السبت ٠٩ ديسمبر ٢٠١٧
كيف يفكر الشارع السعودي والإماراتي والمصري والعراقي في القضية الفلسطينية، ولماذا يحمل الشارع العربي في معظمه قاموسا واحدا من الجمل والتعبيرات وحتى المفردات حين يتحدث عن فلسطين؟ يكاد يختفي من ذلك القاموس كل البعد السياسي للقضية وحتى البعد التاريخي ويهيمن عليها بعد واحد هو البعد الديني، وهو ما أدى لإضعاف القضية وربطها بالموقف والقناعة الدينية الوجدانية أكثر من ربطها بالموقف السياسي العملي الذي يستوعب الواقع والتحولات ويبحث عن الحلول. كانت أبرز أسباب ذلك الواقع أن العدو أصلا لديه ذات الجوانب الدينية المرجعية في فهمه للقضية؛ إنها وعد قادم من التوراة بأحقية اليهود في تلك الأرض، وفيما شهد الخطاب الديني اليهودي في التعامل مع القضية الفلسطينية تراجعا فعليا لحساب الخطاب السياسي، كانت المعادلة على العكس من ذلك في الواقع العربي؛ تراجع في اللغة الواقعية السياسية واتساع للقاموس الديني الذي دخل مبكرا في تنافس مع خطاب آخر هو الخطاب القومي العروبي، ولكلا الخطابين عيوبه ودوره في تراكم الخسائر التي شهدتها القضية. توطدت الدولة الوطنية في العالم العربي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وباتت قضايا الحدود والاستقرار والتنمية هي أبرز قضايا تلك الدول، وكلها قضايا يمكن تصنيفها وتحديد المعنيين بها، هنا وفِي ظل الدولة الوطنية كيف يمكن إدارة قضية لا تصنيف لها وتقع خارج حدود كل دولة والكل معني بها وجدانيا وعاطفيا وقوميا…
السبت ٢٣ سبتمبر ٢٠١٧
بينما تتزين الشوارع الرئيسية في الرياض باللون الأخضر وتتوشح المباني والأعمدة بصور وشعار اليوم الوطني؛ ثمة شوارع أخرى تعيش الحدث ذات وبالإيقاع ذاته؛ الصور تجعلك لا تكاد تفرق بين الرياض وجدة وبين أبوظبي ودبي. عاش سلمان، يا بيرق التوحيد أغنيات وطنية سعودية تتردد أصداؤها في جنبات المطارات والمراكز التجارية الإماراتية كما هو الحال في المراكز والمواقع السعودية العامة. هذه المظاهر الاحتفائية باليوم الوطني السعودي إماراتيا ليست سوى انعكاس لحالة الارتباط الفعلي الوثيق والمتنامي، ولهذا النموذج الفريد في علاقة بين بلدين تجاوزت التوافق السياسي والأطر التقليدية للعلاقات بين البلدان لتصل إلى حالة من الشراكة الحقيقية في كل شيء. في عام 1932 كانت المنطقة على موعد مع حدث ضخم وتاريخي سيغير تاريخ المنطقة بالكامل؛ إعلان قيام المملكة العربية السعودية لتمثل أبرز نموذج لدولة حديثة في وسط جغرافي واجتماعي هيمنت عليه الانقسامات والصراعات، وشملت تلك الوحدة أبرز وأهم حيّز جغرافي في الجزيرة العربية والشرق الأوسط، وحافظت منذ التأسيس على الكيان آمنا متوحدا، وبدأت العمل الجاد والشاق باتجاه بناء وإحلال قيم الدولة الوطنية الحديثة، لتلغي قيم الانشقاق والخلاف والولاءات الصغيرة باتجاه ولاء كبير وجامع. أسسه وأشاده الراحل العظيم المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن. بعد ذلك التاريخ بقرابة 30 عاما كانت المنطقة أيضا على موعد مع حدث تاريخي ومحوري جديد، عام 1971 يشهد إعلان…
السبت ٢٦ أغسطس ٢٠١٧
في مقطع فيديو طريف ومتداول تقوم إحدى القنوات بإجراء لقاءات عابرة في شارع عام بالرياض، يستوقف المراسل المارة ليسألهم: هل أنت علماني؟ ما تعريف العلمانية؟ المقطع الشهير لا يحمل أية إجابات على الإطلاق بل يحمل إجابات طريفة ومضحكة للغاية (من أشهرها ذاك الذي يجيب: العلمانيين هم اللي عاشوا في العصر العلماني). الجامع بين كل تلك الإجابات هو أمران اثنان: الخوف المطلق من العلمانية، والرفض المطلق كذلك. كان هذا المقطع أول مادة أعدت البحث عنها بعد أن قرأت مقال الأستاذ جمال خاشقجي: دكان العلمانية؛ المنشور في 19 أغسطس في صحيفة الحياة. الفكرة العامة للمقال أن العلمانية كلٌ لا يتجزأ، وبالتالي إما أن تأخذها بالكامل أو تتركها بالكامل، وتضمن المقال استشهادات متنوعة لدعم تلك الفكرة. أنا أعتبر أن أول الأخطاء المنهجية في الحديث عن العلمانية حين توضع كمقابل للدين، أي دين كان، فالعلمانية ليست ذات محتوى على الإطلاق، إنها أشبه ما تكون بأفكار تنظيمية، والتنوع الهائل الذي شهدته التجارب الوطنية الحديثة في علاقتها بالعلمانية جعلتها بالفعل دكانا فكريا حقيقيا يستطيع كل كيان أن يأخذ منها لا ما يشاء بل ما يحتاج إليه، والقيم الكبرى في العلمانية لم تعد اختيارية منذ ظهور الدولة الوطنية الحديثة التي لا بد وأن تشتمل على مسحة من العلمانية. فصل الدين عن الدولة كتعريف للعلمانية هو التعريف القادم…
