يوسف الديني
يوسف الديني
كاتب سعودي

التصعيد الإيراني: مناورات أم هويّة هجينة؟

الثلاثاء ٠٤ يناير ٢٠٢٢

هناك جدل كبير مطروح في مراكز التحليل والبحث الغربية المختصة بالدراسات العسكرية المستقبلية حول الملف الإيراني، والملاحظ أن جدل التحذير من أن إهمال أخذ موضوع مشروع الملالي لعسكرة المنطقة، والوصول إلى خيارات الملالي قد انتقل من مرحلة التحذير إلى الشعور بالتهديد الوشيك. السؤال المركزي في هذه النقاشات وما يتبعها من تقارير وندوات وتحليلات: هل طهران قادرة على صنع أسلحة نووية؟ كيف ومتى، ثم هل سيتبع ذلك الوصول إلى رؤوس صاروخية حربية قابلة للاستخدام، بما يعنيه ذلك من صعوبات فنية بالغة! هناك شبه إجماع من الباحثين المراقبين للملف الإيراني على أن النظام الإيراني لن ينتظر هذه المرحلة المتقدمة من التطوير ليستعرض قدراته النووية، إذ يمكن للنظام أن يفعل استخدام الطائرات بديلاً للصواريخ في منطقة الإطلاق حتى لو كان اعتراضها أكثر سهولة لكنها خيار طهران المفضل. ورغم المفاوضات الناعمة والمرتبكة مع إيران هذه الأيام، ولغة التصعيد والتلويح بالتدخل من قبل إسرائيل بلا مبالاة بأي امتعاض من بعض المسؤولين عن الملف الإيراني الأوروبيين، فإن الحراك النووي لو صحت التسمية في الداخل الإيراني يتصاعد ولو على الأقل من جهة التشغيب والتلويح بالقدرات الجديدة. المناورة الأخيرة في نهاية ديسمبر (كانون الأول) كانت مؤشراً على نوايا سنة نووية إيرانية جديدة ولو بالشعارات والضغط على فك الحصار عنها، ومن تابع مخرجات هذه المناورة الخطابية يدرك أن التلويح…

ميليشيات الملالي: التشغيب على الاستقرار

الثلاثاء ٢١ ديسمبر ٢٠٢١

في كل مرة يتزايد نشاط ميليشيات طهران في خضم محاولاتها للتشغيب على استقرار المنطقة، من ميليشيا الحوثي الإرهابية إلى ميليشيات محاولة عسكرة الحالة العراقية، هناك سؤال عن التوقيت؟! والإجابة المباشرة هي محاولة منح ملالي طهران أوراقاً تفاوضية عالية، خصوصاً في المناطق الهشة التي خلقها الانسحاب الأميركي وارتباك القوى الغربية، ومن المتوقع زيادة هذا النشاط في مناطق التوتر في سوريا، والضغط على مناطق «قسد»، والاستثمار بشكل كبير في أفغانستان عبر انبعاث الميليشيات الشيعية، أو التفاوض المباشر مع «طالبان»، والقفز على الطائفية، في سبيل خلق جسور تعاون. يتوقع الخبراء، منهم كريسبن سميث الخبير في ملفات الأمن القومي والنزاعات المسلحة، أن تزيد الهجمات ضد قوات التحالف في سوريا، وأن يستميت الحوثيون في محاولة التشغيب على الدفاعات السعودية التي بدأت تقطف ثمار هذه الفوضى الإيرانية، بإعادة موضعة شرعية وعدالة موقفها حتى عند أكثر القوى والمؤسسات الغربية ممانعة، إضافة إلى تحول مسألة الحوثيين من طرف سياسي في سياق الارتباك الغربي الحقوقي إلى ميليشيا إرهابية يحذر الخبراء إدارة بايدن من التساهل في توصيفها، خصوصاً بعد تأكد الأدلة على تحويل مطار صنعاء الذي قاتلت منظمات حقوقية لفتحه، إلى نقطة عسكرة ومستودع صواريخ وطائرات مسيّرة. في أوائل هذا الشهر توالت الضربات الصاروخية في سوريا وهجمات لقنابل زرعت على جنبات الطرق لاستهداف قوافل الدعم اللوجيستي للتحالف، وحاول الحوثيون رفع…

