الأربعاء ١٥ أبريل ٢٠١٥
يحاول الرئيس الأميركي باراك أوباما بلورة اتجاه يحمل اسمه في مجال السياسة الخارجية. ويُعد الاتفاق الإطاري الذي تم التوصل إليه مع إيران في مطلع الشهر الجاري هو التطور الأكثر أهمية في هذا الاتجاه، الذي يسميه بعض أنصاره «الانخراط بدلاً من المواجهة». وربما يأمل أوباما أن يحمل هذا الاتجاه اسمه، بعد أن بدأ في تطبيقه في حالتي بورما وكوبا، ومضى به خطوة أبعد عبر الاقتراب من اتفاق نهائي مع إيران قد ينهي مواجهة استمرت 36 عاماً. وإذا أردنا أن ننفذ إلى أهم ما يميز هذا الاتجاه، ونتجاوز مفهوم الانخراط الذي لا يمكن اعتباره جديداً في تاريخ السياسة الخارجية الأميركية، ربما نجده في تعبير استخدمه أوباما أكثر من مرة بشأن المفاوضات مع إيران، وهو «الصبر الاستراتيجي». وقد قصد بذلك طمأنة القلقين من الانخراط مع إيران وكوبا، سواء في داخل الولايات المتحدة أو في الشرق الأوسط، إلا أن إمكانات القوة الأميركية تتيح اختبار مدى استعداد بعض الدول «المنبوذة» لتغيير سلوكها إذا حصلت على فرصة لمراجعة سياساتها. وهو يستند في ذلك إلى أن في إمكان الولايات المتحدة أن تعود إلى مواجهة هذه الدول حين يثبت استمرارها في سلوكها المفترض تغييره، أو تحايلها على الاتفاقات التي تُعقد معها. ويتطلب ذلك، وفق منهج أوباما، شيئاً من الصبر في معالجة قضايا استراتيجية تنطوي على معضلات مزمنة باستخدام…
الأربعاء ٠٤ مارس ٢٠١٥
لم يعد التطرف الديني هو العامل الوحيد الذي يدفع بعض الشباب للإرهاب، ويلقي بهم في أحضان تنظيمه الأخطر حالياً. فقد أصبح «داعش» أخطر من تنظيمات إرهابية أخرى لأسباب، من أهمها التحاق شباب لم يكونوا متطرفين دينياً به. لذلك أصبحت معالجة الأزمات التي يواجهها شباب الطبقة الوسطى في كثير من المجتمعات العربية ضرورة ملحة، مثلها في ذلك مثل محاصرة العوامل التي تؤدي إلى التطرف الديني. وليس هذا صعباً، وخاصة في ضوء المعطيات التي تفيد أن اغتراب شباب ينتمي إلى الطبقة الوسطى وشعورهم بالضياع، هو الدافع إلى التحاق من لم يكونوا متطرفين دينياً بهذا التنظيم، وليس الفقر المرتبط بأوضاع اقتصادية صعبة يتطلب إصلاحها وقتاً طويلاً في كثير من البلاد العربية. وهذا هو بعض ما يمكن استخلاصه من قصص شباب من هذا النوع، صار المصريان إسلام يكن ومحمود الغندور أكثرهم شهرة في الأسابيع الأخيرة. فقد أظهرت التحقيقات الاستقصائية التي تمكن صحفيون غربيون من إجرائها في مناطق خاضعة لسيطرة «داعش» في سوريا والعراق، خلال النصف الثاني من العام الماضي، تنوعاً مدهشاً في خلفيات الشباب الذين تركوا بلادهم وذهبوا إلى هناك. ومن أهم ما يُستفاد من تلك التحقيقات أن بعض هؤلاء الشباب لم يُعرف عنهم تعصب أو تطرف سابقان على ذهابهم إلى «داعش»، بل كانوا متحررين اجتماعياً. ويدخل «يكن» و«الغندور» ضمن هذه الفئة التي لم…
الأربعاء ١٨ فبراير ٢٠١٥