السبت ٢٩ يوليو ٢٠١٧
مرت الداخلية السعودية بالكثير من التحولات التي واكبت اتساع الدولة وتنوع التحديات وأسست أجهزة رائدة في بناء وإدارة منظومة أمنية حقيقية.. ربما كان العام ٢٠٠٣ انطلاقا فعليا لمرحلة جديدة في مسيرة وتحديات وزارة الداخلية السعودية؛ معارك من نوع مختلف وأعداء هنا بيننا ومنا، لم تكن المواجهة الأولى مع الحوادث الأمنية المتفرقة، لكنها كانت إيذانا بانطلاق مواجهة مستمرة ومتنوعة وذات أبعاد واسعة وجديدة. هذه المرة الإرهاب ليس أحداثا متفرقة ومنفصلة، إنها مواجهة مع تنظيمات واسعة ومتشعبة وذات امتدادات خارجية وهيكلة عنقودية ومصادر تمويل، والأخطر من ذلك كله الاستناد على معطيات فكرية دينية تقع في منطقة تماس بين ما هو ديني وبين ما هو إرهاب وتطرف، وتلك كانت أبرز أشكال المواجهة وأكثرها تعقيدا. انطلقت المواجهة وكانت الداخلية في عملية بناء وحشد مستمر لأدوات ومفاهيم جديدة في العمل الأمني. بينما كانت المواجهة في أشدها، كانت عمليات البناء تسير بشكل متزامن. الإرهاب معقد للغاية والمواجهة معه تحتاج لفك ذلك التعقيد وتقسيمه ووضع أطر خاصة لكل جانب من جوانبه. من خلال جهاز المباحث العامة استطاعت المملكة بناء واحد من أكثر الأجهزة في العالم قوة وفاعلية في مواجهة الإرهاب ولم تكن التجارب والتحديات التي واجهها الجهاز إلا عوامل أسهمت في تقويته وصقله وتمكن الجهاز من استيعاب كافة جوانب المواجهة مع الإرهاب وأسس وعيا جديدا فيما يتعلق…
السبت ١٧ يونيو ٢٠١٧
ترى ما الخيارات الأخرى التي كانت لدى السعودية والإمارات ومصر والبحرين في التعامل مع النظام القطري؟ تقريبا استنفدت تلك الدول كل شيء مع النظام القطري واستخدمت كل الأدوات التي تمدها بها العلاقة التاريخية والجغرافية والأخوية مع قطر من أجل الوصول إلى صيغة التزام معينة تتوقف بها تلك المجموعة السياسية عما تقوم به من مؤامرات ودسائس تجاه أشقائها، لكن وفي الوقت ذاته كان النظام في الدوحة يستغل كل المعطيات الجغرافية والسياسية والأخوية مع دول الخليج ليجعلها عناصر تمكين له في مشروعه التخريبي التآمري وكان آخر وأبشع تلك الصور ما حدث من استغلال الدوحة لدخولها في تحالف استعادة الشرعية في اليمن الذي تقوده المملكة لاختراقه والعمل على تقويضه وبناء تحالفات داخلية تستهدف الإضرار بمشروع التحالف، وصولا إلى التخابر مع ميليشيات الحوثيين ومع النظام الإيراني. كان ظهور وزير الخارجية القطري السابق في مقابلة تلفزيونية مع تشارلي روز عبارة عن استدعاء قطري لأحد اللاعبين الحقيقيين الذين ورطوا قطر في كل هذه الأزمة، ربما كان ذلك الظهور بتوصية من إحدى شركات العلاقات العامة التي أخذ النظام القطري في الاعتماد عليها لبث صورة عن بلده على أنه البلد المظلوم المحاصر والبقعة الصغيرة التي اتفق الكبار المحيطون بها على ضربها، لكن ذلك الظهور مثل أيضا إشارة واضحة إلى أن الفاعلين حقا في السياسة القطرية ليسوا أولئك الذين…
الأحد ٠٢ أكتوبر ٢٠١٦
