السبت ١١ أغسطس ٢٠١٨
العالم كله منشغل بالموقف السعودي الجريء والنوعي الذي جاء ردا على التدخلات الكندية السافرة في الشأن السعودي. وتكاد تدور مختلف التحليلات الإعلامية حول كون الموقف السعودي جاء صادما ومخالفا لأقصى التوقعات، وأنه يمثل رسالة سعودية للعالم بشأن الملف الأكثر عرضة للانتقاد وهو ملف حقوق الإنسان، لكن العامل المشترك بين كل تلك التعليقات مستوى الصدمة الكبير وغياب أي قراءة جديدة مقنعة. يحدث كل ذلك لأن العالم كله اعتاد أن منطقتنا سيئة الصيت في العالم اعتادت على شخصية التلميذ البليد الذي يتلقى التأنيب والتقريع يوميا من منظمات وهيئات حقوق الإنسان في العالم بينما يكتفي بالصمت والتبرير أحيانا. لم يحدث أن كان ملف حقوق الإنسان ملفا نزيها وصادقا، لقد تحول إلى وسيلة من وسائل الضغط والتوظيف السياسي، وتشكلت عبر مختلف البلدان الأوروبية جماعات ومنظمات ترضخ لسيطرة الجهات الممولة وتلعب وظيفة رئيسية تتمثل في اللعب بالورقة الحقوقية. العامل الآخر في فساد تلك المنظمات ما يمكن وصفه بالفساد المعرفي والثقافي؛ إنها منظمات تقليدية في الغالب ولا تتطور كثيرا ولديها حزمة من العناوين المطلقة الجاهزة التي تظل ترفعها دون أدنى استيعاب للمتغيرات أو الأبعاد الثقافية والاجتماعية والسياسية في أي مجتمع، وبالمال وبالأنشطة المشبوهة تستطيع تلك المنظمات أن تمثل عامل ضغط على الحكومات وتؤثر في قراراتها وتوجهاتها. هل من المبالغة القول إن ذهنية تقليدية ماكرة لا تزال…
السبت ٠٤ أغسطس ٢٠١٨
كان بالإمكان إقامة حدث مثل الهاكاثون العالمي الذي احتضنته المملكة لخدمة أي قطاع من القطاعات؛ الاقتصاد، الترفيه، النقل، أو غيرها من الأنشطة والقطاعات، لكن ذلك سيجعل منه مجرد نشاط يمكن أن يقام مثله في كوريا أو لوس أنجلوس، لكن اختصاصه بالحج جعله حدثا سعوديا بامتياز وجعله حدثا عالميا كذلك. يمثل الحج بالنسبة للسعودية حدثا سنويا محوريا تبذل من أجله كل الجهود التي تعمل على مدار العام خدمة للحرمين الشريفين اللذين اختص الله المملكة بشرف خدمتهما، طالما مثل ذلك مسؤولية تديرها المملكة بكل اقتدار وطالما مثل ذلك أيضا مدخلا للأعداء والمتربصين الذين أرادوا تحويل هذا الشرف إلى عائق حضاري عن التقدم والانفتاح والمدنية تحت دعاوى أن بلادا تضم الحرمين الشريفين يجب أن تظل ضمن قالب واحد جامد لا يتطور. لم نلتفت أبدا لهذا الرأي وأدركنا أن الحرمين الشريفين على العكس من ذلك تماماً، إنهما يمثلان وعبر التاريخ أبرز محفز للتعايش والتنوع والاعتدال، لم نصغ إليهم والتفتنا للقيم الحضارية الكبرى التي يمثلها الحرمان الشريفان وواصلنا العمل بكل اقتدار. لكن التحول الكبير والمحوري الذي تشهده المملكة اليوم لا بد أن يخصص جانبا واسعا من اهتمامه ورؤيته لاستمرار وتطوير الخدمة والعناية الدائمة المقدمة لمكة والمدينة وللحج والعمرة. منذ إطلاق رؤية المملكة ٢٠٣٠ ونحن نتحدث لغة جديدة ونحمل تطلعا جديدا تتبدى آثاره في كل شيء،…
