الأربعاء ٢٣ أكتوبر ٢٠١٣
المملكة العربية السعودية دولة مؤثرة دينياً في العالم ولا شك، كونها تحتضن عاصمة الدين الإسلامي، وهي أكدت أنها دولة مؤثرة اقتصادياً منذ قرار المغفور له الملك فيصل حبس النفط في عام 1973 ثم بانضمامها إلى مجموعة دول G 20، وهي دولة مؤثرة سياسياً وبقوة على المستوى الإقليمي، وقد حانت الفرصة مؤخراً لتؤكد ثقلها الدولي سياسياً ليس من خلال احتلالها مقعداً في مجلس الأمن فقط كما فعلت دول هامشية، بل من خلال تفعيل هذه العضوية واستثمار وجودها في المجلس وتحريك الملفات الراكدة والعالقة فيه عبر النفوذ السعودي الديني والاقتصادي والعلاقات السياسية الإيجابية والمتميزة لها مع مختلف دول العالم. ولذا فقد أحدث القرار السعودي بالانسحاب من عضوية مجلس الأمن هزة دولية غير مسبوقة في هذا الشأن. هل كان يمكن أن تكون الهزة السعودية للمقاعد الدولية أشدّ قوة وأعنف تأثيراً؟ هل كان قرار الانسحاب السعودي مفاجئاً وطارئاً بعد ليلة التصويت، أم كان مبيّتاً من قبل الليلة الاحتفالية؟ هل المطالبة بإصلاح مجلس الأمن مرتبطة بأزمة محددة تفاقمت تداعياتها على المحيط المجاور، أم أنها مطالبة مبررة منذ إنشاء الأمم المتحدة بالتزامن مع نشوء القضية الفلسطينية، والمعالجة الأممية غير العادلة لها؟ أسئلة كثيرة حول قرار الانسحاب وضعها محللون عرب وغربيون في محاولة منهم لتفكيك اللغز السعودي! آخرون كثر لا يرون في المسألة لغزاً. فالموقف السعودي كان…
الأربعاء ١٦ أكتوبر ٢٠١٣
لا شيء يتكرر على مسامع العرب والمسلمين منذ عقود طويلة أكثر فجاجة ومجاجة من قولين اثنين: في ذيول كل قمة عربية قولهم: (الأمة تمر بمنعطف تاريخي)، وفي رأس كل عيد قولهم: (عيد بأية حال عدت يا عيد). أما «المنعطف التاريخي» الشهير فله حديثٌ آخر. لكن حديثنا اليوم عن «العيد» الذي هلّ علينا بالأمس. كنت أسمع وأقرأ كثيراً ولسنوات طويلة أولئك الذين لا ينسون، وبقدرة مذهلة، تكرار بيت المتنبي القاتل للفرحة. ولا أخفي بأني في سنين مضت كنت أتفاعل مع تلك الروح النبيلة التي تريد تأجيل الفرح حتى تنجلي الهزائم والأحزان. وكنت أعدّ هذا من حياة القلوب الشهمة والنفوس الجبارة التي تستطيع أن تغالب فرحتها وتهزم ضحكتها إلى حين تكتمل لنا استحقاقات (الضحكة الكبرى)! وماذا بعد؟! إلى متى سنؤجل أفراحنا؟ إلى حين تنقضي هزائمنا وأحزاننا وأتراحنا، ومن قال إنها ستنقضي؟! بل من قال إن هناك شعباً أو أمة من غير أحزان؟! تنكّد عيد المتنبي بسبب موقف شخصي وطارئ وقع له في مرحلة من حياته، أما نحن فيريد هؤلاء المرددون لبيت المتنبي تنكيد عيدنا لكل الأسباب الشخصية والوطنية والإقليمية والدولية، الطارئة والمستديمة! إلى متى سنؤجل فرحتنا بالعيد؟! أتذكّر الآن كثيراً من أصدقائي الذين رحلوا عن هذه الدنيا وهم كانوا موعودين من أعضاء (نادي البيت القاتل للفرح) بأن الفرح المستحق والمباح سيحين قريباً...…
الأربعاء ٠٩ أكتوبر ٢٠١٣