سيظل يوم الأربعاء الماضي أحد أكثر الأيام تأثيرا في قصة التحالف الطويل والعميق بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، إنه اليوم الذي شهد رفض الكونغرس الأمريكي لفيتو الرئيس أوباما ضد قانون (جاستا): قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب. كانت اللجنة الأمريكية المختصة بالتحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد نفت أي علاقة للسعودية أو أي من المسؤولين الحكوميين بحادث 11 سبتمبر وكان التقرير الذي صدر مؤخرا واضحا بنفي أي دور، إلا أنه ترك الباب مواربا إذ أشار إلى إمكانية وجود بعض أدوار لشخصيات سعودية مسؤولة. لكن الدوائر السياسية الأمريكية لا تقل عن الدوائر السياسية السعودية انزعاجا وترقبا لتداعيات تفعيل هذا القانون فقد عبر أكثر من 30 عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي في بيانات لهم عن تحفظهم على هذا القرار معربين عن تخوفهم من عواقب محتملة لهذا القانون بما في ذلك احتمال مواجهة أمريكا دعاوى قضائية في محاكم أجنبية نتيجة أعمال وأنشطة عسكرية أو استخباراتية. وحذر جون برينان مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية أن تشريعا كهذا سيكون له تداعيات خطيرة على الأمن القومي الأمريكي. وحتى مع تحذيرات الاتحاد الأوروبي وغيره من المنظمات الدولية من مخاطر سيمثلها إقرار هذا القانون إلا أن ذلك كله لم يقف حائلا دون تمريره ونقض الفيتو الرئاسي الرافض له. يدرك الجميع إذن حجم المخاطر الذي يمثلها هذا…
السبت ٢٧ أغسطس ٢٠١٦
بينما توجد لدينا وزارة للحج وللدعوة والإرشاد وهيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهيئة للزكاة، بالمقابل لا توجد مثلا وزارة للصلاة ولا هيئة للصيام! لأن مثل هذه الشعائر: الصلاة والصيام وغيرها، شعائر فردية لا يحتاج القيام بها إلى تفاعل بين الناس أو تأثير متبادل أو سلطة لطرف على حساب طرف، بينما شعائر كالحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة والإرشاد تمثل شعائر عامة تقوم على التفاعل الاجتماعي وبالتالي تحتاج إلى سلطة تقوم بإدارتها ومنع أن ينتزع أحد تلك السلطة وأن يقوم بها لأن كل أشكال السلطات العامة هي حق أصيل للدولة وللدولة فقط. ولأننا في دولة إسلامية سعت منذ تأسيسها إلى بناء نموذج معتدل وسطي قادر على المواءمة بين قيمه الإسلامية وبين متطلبات وركائز بناء الدولة فقد تمت حماية الشعائر العامة من أن تكون مدخلا لانشقاق أو خلاف اجتماعي فتولت الدولة إدارتها، وفي الوقت ذاته فلا شأن لها بالشعائر الفردية والعبادات والقناعات الدينية الخاصة التي لا تظل حدود تأثيرها خاصة بالفرد. ومن المؤكد أن مستوى الأداء وحجم التنظيمات والقوانين في تلك الوزارات التي تتولى إدارة الشعائر الدينية العامة ليس ثابتا بل يتطور حسب المراحل وحسب التحولات الاجتماعية، ويشهد باستمرار كثيرا من التعديل والتحديث. ولطالما كانت تلك التعديلات والعمليات التطويرية حماية لتلك المؤسسات ومنعا لها من أن تصطدم بالمجتمع أو يقوم…
السبت ١٢ مارس ٢٠١٦
لا يمكن تخيل السيناريو الذي كانت ستعيشه المنطقة فيما لو لم تطلق السعودية مسارا جديدا على المستوى السياسي والعسكري، تغيرت المنطقة سياسيا منذ أن دفع الغباء السياسي والحسابات المغلوطة صدام حسين لغزو الكويت ومنذ أن انهار برجا مركز التجارة العالمي الذي كان هدفه الرئيسي إحداث شرخ ضخم في العلاقة بين الحليفين الكبيرين؛ الرياض وواشنطن. العام ٢٠٠٣ والقوات الأمريكية تدخل إلى العراق وشاشات التلفزة العالمية تنقل صور ضرب صور صدام حسين وإسقاط تماثيله على أنها الانتصار الكبير ولحظة التحرر والخلاص، بينما كانت تدشينا لواقع جديد في المنطقة. لا يخدم إيران في المنطقة أكثر من القاعدة وداعش لذلك جعلت من هذين التنظيمين أبرز أجهزتها للمواجهة في المنطقة استهدافا أو اتهاما، فحماية نظام الأسد تتم عبر إشغال العالم بداعش وشيطنة الإسلام السني تتم عبر تنفيذ هجمات إرهابية في عواصم أوروبية والاعتداء على دول الجوار وإثارة الفتن والاضطرابات تتم عبر عمليات إرهابية وتسليح جماعات إرهابية كما يحدث في استهداف المملكة والخليج. وفي واحدة من أسوأ مراحل سياستها في المنطقة ركزت الولايات المتحدة على خلق أكبر قدر ممكن من الفراغات السياسية وسجلت أكبر تراجع في علاقتها مع حلفائها التقليديين، سقط العراق في أيدي الإيرانيين وباتت حكومة لبنان المركزية تقع في الضاحية وانتشرت القوات الإيرانية وميليشيا حزب الله في المدن والبلدات السورية تقاتل السوريين وتفتك بهم.…