لم يكن ممكناً أن تستولي جماعة «أنصار الله» الشيعية وزعيمها عبدالملك الحوثي على أجهزة السلطة في صنعاء، من دون مساعدة أنصار علي عبدالله صالح الذي تمكن من المحافظة على نفوذه في الجيش وبعض مؤسسات الدولة عندما تخلى عن الرئاسة في إطار حل سياسي نموذجي قدمته المبادرة الخليجية. فقد التقت مصلحتا الحوثي وصالح عند تعطيل التقدم الذي كان ممكناً إحرازه عبر ذلك الحل، وغلق الآفاق التي فتحها لبناء دولة عصرية، الأمر الذي أدى إلى تفكك أخذ يزداد يوماً بعد يوم في غياب سلطة قوية للحكومة المركزية. وكانت هذه فرصة تنتظرها جماعة «أنصار الله»، التي استغلت أيضاً اشتعال الوضع الإقليمي، وتوسع نطاق الاضطراب في المنطقة، وتنامي خطر تنظيم «داعش»، وما أدى إليه كل ذلك من تغير في أولويات الدول الكبرى في العالم. فقد أصبحت مواجهة الإرهاب مُقدمة على ما عداها، بما في ذلك خطر تمدد إيران الإقليمي. وهكذا توسع في الشهور الأخيرة الاتجاه الذي بدأ يتبلور في أواخر 2013 للتهدئة مع إيران، وبالتالي تقليل أهمية تدخلها المتزايد في الأوضاع الداخلية لعدد من البلاد العربية. كما استثمرت الجماعة الحوثية تعثر عملية إعادة بناء النظام السياسي في إطار صيغة التسوية، التي أدت إليها المبادرة الخليجية. واستغلت ضعف السلطة المركزية، وتردد الرئيس هادي في مواجهة مراكز القوة التابعة لسلفه صالح، وحساباته الخاطئة التي قامت على…
الأربعاء ١٤ يناير ٢٠١٥
لا ترقى الدعوة الروسية إلى «لقاء تشاوري» بشأن الأزمة السورية إلى مستوى المبادرة، فلا تصور لعناصر حل سياسي متكامل تضمنته الدعوة، ولا خطة محددة لإدارة حوار بطريقة منظمة في مدى زمني معين، ولا سعي إلى وقف إطلاق النار، ولا حتى إلى هدنة مؤقتة جزئية من النوع الذي يدعو إليه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا في حلب، كل ما تنطوي عليه الدعوة الروسية هو أن يجلس أشخاص من المعارضة الوطنية تختارهم موسكو من دون معايير واضحة مع ممثلي نظام بشار الأسد. وإذا كانت لهذه الصيغة دلالة، فهي أن روسيا تريد أن تتحرك في لحظة تراها مواتية لها في ظل التعقيدات التي تواجه حرباً يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد الإرهاب، وفي ظل عدم تحقيق هذه الحرب نتائج ملموسة حتى الآن، وفي غياب أي تحرك سلمي في أزمة تقترب من نهاية عامها الرابع، يظهر فراغاً يُغري كل باحث عن تعظيم دوره للتحرك فيه، وهذا نمط معروف ومتكرر في العلاقات الدولية والإقليمية، فليس عيباً أن تتحرك دولة، أية دولة، سعياً إلى استثمار وجود فراغ ما في لحظة معينة لتحقيق مصالحها أو تعزيزها، فما العلاقات الدولية إلا مصالح في سطرها الأول وفي محصلتها الأخيرة. غير أن ثمة مشكلة بنيوية تواجه تحرك روسيا في مساحة تعتقد أنها تستطيع أن تُعَّزز مصالحها فيها، فهي طرف…
الأربعاء ١٩ نوفمبر ٢٠١٤