«رؤية 2030» أنموذج ملهم للمنطقة

الثلاثاء ٣٠ نوفمبر ٢٠٢١

انفردت منصة «بلومبرغ» للأعمال، الأكثر مقروئية على مستوى التقارير الاقتصادية والمالية، بشهادة تاريخية أشبه باعتراف بنجاحات السعودية ورؤيتها وإدارتها للأزمات، من «كورونا» إلى أسعار النفط وتقلباته. التقرير حمل عنواناً مستفيضاً عن السيولة النقدية، وكيف أن هذه القوة السعودية الضاربة الصاعدة جزء من مخرجات «رؤية 2030»، وعرابها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي وصفه التقرير بأنه ضخ القرن الحادي والعشرين في أوردة المجتمع السعودي، وانعكاسات ذلك على قدرة السعودية التفاوضية العالية في أسواق النفط والمال، إضافة إلى دبلوماسيتها التي ترتكز على السيادة. في المقابل، تحدث التقرير، ولو مواربة، عن تخبط وتناقضات مقاربة «السعودية المتجددة»، لا سيما بعد ارتفاع أسعار النفط. فرغم المناشدات المعلنة، فإن التقرير كشف عن حملات كثيفة لدبلوماسيين ومبعوثين أميركيين بالدرجة الأولى لمحاولة إقناع السعودية بضخ مزيد من النفط الخام بأسرع وقت، أو ما وصفه بمحاولات الضغط الدبلوماسي، إلا أن موقف القيادة السعودية الذي عبر عنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وشرحه بشكل أكثر تفصيلاً وزير الطاقة الأمير المخضرم عبد العزيز بن سلمان، كان متمركزاً حول مصلحة البلاد والعباد، ومؤشرات أسواق العرض والطلب، من دون أي اعتبارات جانبية. وبعيداً عن تحليلات تقرير «بلومبرغ» عن انعكاس دبلوماسية الطاقة الجديدة، وانتصارات «أوبك بلس»، بقيادة السعودية، التي تحدثت عنها في مقال سابق عن ثنائية الدفء والمناخ، فإن الأهم هو…

أفغانستان في مراكز الأبحاث وخزانات التفكير

الثلاثاء ٢٤ أغسطس ٢٠٢١

أصبحت التحليلات والقراءات تتناسل على مدار الساعة حول الحدث المفصلي الذي هز كل المراقبين عن عودة طالبان ورحيل الولايات المتحدة، وحرك المياه الراكدة في مراكز الأبحاث وخزانات التفكير حول العالم. عقدان من الحرب ضد طالبان ومحاولة بناء دولة في أفغانستان من ولد في تلك المرحلة هم شباب في العشرين اليوم يبحثون عن لغة ومستقبل ومجتمع صنع على عجل، لكنهم مجبرون على التكيف مع الأمر الواقع الآن. الأهم من كل القراءات التحليلية التي تحاول اتخاذ موقف مع أو ضد هو فهم ما جرى... السعي إلى حفريات جادة من قلب الحدث بحثاً عن شهادات وأصوات لمن عاصروا المرحلة، ولادة مجتمع أفغاني متخيل داخل كانتونات ومناطق خضراء معزولة بحماية الولايات المتحدة يتم التعامل معه كأرض موعودة، سرعان ما كان الرحيل عنها محفزاً للمنتمين للأرض محاولة التشبث بالطائرات المنسحبة من الواقع كأحلامهم. لفهم ما جرى الشهادات كثيرة وربما كان من أكثرها صراحة ومسؤولية وشجاعة ما قامت به سارة تشابس الأميركية القندهارية الخبيرة في الشأن الأفغاني، خصوصاً في مسألة طالبان وقبائل البشتون والتي عملت مستشارة لفترة طويلة للقوات الأميركية، وكتبت العديد من الأبحاث والكتب والمقالات آخرها مرافعة قاتمة في مدونتها بعد انسحاب قوات بلادها، مبررة أنها لم تحتمل الصمت وفضلت أن تتحدث بعقلانية شديدة بلا عواطف لفهم ما حدث. مراسلة NBR التي غطت سقوط طالبان…