للمرة الثالثة على التوالي ينهزم العرب في سباق الترشّح على رئاسة منظمة اليونسكو، التي لم يرأسها عربي منذ تأسيسها عام ١٩٤٥! كانت المحاولة الأولى في العام ١٩٩٩ مع الراحل غازي القصيبي، والمحاولة الثانية مع «المرحّل» فاروق حسني، والمحاولة الثالثة هي التي جرت الجمعة الماضية وانتهت بفوز السيدة إرينا بوكوفا بولاية ثانية حتى العام ٢٠١٧. يجب أن نتذكر، بكل أسى، أنه في كل المحاولات الثلاث لم يدخل السباق مرشح عربي واحد فقط من دون أن ينغّص عليه مرشح عربي آخر يقضم من أصواته ما يستطيع. ففي عام 1999 دخل «المصري» إسماعيل سراج الدين على «السعودي» غازي القصيبي، وفي ٢٠٠٩ دخل «الجزائري» محمد بجاوي على «المصري» فاروق حسني، وفي ٢٠١٣ دخل «اللبناني» جوزيف مايلا على «الجيبوتي» رشاد فرح. لماذا لم يفز العرب بهذا المنصب حتى الآن، على رغم أحقيتهم التاريخية والموضوعية؟ لأنهم إما أن يدخلوا بالمرشح المناسب في التوقيت غير المناسب، أو بالمرشح غير المناسب في التوقيت المناسب، أو بالمرشح غير المناسب في التوقيت غير المناسب. لكن العرب حتى الآن لم يصطادوا اللحظة الذهبية المتكاملة، أي التي يدفعون فيها بالمرشح المناسب في التوقيت المناسب! كيف يمكن العرب أن يفوزوا بمنصب (المدير العام لمنظمة اليونسكو) الذي استعصى عليهم طوال خمس عشرة سنة من المحاولة؟ سر الفوز يكمن في عنصرين رئيسين: اختيار المرشح المناسب،…
الأربعاء ٠٢ أكتوبر ٢٠١٣
منذ طفولتي وأنا أحب مزاولة هذه الهواية العجيبة، هواية إيقاظ الآخرين في الصباح. في صغري كنت أمارسها مع إخواني، ولسوء الحظ أنهم كلهم أكبر مني سناً ولذا كنت أخرج أحياناً بإصابات طفيفة. الآن أمارسها مع أبنائي، ولحسن الحظ أنهم كلهم أصغر مني سناً! لن أدّعي هوسي بالصباح الباكر جداً (صباح الفلاحين)، لكن المؤكد أني أكره سلوك الذين يستيقظون ظُهراً (صباح الفنانين)، ويغيظونني أكثر حين يقولون: صباح الخير! رؤية الوجوه المكتنزة بالنوم في وقت متأخر من النهار تبعث على الاكتئاب والارتباك، لكأن الشمس تشرق في الصباح الباكر عبثاً!؟ في السنين الأخيرة أصبحنا نقابل هذه الوجوه الناعسة «ظهراً» بشكل مألوف ومتكرر للأسف. فالجيل الجديد من الفتيان والفتيات أصبحوا لا ينامون كي يستيقظوا نشيطين مثلما كنا نفعل، بل هم ينامون بحثاً عن جوهر النوم (تشبه الحالة الشهيرة للمقارنة بين الذي يأكل ليعيش والذي يعيش ليأكل). غدت مقادير النوم عند هذا الجيل هي: مكيف بارد جداً، بطانية دافئة للحماية من المكيف البارد، منبه إيقاظ يعطي نغمات رقيقة تساعد على الاسترخاء، ستائر صلبة توفر للغرفة ظلمة الليل المستديم هروباً من النهار المنبوذ. ولذا أصبح من الطبيعي أن ترى الشوارع في النهار (وقت العمل) مكتظة بالمسنّين العاجزين، وفي الليل (وقت الاسترخاء) تكون الشوارع مملوءة بالشباب القادرين. كثيرةٌ هي المدونات الأدبية والطبية التي تمتدح الاستيقاظ في الصباح…
الأربعاء ١٨ سبتمبر ٢٠١٣