تثير سيطرة الحزب الجمهوري على مجلسي الكونجرس في انتخابات منتصف المدة، التساؤل عن إمكانات التعايش بين الرئيس أوباما، وهذا الكونجرس الذي سيباشر عمله في 3 يناير المقبل. فرغم أن سيطرة الحزب المعارض للرئيس على الكونجرس مألوفة في النظام السياسي الأميركي، فربما يكون بعض المشاكل التي ستواجه أوباما في ظل هذا الوضع غير مألوف، فالمعتاد أن تكون هذه المشاكل متعلقة بالسياسات الداخلية أساساً، لكن مأزق سياسة أوباما الخارجية سيجعلها ضمن قضايا الخلاف مع الأغلبية في الكونجرس الجديد. ورغم أن توزيع السلطات في الدستور الأميركي يعطي رئيس الجمهورية صلاحيات كاملة في السياسة الخارجية، بخلاف الشؤون الداخلية التي يملك الكونجرس تأثيراً كبيراً فيها، فالأرجح أن تسعى الأغلبية إلى منازعة أوباما هذه الصلاحيات. ويستند هذا التوقع على عاملين: أولهما، أن الانتقادات الواسعة الموجهة ضد سياسة أوباما الخارجية تشجع الأغلبية في الكونجرس الجديد على ممارسة ضغوط عليه، ولا تقتصر هذه الانتقادات على الجمهوريين، إذ يشاركهم بعض أعضاء الحزب الديمقراطي في الكونجرس، القلق من تداعيات ما يعتبرونه سياسة انكماشية تُضعف نفوذ الولايات المتحدة خارجياً. والعامل الثاني هو أن الفجوة بين سياسة أوباما الخارجية والاتجاه الغالب في الحزب الجمهوري تبدو أوسع من أن يمكن إغفال أثرها في العلاقة بين الرئيس والكونجرس الجديد. ولذلك ربما يكون المحدد الأساسي لهذه العلاقة هو مدى استعداد أوباما لمراجعة بعض اتجاهات سياسته…
الأربعاء ١٧ سبتمبر ٢٠١٤
عندما أعلن المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية في 7 سبتمبر الجاري حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على استتباب الأمن في ليبيا وتحذيره من مغبة التدخل الخارجي فيها، كان يقصد بطبيعة الحال التدخل السلبي الذي يؤدي إلى مزيد من تفاقم الأزمة وتعقيدها. غير أنه قد لا يكون ممكناً وضع حد لهذه الأزمة من دون تدخل إيجابي يساعد في إنقاذ ليبيا وشعبها من حرب أهلية مدمرة، ويسهم أيضاً في وضع حد لخطر الإرهاب العابر للحدود الذي يهدد الأمن القومي لدول عدة في المنطقة. لذلك تطرق المتحدث باسم الرئاسة المصرية في السياق نفسه إلى أهمية تعزيز العمل العربي المشترك في المجالات كافة، ومن بينها مكافحة الإرهاب. فالتعاون العربي ضروري لإنقاذ ليبيا، التي انفلت الصراع فيها –وعليها– وبلغ مبلغاً يهدد بنشوب حرب أهلية تختلط فيها النزاعات السياسية بأخرى أيديولوجية وعقائدية تجد تنظيمات إرهابية مجالاً واسعاً للتمدد فيها، وتتداخل مع خصومات تقليدية قبلية وجهوية (مناطقية)، في مجتمع تركه حكم العقيد معمر القذافي أنقاضاً بلا مؤسسات وطنية. لذلك انتشرت الفوضى فور سقوط هذا الحكم، وتصاعدت في ظلها صراعات من كل نوع نتيجة سوء إدارتها ومحاولة بعض الأطراف استغلالها لمصلحته. فقد تعامل المؤتمر الوطني الانتقالي مع هذه الفوضى بطريقة أدت إلى استفحالها، إذ عجز عن وضع أساس صحيح لبناء جيش وطني محترف غير مسيَّس، فلجأ إلى…