صقور الملالي: سلوك طهران وفجوات المجتمع الدولي

الثلاثاء ١٠ أغسطس ٢٠٢١

حوادث استهداف نواقل المنتجات النفطية بات أحد تكتيكات نظام ملالي طهران في محاولة الضغط على الملف الأمني في المنطقة، وكان آخرها استهداف الناقلة «ميرسر ستريت» في خليج عُمان، التي تم استهدافها بطائرة مسيّرة إيرانية صدمت أعلى هيكلها، وتسببت في حالة من الذعر في أسواق النفط وتباين في الأسعار وسط مخاوف كبيرة من أن تؤدي هذه الموجات من الاستهداف السافر إلى اختلال موازين الأسواق التي تترنح بسبب جائحة «كورونا»، وهو ما طرح التساؤل لدى مراكز الأبحاث وخزانات التفكير عن مدى تأثير «فيروس الملالي» المتطرف الذي بات يضرب بشكل ممنهج إمدادات الطاقة العالمية بالقرب من مضيق هرمز. وفي التفاصيل سارع المسؤولون الإيرانيون، كالعادة، إلى نفي أي صلة بالحادث، ورغم أن التحقيقات لا تزال جارية، إلا أن من المرجح أن يختم ذلك، كما في مقاربة ورقة لمعهد واشنطن عن مقارنة «صنع في طهران» التي استغلت سير الناقلة من دون أي رفقة من السفن الأميركية. استباقاً للنتائج، أكد وزير الخارجية الأميركي بلينكن، ثقة بلاده بأن إيران هي من نفذت الهجوم، معيداً التحذيرات والمخاوف ذاتها من أن تؤدي هذه الأعمال المتطرفة إلى تهديد وشل حرية سير الملاحة عبر الممرات المائية وانعكاسات ذلك على التجارة الدولية والأمن بشكل عام. ما الذي يمكن ملاحظته لأي متابع لردود الفعل على السلوك الإيراني المتطرف ومسلسل الملالي في استهداف الممرات…

سموم الملالي: الإعلام المضلل ومنطق الدولة

الثلاثاء ٢٩ يونيو ٢٠٢١

  تعرض إعلام التضليل، الذي يستثمر فيه نظام ملالي طهران، لهزة قوية في الأسابيع الماضية، رغم الأداء المرتبك للإدارة الأميركية الجديدة في المقاربة السياسية، وذلك إثر قرار حجب منصات إعلامية إيرانية على الإنترنت بقرار من المؤسسات الأميركية بعيداً عن الشعارات التي يتم تصديرها من الطرفين؛ إما الحريات وحقوق الإنسان أو المتاجرة بالمقاومة ونصرة المظلومين، فاللحظة التي يعيشها العالم اليوم تفرض تحديات حاسمة على مستوى حماية منطق الدولة. حجب المواقع الإيرانية التي تمثل أكبر دعاية لها في الغرب والولايات المتحدة فيما يخص نشاطاتها النووية والإرهابية، جاء بإعلان من الحكومة الأميركية، وبشكل مفاجئ. العشرات من المواقع الناطقة بالإنجليزية، التي تعمل بشكل فعال، وبلا كلل، في اقتطاع حصة كبيرة من الجمهور الغربي، أو على الأقل كسب تعاطفهم تجاه الملف النووي، وعبر إنتاج محتوى ناعم عن إيران متوسلاً تاريخها ما قبل الملالي. كما تم حجب قناة «العالم» الناطقة بالعربية التي تبث خطابها للجاليات الناطقة بالعربية بشكل أساسي، وتستهدف محتوى «تصدير الثورة» من خلال شعار المظلومية في القضايا العربية، ومنها الاستثمار الرخيص في القضية الفلسطينية، إضافة إلى استهداف أمن الخليج، وخطاب تقويض منطق الدولة واستقرارها. خطوة متأخرة ربما من الحكومة الأميركية التي تحاول عقلنة اندفاع الخطاب السياسي باتجاه اتفاق نووي يهمل سلوك إيران التدميري ومقاربتها، التي تعبر عن مشروع آيديولوجي بات يهدد أمن العالم بمستويات…

