكير"Think Tanks، ويكمن الفرق الأساس في كون مراكز التفكير تعنى بالأساس بصناعة القرار وبأن تكون رافدا له، أيا كان ذلك القرار سياسيا أو اقتصاديا أو غيره، ففي بعض الدول هناك مراكز تفكير متخصصة وقد يكون تخصصها ضيقا ويتعلق على سبيل المثال بالتعليم أو الصحة أو الزراعة فقط. مراكز التفكير هنا تعنى بطرح حلول أو سياسات أو شرح معضلات وتفسير أحداث بعينها، في المقابل فإن مصطلح مراكز الأبحاث يعكس طيفا واسعا من تلك المراكز التي ليست معنية بالضرورة بالواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الراهن، فمراكز الأبحاث قد تكون معنية بتقدم العلوم البشرية دون الاهتمام بطريقة توظيفها على أرض الواقع. هذا الفارق اللغوي وإن يراه البعض طفيفا إلا أنه يحمل بعض الدلالات، فإذا كانت اللغة – كما يقول ديكارت – هي الفكر منطوقا، فإن غياب اصطلاح لغوي واضح يعكس…
الأحد ١٣ يناير ٢٠١٣
ذكرت في المقال السابق أن اليمن يشهد أبرز التطورات الإيجابية في دول الربيع العربي وهي وإن كانت تطورات بطيئة إلا أنها تسير بشكل سليم وفق بنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ووفق التزام جيد بجدولها الزمني الذي يفترض أن ينهي المرحلة الانتقالية في نوفمبر ٢٠١٤، ليشهد اليمن بنهاية المرحلة دستورا جديدا يرسخ حلولا للمشاكل العالقة هناك ويطلق انتخابات عامة تعيد توزيع السلطة بناء على رأي الشارع. الخطوة الأهم التي تم اتخاذها في اليمن اليوم هي قرار الرئيس عبدربه هادي في ١٩ ديسمبر والقاضي بإعادة تشكيل الجيش، مما أنهى مراكز القوى التي طالما احتكرت المشهد اليمني ودفعت سياسته الداخلية للتشاحن، فهذا القرار أخرج ابن الرئيس علي صالح وأقرباءه من قيادات الجيش، وسيرسخ القرار مع الوقت إعادة تأسيس الجيش على أسس وطنية وهذا أحد أهم المطالب من أجل استقرار اليمن، كما سيدفع مؤتمر الحوار الوطني الذي يجمع تحت مظلته كافة أطياف الشعب اليمني إلى إيجاد حلول لقضايا مثل انفصال الجنوب ووضع الحوثيين وغيرها من المسائل المتعلقة بشكل الدولة ونظامها. نهاية المرحلة الانتقالية لا تعني نهاية مشكلات اليمن، ولا تعني نهاية معضلة اليمن بالنسبة للمملكة، فكل من المملكة واليمن محكومتان في نهاية المطاف بالجغرافيا التي لن تتغير. ولكن في المقابل فإن التغيير الذي ستدفع به المرحلة الانتقالية يعني أن رؤيتنا واستراتيجيتنا نحو اليمن يجب…