الأربعاء ٢٥ يونيو ٢٠١٤
باستثناء شرق ووسط أوروبا في نهاية ثمانينيات، ومطلع تسعينيات القرن الماضي، لم تشهد منطقة في العالم تغيراً سريعاً وعميقاً في المعادلات السياسية والاستراتيجية كالذي يحدث في منطقة الشرق الأوسط الآن، لكن الفرق هو أن التغير الذي حدث في شرق ووسط أوروبا أفضى إلى أوضاع جديدة تنطوي على معادلات مختلفة في غضون سنوات قليلة، وبأقل الخسائر. كما أن تلك الأوضاع التي أسفر عنها التغير صارت أفضل مما كان عليه الحال قبلها، رغم الخلاف بشأن تقييم آثارها على هيكل القوة في النظام العالمي. لذلك لا يشبه ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط الآن ذلك التغير الأوروبي، إلا في سرعة معدلاته وعمق تحولاته. وحتى على هذين الصعيدين، ما أبعدها المسافة بين معدلات تغير سريعة أدت إلى أوضاع جديدة في فترة قياسية، وأخرى يرتبط تسارعها بتعقيدات متزايدة وتوسع مستمر في رقعة الصراعات وتنامي المخاطر التي تهدد المنطقة عموماً، ودولها العربية خصوصاً. وشتّان ما بين تغير عميق أنتج تحولاً تاريخياً غيَّر وجه الحياة، وليس فقط نظماً سياسية واجتماعية في شرق ووسط أوروبا، وآخر يرتبط عمقه بحدة الصراعات الداخلية المقترنة به في دول عدة، وتجعل الحياة فيها جحيماً، فضلاً عن آثارها الإقليمية المتزايدة، والأخطار التي تحملها. أما الاختلاف الأكثر جوهرية، فهو في مستوى التطور الحضاري. فكانت دول شرق ووسط أوروبا، كغيرها في القارة التي سبقت العالم…
الأربعاء ٢٦ فبراير ٢٠١٤
يجد أوباما صعوبة كبيرة في شرح سياسته الخارجية الجديدة رغم أنه ليس أول رئيس أميركي يُقدم على إجراء مراجعة جذرية لدور واشنطن العالمي سعياً إلى تخفيف أعبائه وخفض كلفته. فقد فعلها قبله، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ثلاثة رؤساء لمعالجة تداعيات التورط في حروب مكلفة، هم أيزنهاور بعد الحرب الكورية، ونيكسون عقب حرب فيتنام، وبوش الأب بعيد انتهاء الحرب الباردة. لم يجد أولئك الرؤساء صعوبة مماثلة لتلك التي تواجه أوباما الآن وتخلق فجوة في علاقات واشنطن مع بعض أهم حلفائها في شرق آسيا، وكذلك في الشرق الأوسط. وربما يعود هذا الفرق إلى أن أوباما يبدو واضحاً على صعيد مراجعة السياسة التي ورطت الولايات المتحدة في حربي أفغانستان والعراق المكلفتين. لكنه يفتقد الوضوح الكافي فيما يتعلق بالتوجهات الاستراتيجية الجديدة، ولا يجيب بالتالي على السؤال المحوري المطروح داخل الولايات المتحدة وفي بعض الأوساط خارجها: إلى أي مدى سيصل الحذر اللازم لتجنب الانخراط في حروب جديدة؟ وهل يبلغ حداً يشجع قوى دولية وإقليمية مناوئة على زيادة نفوذها وتحقيق مكاسب على حساب حلفاء للولايات المتحدة؟ وهل يعني ذلك إمكان تخلي أميركا عن هؤلاء الحلفاء بشكل أو بآخر؟ وإذا لم يكن، فكيف تطمئن واشنطن حلفاءها القلقين من احتمال تخليها عنهم؟ لقد بدأ أوباما ولايته الأولى قبل نحو خمس سنوات بنقد لاذع للسياسة الخارجية التي اتبعتها…