الإدارة الأميركية ومأزق إرضاء ملالي إيران

الثلاثاء ٢٥ مايو ٢٠٢١

رغم كل ما يقال عن قرب الوصول إلى انفراجة أميركية إيرانية لا تخطئ العين حماسة إدارة الرئيس بايدن لها، فإن ما يحدث الآن هو محاولة ابتلاع أكبر قدر من تلك الحماسة لمنجز توافقي حول رفع العقوبات، والملف النووي مضاد لمقاربة الإدارة السابقة والقطاع العريض من الجمهوريين والمؤسسات الأميركية ذات العلاقة ومعها دول الاعتدال في المنطقة التي ترى ضرورة ربط أي انفراجة أو حوار بتغيير السلوك الإيراني على الأرض. ما يحدث الآن هو حماسة مضادة من قبل ملالي طهران لاقتناص هذه اللحظة في الترويج لانفراجة لابتلاع أكبر قدر من التسويق للثورة وفاعلية الأذرع، ومحاولة بناء المزيد من الاستثمارات العنفية العابرة لطهران بأجندات حربية وآيديولوجية تستهدف السلام العالمي، وآخرها دعوة قيادات من «الحرس الثوري» لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بضرورة مراجعة السياسات الإقليمية للبلاد بهدف زيادة فاعلية وقوة «الحرس الثوري» وتحديداً بحسب التقرير الذي أعده معهد واشنطن لتحليل السياسات في دول الخليج ومضيق هرمز، وأن هذا التوجه يجب أن يترافق بشكل لا يقل فاعلية عن المسار الدبلوماسي. بلغة أخرى فإن المأزق اليوم الذي يواجه الإدارة الحالية والديمقراطيين في سعيهم الحثيث لاجتراح منجز توافقي في المنطقة من دون امتلاك أدوات الضغط على طهران وبكثير من اللامبالاة للتحذيرات والصوت العاقل الذي لدول الاعتدال، وفي مقدمتهم السعودية، من أي مقاربة مجتزأة من دون إدراج…

عن أي تفاوض يتحدث الحوثيون؟!

الثلاثاء ١٦ مارس ٢٠٢١

انتفاضة على مستوى «الهوية» والسأم من تردي الأوضاع يسود الجو العام في اليمن ضد ميليشيا الحوثي الانقلابية التي قامت بما يشبه الانتحار الذاتي لمنح الأمل لوكلائها ملالي طهران لتحسين صورتهم التفاوضية مع الولايات المتحدة والدول الغربية، لكن ذلك كلّف الحوثيين انبعاث يقظة اليمنيين في الداخل والخارج، معتبرين أن المعركة مع ميليشيا الحوثي هي معركة وجودية، وذلك على أثر محاولة التوسع وتهديد مأرب وتعز ومناطق أخرى، ووصول حالة الاختطاف للحالة اليمنية إلى مستويات متردية، إضافة إلى حالة التعنت لأي طروحات تفاوضية، تحاول الميليشيا اللعب على عامل الوقت واستفزاز أمن السعودية بإمدادات الطائرات المسيرة والصواريخ البدائية التي تستهدف المدنيين، لكنها تسعى إلى البعث برسائل تفاوضية للمجتمع الدولي لإشراك الميليشيا كطرف نزاع لإنهاء الحرب، لكن بمعزل عن نقطة جوهرية لا يتم طرحها وهي أن الخطأ في المقاربة للملف اليمني، ولا تزال لم تتجاوز مسألة التوصيف، حيث ميليشيا الحوثي الإرهابية في المقام الأول هي تواجه اليمنيين واليمن من الشرعية إلى اختطاف المؤسسات العامة والخاصة إلى التغول في الاقتصاد الموازي القائم على تهريب السلاح والمخدرات والإتاوات من حركة مرور المساعدات للمناطق المنكوبة تحت سيطرتها بما فيها قوافل المنظمات الإنسانية التي بدأت تنهال تقاريرها عن جرائم الحوثي حتى الأرض التي لم تسلم من عبثه وقد ملأها بالألغام على طريقة الأرض المحروقة. السؤال الغائب والمغيب عن المقاربات…

شعارات ومناورات… مقاربة بايدن لشرق أوسط ملتهب!