السبت ٢٣ يونيو ٢٠١٨
غدا الحل الطبيعي والمنطقي والوطني لتلك العقدة الطويلة التي طالما ظلت تمثل معركة اجتماعية كبرى في السعودية وعلى مدى سنين طويلة. غدا أيضاً سوف يخسر الإعلام المشاكس المناوئ للسعودية واحدة من أكثر الأوراق التي ظل يرفعها كلما جاء الحديث عن المملكة ونهضتها واعتدالها. منذ أشهر تدفق الآلاف من النساء إلى مدارس تعليم القيادة بمجرد افتتاحها بعد القرار السامي التاريخي الخاص بتنظيم المرور، والذي يساوي بين الرجال والنساء في أحقية قيادة السيارات. كان ذلك التدفق مؤشرا مهما على حالة تغير واسع في الوعي الاجتماعي السعودي، يتوازى ذلك مع إقبال اجتماعي واسع على مختلف المستجدات التي باتت واقعا في الحياة السعودية. جيل سعودي مختلف في كل شيء ويرى نفسه جزءا من العالم ويريد أن يعيش تماما كما يعيش الناس في المجتمعات التي تتسع فيها الخيارات ويديرها ويحميها القانون. حياة طبيعية وجدول يومي حافل بالعمل والإنجاز والمتع والخيارات؛ تلك هي المرحلة التي نعيشها اليوم والتي ستشهد تطورا واتساعا حقيقيا في الخيارات يقضي على أي محاذير غير منطقية ويغلق كل الملفات الغريبة التي لا يمكن تبريرها. المظاهر الجديدة في الحياة السعودية تحولها يوميا إلى واقع جاذب وحيوي، وقيادة المرأة السيارة ستمثل أبرز وأهم تلك المظاهر، الحضور اليومي للنساء في كل مجتمع أبرز تجسيد لكونه طبيعيا ومتحضرا وأبرز تجسيد أيضا لقوة القانون والمؤسسات. اجتماعيا، لطالما…
السبت ٠٩ يونيو ٢٠١٨
انعقاد المجلس التنسيقي السعودي الإماراتي يمكن وصفه بأحد منجزات هذا التحالف العظيم والقوي بين البلدين، هذا التحالف الذي يمكن اعتباره الأصدق والأوثق في التاريخ العربي المعاصر، وهو يحمل في تركيبته كل عناصر التطور والبقاء والاستمرار. كل التحالفات التي شهدتها المنطقة العربية باءت بالفشل بل تحولت إلى أزمات امتدت آثارها السلبية طويلا، مشروع الجمهورية العربية الذي تم الإعلان عنه العام ١٩٥٨ بين مصر وسوريا لم يلبث أن انفرط بعد ذلك التاريخ بثلاثة أعوام فقط، ومنذ ذلك التاريخ وإلى العام ١٩٧٨ توالت الإعلانات عن مشاريع وحدوية تهيمن النظرة العروبية والحماس غير الواقعي ولكنها لم تحقق شيئا على الأرض ومنيت بفشل مريع. كانت الأيديولوجيات تهيمن على مختلف تلك الأنظمة ذات التطلعات الوحدوية الحالمة، بل إن كثيرا من تلك المشروعات كانت جزءا من معركة صراع الأيديولوجيات وتسيطر عليها فكرة بناء نموذج موازٍ للخلافة إنما بمعطيات وشعارات جديدة تتسم بالشمولية وغياب الرؤية الواقعية، ولم تستطع أن توجد أي نموذج يوازي بين الدولة القُطرية الحديثة وبين تطلعات الوحدة. في العام ١٩٨١ ومع ظهور مجلس التعاون الخليجي شهدت المنطقة تجربة جديدة ونوعية في مسار التحالفات الواقعية، كان المجلس رؤية جديدة في العمل المشترك يحافظ على الدولة الوطنية الحديثة بصفتها كيانا قائما ومستقلا وفي ذات الوقت يؤسس لها دورا جديدا فاعلا في محيطها يحافظ على مصالحها ويمكنها من…