الأربعاء ٣٠ أكتوبر ٢٠١٣
أضاعت قيادة جماعة «الإخوان» المصرية، التي تعودت على أجواء «المحنة» التاريخية وطقوسها، «منحة» لم تحلم بها هي ومن سبقوها في هذه الجماعة على مدى تاريخها. فقد أساءت إدارة السلطة التي صعدت إلى أعلى مستوى فيها عندما تولى د. محمد مرسي رئاسة الجمهورية في الأول من يوليو 2012. وكانت هذه السلطة «منحة» كبرى حصلت عليها الجماعة دون أن تستوفي من استحقاقاتها سوى التنظيم القوي الذي حافظ على تماسكه رغم الضربات الأمنية الكبيرة التي تعرض لها مرات، والملاحقات التي لم تتوقف منذ أربعينيات القرن الماضي. فقد ملأ هذا التنظيم الفراغ، الذي شهدته مصر عقب انتفاضة يناير 2011، لأنه كان هو الأكبر والأكثر قوة بعد عقود «ماتت» فيها السياسة الحزبية التنافسية القائمة على رؤى وبرامج وخطط وأخلت الطريق أمام «سياسة» الاتجار بالدين والتوسل بالخدمات الاجتماعية. غير أن التنظيم الذي كان هو مصدر القوة الوحيد لجماعة «الإخوان» في لحظة بحث فيها المصريون عن بديل يملأ الفراغ الذي ترتب على تفكك سلطة حكمت البلاد لعقود، صار هو مصدر ضعفها الأساسي عندما تولت الحكم بعد فوز مرشحها بالانتخابات الرئاسية الأخيرة. فقد كان التنظيم القوي قادراً على استثمار أخطاء السلطة التي أخذت تتفاقم منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، وملء الفراغ الذي نتج عن تفكك هذه السلطة بفعل انتفاضة 25 يناير. لكنه لم يكن مؤهلاً لتولي السلطة، ناهيك…
الأربعاء ٠٤ سبتمبر ٢٠١٣
لم يكن الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع المصري في حاجة لأن يقسِم عندما روى ما سمعه من بعض قادة جماعة «الإخوان» خلال إحدى المحاولات التي قام بها لنصحهم بإبداء مرونة لحل الأزمة التي تفاقمت قبل انتفاضة 30 يونيو، وهو أنهم سيحكمون لمدة خمسمائة سنة. فقد ظهر منذ نوفمبر الماضي أن جماعة «الإخوان» استخدمت الانتخابات سُلماً للصعود إلى السلطة، ثم أخفت هذا السلم الذي كان يسمح لأي طرف باستعماله وبدأت في صنع سلم آخر لا يستطيع أحد الصعود عليه غيرها. كان إصدار مرسي قراراً في 21 نوفمبر 2012 أسماه إعلاناً دستورياً، وما هو كذلك، بمثابة الضربة الرئيسية الأولى لعملية التحول الديمقراطي التي بدأت عقب التغيير الذي ترتب على انتفاضة 25 يناير 2011 وقاد إلى إجراء الانتخابات الرئاسية التي أُتيح له فيها الوصول إلى السلطة بفضل أصوات من أُطلق عليهم «عاصرو الليمون» الذين لم يقترعوا لمصلحته تفضيلاً له أو لجماعته بل اعتراضاً على منافسه الفريق أحمد شفيق. كان ذلك الإعلان بداية الانقلاب على القواعد الديمقراطية الأساسية، حيث أعطى من لا يملك نفسه وجماعته ما لا يحق له ولها. فلم يكن رئيس الجمهورية يملك في ذلك الوقت سلطة التأسيس التي تمكّنه من إصدار أي إعلان دستوري سواء ذلك الذي أصدره أو غيره. ولكنه اغتصب سلطة ليست له واستخدمها لكي يعطي نفسه، ومن…