الثلاثاء ٢٦ يناير ٢٠٢١

الأيام القليلة الفائتة شكّلت في أحداثها ورسائلها أكبر تحديات منطقة الشرق الأوسط وأكثرها تكثيفاً في التعبير عن حجم التحديات التي تواجه الإدارة الأميركية الجديدة التي يقودها الرئيس بايدن، بعد حالة من الانقسامات المجتمعية في الداخل الأميركي، وتحديات مكافحة جائحة «كورونا»، والأزمات الاقتصادية، لكن أكثرها صعوبة يتمثل في مقاربة حرائق الشرق الأوسط المندلعة التي تزامنت في توقيتها ورسائلها، وشكلت رداً استباقياً على التصريحات الانتخابية التي قرئت بشكل عكسي وتم اعتبارها مقاربة ناعمة لبايدن والديمقراطيين تجاه مسببات العنف والإرهاب في المنطقة، وعلى رأس ذلك صلف ملالي طهران الذي ظهرت مخرجاته سريعاً منذ خروج أزمة العراق والانكشاف الأمني وانبعاث «داعش» من جديد، إضافة إلى إعادة تفعيل ذراع إيران النشطة في اليمن ومحاولة ميليشيا الحوثي الإرهابية استهداف الرياض عبر صواريخها التي تعبر عن رسائل سياسية للمترددين في الإدارة الأميركية الجديدة في تصنيفها منظمة إرهابية. تشغيب ميليشيا الحوثيين الإرهابية بصواريخها المستهدفة للمدنيين بشكل عشوائي بات جزءاً من مشروع سياسي واستخباراتي أكبر يدار من طهران، هدفه إنعاش الدبلوماسية الإيرانية التي تستخدم أذرعها المسلحة وميليشياتها وحشدها في مرحلة بايدن، بهدف استباقي تفاوضي من مركز تأثير وقوة وقراءة للرغبة الأميركية في التخلّي عن صداع منطقة الشرق الأوسط وأزماتها والاكتفاء بأدوار الضغط من خلال ملف الحقوق والشعارات الديمقراطية. مرحلة ما بعد سليماني تقتضي تفعيل الوكلاء والأذرع غير المبتورة كـ«حزب…

عقد على الربيع العربي: عن الاستقرار ومنطق الدولة!

الثلاثاء ٠٥ يناير ٢٠٢١

عشرات الكتب والدراسات المعمّقة في محاولة قراءة لحظة ما سُمّي الربيع العربي الذي مرّ عليه الآن عقد كامل، وما زال لم يكشف بعد عن أوراقه كاملة، ولم يبُح بأسراره منذ لحظة ولادته الاحتجاجية إلى تبنيه واختطافه وصولاً إلى ابتلاعه والانقلاب عليه وتحويله إلى مفهوم مكثف استعادي لتقويض استقرار الدولة وفق شعاره الأثير الذي لم يحظ هو أيضاً بالكشف والفحص إلا لماماً «الشعب يريد إسقاط النظام» ليستحيل إلى تهشم النظام، وتمزّق أواصر الشعب وتردي أحواله، واستلاب الإرادة إلى مشاريع أممية آيديولوجية هدفها الانقضاض على مفهوم الدولة والمؤسسات الذي هو أبعد بكثير من مجرد مماحكة النظام أو معارضته. أكثر من ثلاثة بلدان في منطقة الشرق الأوسط طالتها رياح التغيير ومسّتها نيران الربيع العربي وحرائقه، ورغم تعافي بعضها وعودة منطق الدولة وفضيلة الاستقرار ولو نسبياً وبشكل تدريجي، فإن تجاوز رضّات العلاقة بين مكوّنات وقوى وفاعلي السياسة والأنظمة لا يزال يحظى بسجالات حادّة رغم انحسار وكمون اللاعب الأول ومختطف لحظة الربيع «الإسلام السياسي»، لكن الإشكالية هو ما آلت إليه الأوضاع في بلدان أخرى من حروب أهلية مقنعة، وانقسامات عميقة رغم الموارد والإمكانات المالية الهائلة. والمفارقة تراجع أداء المؤسسات والاقتصاد في دول أخرى تعيش لحظة ما بعد الربيع بما يعني ذلك من تسنّم السلطة وفق العملية الديمقراطية من دون استرجاع لقوة المؤسسات وفاعليتها ولا منطق…