السبت ٢٦ مايو ٢٠١٨
الدولة المدنية الحديثة هي آخر نموذج طورته ووصلت إليه البشرية في سياق بناء المجتمعات والكيانات بل وأكثرها نضجا وقدرة على البقاء والتطور، من مجتمعات العائلة والقبلية والعرق والإثنية جاء مجتمع الدولة الحديثة ليمثل رابطا جديدا بين المنتمين إليه؛ رابط يتجاوز تلك الروابط الصغرى ويقوم على مبادئ التنوع والمصلحة والدفاع وعلاقات المنافع المتبادلة مع الكيانات المجاورة، وكل اضطراب تشهده أية دولة يعود إلى قصور في أحد جوانب المدنية لديها؛ إِمَّا بسبب تراجع التنوع وهيمنة الرأي الواحد أو الاحتكام إلى حسابات ومصالح لا علاقة لها بالواقع. وكلما اتسعت الخيارات واتسعت هيمنة القانون المدني كلما كان ذلك الكيان في مساره الصحيح، وكلما تراجعت كلما دخل في أزمات متتالية، أبرزها تتمثل في وجود وعي غير مدني أو قيمة غير واقعية يراد الدفاع عنها أو الانطلاق من أحكام قديمة أو غيبية لبناء واقع جديد.. (الولي الفقيه) هذا أسوأ منصب عرفه التاريخ الحديث، والتجلي الأبرز له يتمثل في النظام الكهنوتي الإيراني الذي بات عبئا على الشعب الإيراني وعلى المنطقة والعالم بأسره. في الواقع إن كل ما يقوم به النظام هناك سواء في الداخل الإيراني أو في المنطقة هو نتيجة حتمية وطبيعية لتركيبة النظام التي تقوم على أن الولي ليس شخصية دنيوية واقعية ومعاييرها ومهاراتها في الحكم والسياسة ليست سياسية ولا وطنية بل هي فقهية دينية غيبية.…
السبت ١٩ مايو ٢٠١٨
من أصداء مؤتمر أبوظبي الذي عقد الأسبوع قبل الماضي، ذلك المحور الذي يمثل تحديا وهدفا للمؤتمر: المجتمعات المسلمة.. الفرص والتحديات، وهو محور فقه المواطنة، جاءت مفردات المحور متعددة ضمنا في الكثير من محاور اللقاء، وتم تخصيص محور كامل تحت عنوان: الانتقال من فقه الضرورة إلى فقه المواطنة. هنا لا بد من مواجهة الآتي: ثمة حالة من التيه تسيطر على قضايا الوطنية والمواطنة والدولة الحديثة في مختلف المصنفات والكتب الفقهية التراثية والكتب الفقهية الحديثة التي تتكئ عليها، فالدولة الوطنية الحديثة تمثل آخر منتج توصلت إليه الحضارة الإنسانية كإطار لتنظيم حياة المجتمعات وإدارة العلاقة بينها وبين أفرادها الداخليين، ذلك المنتج لم تدركه كتب الفقه التراثي زمنيا وبالتالي فليس ثمة حاجة للبحث عن تأصيل للوطنية من خلال الفقه القديم. هناك ما هو أهم وأكثر عمقا ويمكن أن يمثل مستندا دينيا وتاريخيا ننطلق منه في تأصيل مفهوم المواطنة لا شكلها، وهو ما ذهب إليه المؤتمر بكل نجاح؛ إنها وثيقة المدينة. مثلت تلك الوثيقة منطلقا مهما لأبرز وأهم قيم الحياة المدنية وهي قيمة التعايش بين المتنوعين والمختلفين دينيا، لقد جعلت الوثيقة من المكان والمصالح المشتركة مبررا للتعايش، ومثلت إعلاء من شأن الاختلاف. بالتأكيد أن ذلك لم يكن نموذجا للدولة المدنية الحديثة الكامل، ولكنه مثل تأسيسا لزمن المدنية، والتي يعد التعايش من أبرز وأهم مقوماتها. نصت…
السبت ١٢ مايو ٢٠١٨