الأربعاء ٢٨ أغسطس ٢٠١٣
تاريخ جديد لمنطقة الشرق الأوسط تكتبه الأحداث والتفاعلات الجارية في مصر منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي وإنهاء حكم جماعة «الإخوان» بعد انتفاضة 30 يونيو الشعبية الكبرى. وكما يحدث عادة في حالة أي زلزال كبير، لا تقتصر ارتداداته على المكان الذي يقع فيه بل تنتشر في الأرجاء المحيطة به. وكان فشل تجربة جماعة «الإخوان» في حكم مصر زلزالاً كبيراً من النوع الذي تترتب عليه بالضرورة ارتدادات تؤثر في مستقبل المنطقة. فلم يكن مرسي مجرد رئيس فاز بصعوبة شديدة في انتخابات أُجريت في ظروف غير طبيعية وفشل في مهمته فثار الشعب عليه وعزله، فقد أسقطت انتفاضة 30 يونيو جماعة «الإخوان» التي سعت إلى الهيمنة على الدولة مستغلة وجود مرسي في قصر الاتحادية الرئاسي. وهذه الجماعة هي المركز الرئيسي لتيار «الإخوان» الذي نشأ في مصر عام 1928 وانتشر خارجها. فهي تعتبر «الجماعة الأم» بالنسبة إلى مختلف جماعات «الإخوان» وأحزابهم في كل مكان، سواء التي تنضوي تحت لافتة «التنظيم الدولي للإخوان» بصورة علنية أو ترتبط به فعلياً. ومن الطبيعي أن تكون جماعات «الإخوان» وأحزابهم في العالم العربي هي الأكثر تأثراً بارتدادات الزلزال الذي ضرب مركزهم في مصر، وخاصة تلك التي وصلت إلى السلطة وتقود ائتلافات حكومية في تونس والمغرب أو تشارك في السلطة وتوجهها من وراء ستار في ليبيا واليمن. لكن أثر هذا…
الأربعاء ٠٧ أغسطس ٢٠١٣
ما أن امتلأت معظم الميادين وكثير من الشوارع بعشرات الملايين المؤيدين لتفويض مؤسسات الدولة لمواجهة العنف والإرهاب، حتى خرج مئات من أعضاء جماعة «الإخوان» لقطع الطريق عند النصب التذكاري في شريان شديد الحيوية شرق القاهرة والتحرش بقوات الأمن والاعتداء على الأهالي. بدأت تلك العملية في الساعة الأخيرة من يوم الجمعة 26 يوليو الذي دخل التاريخ مثله مثل اليوم نفسه قبل 57 عاماً عندما استجاب الرئيس جمال عبد الناصر لإرادة الشعب وأعلن تأميم شركة قناة السويس العالمية. ويجمع بين 26 يوليو في عامي 1956 و 2013 أنه يوم تجلت فيه الإرادة الشعبية واضحة لا لبس فيها وقوية يصعب كسرها. وعبرت هذه الإرادة عن أغلبية شعبية هائلة في الحالتين رغم الاختلاف الكبير بينهما زمناً وسياقاً. ومثلما كان حضور هذه الأغلبية ضامناً لانتصار الإرادة الشعبية على الاستعمار عام 1956، يمثل وجودها الآن وتجسدها على الأرض حماية من شبح الحرب الأهلية الذي بدا لكثيرين أنه خيم على سماء مصر في لحظات عدة بين انتفاضتي 25 يناير 2011 و 30 يونيو 2013، سواء حين اشتد الاستقطاب المصنوع بشأن قضية هوية مصر، أو عندما تفاقم الانقسام المترتب على سياسة الرئيس السابق محمد مرسي وجماعة «الإخوان» وخاصة عقب الإعلان الدستوري الصادر في 21 نوفمبر 2012. وفي وجود هذه الإرادة القوية يبدو مغالياً بل مفارقاً للواقع، الجدل المثار…