قمة العشرين ومستقبل عالم ما بعد «كورونا»

الثلاثاء ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٠

على مدى عام كامل تحوّلت مملكة الاستباقية الجديدة إلى خلية نحل لا تكل للارتقاء بجدول أعمال مجموعة العشرين لتلائم مستوى التحديات الكبرى التي يعيشها العالم اليوم بعد جائحة «كورونا»، وكان مسك الختام بالأمس الخلاصة الملكية التي حملتها تصريحات القيادة السياسية، وفي قمتها تصريحات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي أكد أمام النصاب المكتمل لقادة المجموعة، الهم المشترك تجاه إعادة اليقين السياسي وانتعاش الاقتصاد مجدداً، وتخفيف الأعباء عن دول العالم، لا سيما الفقيرة منها، وعدالة توزيع اللقاح المحتمل حال اكتماله. في كلمته الختامية أخذ الملك سلمان، منطق الدولة المسؤولة إلى حدوده القصوى، مؤكداً ضرورة التعاون أكثر من أي وقت مضى لمواجهة الفيروس واستعادة النمو وبناء المستقبل، ومشدداً على أهمية استمرار العمل والارتقاء لمستوى التحديات الناجمة. الإجماع على تطابق الرؤى في مواجهة الجائحة كان أهم مخرجات قمة العشرين السلسة، حيث أكد الملك سلمان، أن قادة أهم الدول المؤثرة في اقتصادات العالم بما تستحوذ عليه من ملاءة مالية وقدرة بشرية وتنموية تتقدمهم المملكة، تبنوا «سياسات مهمة من شأنها تحقيق التعافي، وصولاً إلى اقتصاد قوي ومستدام وشامل ومتوازن». الآمال التي كانت منعقدة قبل مجموعة العشرين تحولت إلى أجندات عمل وبرامج واستحقاقات ومسؤوليات يتطلع إليها العالم بعد أن التزمت الدول في الرياض وجهة السعودية الجديدة التي تقود مستقبل المنطقة، حيث استطاعت بقدرتها…

الاستثمار في الفراغ… مغامرات إردوغان في المنطقة

الثلاثاء ١٣ أكتوبر ٢٠٢٠

على الرغم من التصدّعات العميقة التي أصابت مشروع إردوغان في المنطقة، خصوصاً على مستوى المقامرة العسكرية في مناطق التوتر في سوريا، ثم التدخل السافر والاستراتيجية الحربية في ليبيا، ولاحقاً الدبلوماسية الخشنة تجاه الدول الإقليمية ودول الاتحاد الأوروبي، وبالأخص الاستهداف لدول الاعتدال، وفي مقدمتها السعودية، خصوصاً بعد أنقاض سقوط آيديولوجية الإسلام السياسي في الربيع العربي، وانهيار مخطط الانقضاض على السلطة عبر تبني ورعاية الإخوان المسلمين وبعض أجنحة اليسار العلماني الذي ارتضى أن يلعب دور التبعية، على أن يحظى ببعض الفتات السياسي التي تلائم شعاراته الشمولية واللافتات العريضة التي لا يجد صداها في الشارع المختطف، منذ لحظة اغتيال السادات بسبب عدم تكافؤ أدوات ووسائل ومرجعيات خطابات المعارضة، حيث تتضاءل مساحة السياسية وتتضخم ادعاءات اليقين السياسي برافعة دينية. فشل مشروع إردوغان وحلفائه وانحسار موجة صعود الاقتصاد التركي واعتماده على دبلوماسية الجباية من الدوحة، يقابله انكسارات لمشروع منافسيه الأكثر صبراً، حيث يلعب ملالي طهران منذ لحظة العقوبات، وصولاً إلى تصفية قاسمي على تفعيل الأذرع والكيانات الموازية من «حزب الله» إلى الحوثيين، لكن إردوغان اختار أن يستثمر في الفراغ السياسي الهائل في المنطقة وانكفاء الكثير من الدول على التركيز على تقوية الداخل وتعزيز الاستقرار واختيار أولوية الحياد السياسي وسياسة عدم التدخل في السيادة، هذه الاستراتيجية هي البديل لانكساراته العسكرية والحربية، حيث يحاول تقليد ملالي طهران…