ربما وبعد كل تلك التحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة وبعد حالات الانكشاف الكبرى في كثير من الملفات وبعد انهيار مشروع الإسلام السياسي في المنطقة وتراجعه في العالم، ليس أنسب من أبوظبي لتكون مقرا ومنطلقا للحدث العالمي الضخم الذي شهدته الأسبوع الماضي: المؤتمر العالمي للمجتمعات المسلمة.. الفرص والتحديات. هذا أحد الملفات التي شهدت صمتا طويلا جعله رهينة طيلة العقود الماضية لدى المؤسسات والتنظيمات الحزبية والحركية إلى الدرجة التي تأزمت فيها علاقات المسلمين في البلدان غير المسلمة بأوطانهم وأصبحوا قضية معقدة بدلا من أن يكونوا جزءا من النسيج الاجتماعي في أوطانهم. ومنذ عقود اتجهت جماعات الإسلام السياسي والكيانات الداعمة لها لتجعل من المسلمين في تلك البلدان سلاحا من أسلحتها وورقة من أوراقها التي تتفاوض بها مع الحكومات هناك وتجني من خلفه كثيرا من المكاسب التي تدعم عملها السياسي والحزبي.. كانت المنابر والفتاوى والمؤسسات الإسلامية أشبه ما تكون بغرف التوجيه والتحكم التي سعت من خلالها جماعات الإسلام السياسي للتأثير في تلك التجمعات الإسلامية، وقد عملت في ذلك على حزمة من الإجراءات والأهداف كان من أبرزها بناء حواجز تقف ضد اندماج المسلمين في أوطانهم وبخاصة الجيل الثاني منهم، وإشاعة قيمة الغربة والابتلاء بصفتها الوصف الأبرز لحياتهم في تلك المجتمعات الكافرة. لقد كان (فقه الضرورة) أبرز تلك الأدوات، ويطلق عليه أيضا: فقه الأقليات، وتكمن خطورة…
السبت ٢٨ أبريل ٢٠١٨
لم يعلق الإعلام الرسمي القطري ولا الشخصيات القطرية الرسمية على ما جاء في تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، ليس فقط لأن التعليق سيدخلهم في حرج ومواجهة مع الحقائق التي جاءت في تصريح الجبير بل أيضا لأن النظام في قطر جرب كل شيء وخاض في اللعبة الإعلامية وحروب التصريحات والمناورات السياسية وشراء افتتاحيات الصحف العالمية، لكن شيئا من الواقع لم يتغير والمقاطعة تقترب من إكمال عامها الأول وسط ازدياد عزلة النظام وخسائره ومصيره غير الواضح. في الواقع لم يخطر ببال النظام القطري وهو يقوم بكل مغامراته التي تصاعدت منذ العام ٢٠١١ أن كل ذلك سيسقط رغم اعتماده على دعم من الإدارة الأمريكية آنذاك، ورغم أنه بدأ يجني بعض النتائج في ليبيا وفي مصر وغيرهما وبدا له أن كل شيء في المنطقة استجاب لذلك المخطط وبات واقعا لا يمكن تجاوزه. دول الاعتدال والاستقرار في المنطقة، وعلى رأسها السعودية والإمارات، وجدت نفسها في مواجهة تاريخية ومصيرية، ولولا ذلك التحرك الضخم على كل المستويات لكانت المنطقة الآن ركاما من الفوضى والاقتتال والطائفية، دخلت دول الاستقرار في معارك سياسية واقتصادية وواجهت بكل قوة مشروعا يعتمد على نظرية سياسية غير واقعية ودعم دولي غير مسبوق وكيانات في المنطقة تحولت إلى أجهزة تنفيذية لذلك المشروع وعلى رأسها النظام القطري. أوباما وفريقه بالنسبة لنا هم ليسوا الولايات…
السبت ٢١ أبريل ٢٠١٨
هل يمكن للاجتهاد الفقهي الذي غالبا ما يمثل لحظة اجتهادية ذات سياق معين أن يدير الحياة في الدولة المدنية الحديثة؟ في الواقع يمكن أن يكون هذا مستحيلا للغاية، ومحاولات فرضه سابقا هي التي تقف خلف كل الأخطاء والتوترات المجتمعية السابقة. الحل في القانون والتنظيم فقط، وثمة من يتهيأ الآن للرد على هذه العبارة أنها مجافاة للشريعة وتخلٍ عنها، ولكن النظام والقانون لا يأتيان إلا من خلال المقومات الثقافية والاجتماعية التي على رأسها الدين. الدولة تمنع وتسمح ولكنها لا تحرم ولا تحلل؛ وإذا كان ثمة رأي فقهي مثلا يحرم الموسيقى فالاقتناع به أو رفضه مسألة شخصية تعود للأفراد، لكن الدولة ليس من شأنها ولا من مهامها أن تتبع ذلك الرأي أو ترفضه، لأن علاقتها بالأفراد تقوم على القوانين والأنظمة التي تراعي تنوعهم وخياراتهم. إشارات المرور مثلا لا تفرق بين الملتزم وغير الملتزم وعلى الجميع الالتزام بها بغض النظر عن قناعاتهم، القيمة الكبرى في إشارات المرور قيمة دينية عليا تتمثل في التنظيم وحفظ الأرواح. ولنتخيل ماذا سيكون الأمر عليه لو أن الاجتهادات الفقهية التي ظلت تصدر يوميا طيلة السنوات الماضية تحولت إلى قوانين وأصبحت تمتلك سلطة لإلزام الناس بها! اجتهادات في اللباس والأكل والعلاقات والسفر وكل تفاصيل الحياة (هذا التفصيل أحد إشكالات المدارس الفقهية التقليدية) لو امتلكت سلطة لانتهى الأمر بها إلى…
السبت ٣١ مارس ٢٠١٨
وهي تلك التي تتوارد على لسان ولي العهد في لقاءاته وأحاديثه الإعلامية المتنوعة والتي تأتي على هامش اجتماعاته وزيارته النوعية هذه الأيام للولايات المتحدة. في مقهى ستاربكس يعقد الأمير الشاب أحد اجتماعاته التي تغص بها أجندته اليومية في نيويورك والتي تشمل كل شيء وتغطي مختلف الجوانب التي تهم بلاده وتطلعها نحو المستقبل. بعد لقاءات واشنطن تراجعت العناوين السياسية وحلت محلها العناوين التنموية لكل تلك اللقاءات والاجتماعات؛ شركات النفط والطاقة والتقنية والاختراعات والمبادرات والتشييد، الشركات العالمية التي أسهمت في تغيير حياة الملايين حول العالم كلها في قوائم انتظار وترقب اجتماعاتها مع السعودية بوجهها المستقبلي الجديد. في الواقع إن أبرز ما يدور في حوارات ولي العهد ليست تلك الصفقات ولا الاتفاقيات النوعية التي تدعم وتؤسس لتنمية سعودية نوعية، لكن الأهمية تكمن في تناوله لتلك الجوانب النظرية المدنية التي إذا ما توافرت واستقرت فإنها تؤمن الأرضيّة اللازمة لإنجاح وتحقيق كل تلك الجهود والتحولات الرامية إلى بناء واقع تنموي جديد. التنمية في الدولة الحديثة لا يمكن أن تستقر أو تزدهر إلا في وسط معتدل متنوع مدني، ولكي تؤمن تلك الأرضيّة لا بد من القيام بالآتي: مواجهة التطرّف والتشدد في الخطابات التي تؤزم علاقة المجتمع بالحياة وتؤسس لمنطق الخوف المفرط من كل شيء. ثانيا: الإعلاء من شأن التنوع وحمايته وإبرازه بصفته الانعكاس الفعلي للحياة المدنية.…
السبت ٢٤ مارس ٢٠١٨
هذه الجملة التي وردت في حديث سمو ولي العهد لبرنامج 60 دقيقة، البرنامج الأمريكي الشهير الذي استضاف سموه قبل زيارته التاريخية الحالية للولايات المتحدة الأمريكية، والتي جاءت في معرض جوابه عن السؤال التالي: ما هو التحدي الكبير الذي يواجهكم؟ الجواب: أن يؤمن الناس حقا بما نقوم به. ثمة شعور عاطفي كامن في المجتمعات التي اعتادت السكون والتغيير المتدرج البطيء يجعلها تنساق نحو الثبات وتلتفت باهتمام إلى أصوات الممانعة التي تمتهن التخويف من كل خطوة جديدة، هذا في الواقع المحايد البريء فكيف به في حال وجود قوى ظلت فاعلة لسنوات تجعل من الممانعة والإعلاء من شأن السكون والمحافظة العمياء عملا سياسيا موجها يتحرك على مستويين: الأول يتمثل في تأزيم العلاقة بين الناس والدولة، بتصوير التحديث الذي تقوم به خطرا على القيم والأخلاق والالتزام؛ حدث هذا كثيرا خلال التاريخ السعودي الحديث وكانت كل خطوة تحديثية رغم ما تبديه من وعود لا ضرورة لها كالإلحاح على الثوابت وعدم المساس بها تتعرض لكثير من الممانعة والسعي لاستقطاب الشارع ليقف مناوئا لها. الثاني: يتمثل في كون الهدف السياسي الكبير من الإبقاء على السعودية كيانا محافظا ينمو فيه التشدد ويزدهر فيه النمط الأحادي من أجل تقديم تلك الصورة للعالم وإقناعه بأننا كيان جامد يقع خارج التاريخ، وهو ما يؤطر صورتنا بصفتنا عبئا على العالم لا جزءا…
السبت ١٧ مارس ٢٠١٨
كانت الأخبار الأبرز من طهران الأسبوع الماضي تدور حول الاحتجاجات المناهضة للحجاب الإجباري، وفتحت سلطة الملالي مركزا وسط طهران يقوم بالتحقيق مع الفتيات غير الملتزمات بالحجاب وإيقاع عقوبة الجلد عليهن دون الرجوع للقضاء. الدولة الثيوقراطية معضلة كبرى في علاقتها بالداخل أولا، لذا تظل تعكس حالة من التناقضات الكبرى والتعقيدات المتزايدة التي تنتهي بها إلى مواجهات لا محدودة. المسألة الأخلاقية من المنظور الديني أبرز وأخطر أزمات الدولة الثيوقراطية؛ إنها تجعل من الحكم الفقهي الواحد نمطا شموليا تتعزز معه الأحادية وغياب التنوع التي يمثل لبّ الدولة الحديثة، ولباس المرأة يمثل أبرز معارك الكيانات والخطابات المتشددة في المنطقة العربية، فهو مرتبط في تكوينه وهدفه بالمسألة الأخلاقية، وهو مرتبط سياسيا بتعزيز الهيمنة التي يسعى الإسلام السياسي لبسطها في كل المجتمعات التي يكون له فيها موطئ قدم. لماذا يركز الإسلام السياسي على المسألة الأخلاقية الدينية؟ لأنها الأقدر على التحكم في الوجدان الشعبي العام، مما يضمن حالة الانصياع العام أيضا، إن حالات الجلد التي تقام اليوم في طهران للفتيات المناهضات لإجبارهن على ارتداء لباس معين، لن تؤدي أبدا لإقناع الفتيات به، وسيعزز حالة النفور من مختلف التعاليم الدينية المفروضة ولكنه يعكس حالة الوصاية والأبوية التي تعتنقها الحركات الدينية. قبل العام ١٩٧٩ لم تكن المسألة الدينية الأخلاقية تحظى بأي حضور في الشارع العربي حتى ظهرت الدولة الدينية…