قبل أن أنغمس في الحديث عن ( ميدالية فلسطين ) التي شُرّفتُ بها الجمعة الماضية، أود أن أعلن عن تشرفي بإهداء هذه الميدالية إلى: أطفال الانتفاضة الفلسطينية. بمنأى عن التواضع والتزهّد، الذي لا طاقة لنا بأكثره، فإن كل واحد منا يفرح أن يُحمد على ما عمل وأن يُقدّر لقاء ما صنع. كما يسعده أن تلتفت إليه دولة لتمنحه وسامها. لكن حين يكون التكريم من (فلسطين) فإنه يصبح ذا معنى آخر وذا طعم مختلف. لم يكن الجهد الذي بذلناه، زملائي وأنا، في العام ٢٠١١ م من أجل حشد الدعم للتصويت على منح فلسطين عضوية «يونسكو» جهداً هيّناً أو بسيطاً خصوصاً أنه كان ضد قوى عظمى ومتنفذة تسعى لإفشال التصويت، لكن بالمقابل أيضاً فإن ميدالية فلسطين ليست هينة! لن أستعيد أجواء تلك الأيام الشاقة، فقد كتبت عنها في حينها أكثر من مقالة، واستعدنا بعضها في صالون الرئيس محمود عباس، الجمعة الماضية. لكني، بعد شكر الرئيس أبي مازن والسفير إلياس صنبر وزملائه، لم أوفر ولن أدخر أية فرصة مواتية دون التلويح بيد الامتنان والشكر إلى شباب الانتفاضة الفلسطينية الذين كانوا أيضاً سبباً للخطوات التي تخطوها فلسطين للخروج من المنطقة المظلمة. هذا الإمتنان للانتفاضة لا يتعارض مع دعم الجهود الديبلوماسية لإحلال السلام (إن حلّ !؟) ، فاسرائيل التي تعلن بوداعة متناهية ترحيبها بمبادرات السلام…
الأربعاء ٢١ أغسطس ٢٠١٣
1 تعرفت البشرية منذ القدم على نوعين أساسيين من حملات الاستعداء والتأليب، يروم منها المستعدي ليس الإضرار بشخصٍ ما فقط، بل والانتفاع له من ذلك الإضرار، باعتبار أن «بضدّها تتميز الأشياء»! النوع الأول: ديني يستخدم أداة «التكفير»، والثاني: وطني يستخدم أداة «التخوين» للقضاء على خصومه. ولم يسلم من الخوض والتورط في حملات التأليب طوال التاريخ العربي الإسلامي، لا علماء الدين (العارفون بالله) ولا المثقفون والشعراء (إنسانيو المشاعر) ولا السياسيون (قادة الأمة) . كما لم يسلم من هذه الخصلة البشرية الوضيعة أيّ جنس أو دين من الشرق العاطفي أو من الغرب المستنير، بل إن أشهر حملتي استعداء يتداولها الخطاب الثقافي حتى اليوم هما حملتان غربيتان، الأولى محاكم التفتيش، وهي حملة دينية بدأت في القرون الوسطى واشتدت في القرن الخامس عشر الميلادي مع سقوط الأندلس وامتدت حتى عصور النهضة الأوروبية، والثانية هي المكارثية التي استخدم فيها النائب الأميركي جوزف مكارثي في العام ١٩٥٠ عصا الوطنية من أجل تصفية خصومه المنافسين له في الكونغرس، من خلال إلصاق تهمة الانتماء للشيوعية بهم... التي كانت آنذاك شماعة التخوين! ٢ مرّت المنطقة العربية خلال العقود القليلة الماضية بمجموعة من الأزمات التي سببت احتقاناً وتوتراً بين الناس، سواء أخذت تلك الأزمة لبوساً دينياً شرعياً أو لبوساً سياسياً وطنياً، وقد كاد بعض تلك الأزمات أن يصل حد المكارثية…
الأربعاء ٣١ يوليو ٢٠١٣
أعود مرة أخرى، ولكن بتفصيل أكثر، إلى الليبرالية الإمبريالية التي أشرت إليها سريعاً في مقالتي هنا قبل ثلاثة أسابيع تحت عنوان: (سقوط الإخوان المسلمين ... وسقوط الإخوان الليبراليين). وقد وضعت ملامح الليبرالية الإمبريالية في مقطع: «سقوط الإخوان المسلمين أدى إلى سقوط ما يمكن تسميتهم مجازاً بالإخوان الليبراليين، أي الذين تقوم مبادئهم على الحرية والتعددية «الانتقائية»، التي تخدم رغباتهم وشهواتهم واصطفافهم فقط، .... التشفي والانتقام والاعتقال المشين وتقييد الحريات، إجراءات لا تلقى القبول من ليبرالي حقيقي صادق في مبادئه وملتزم بالقيم التي يدّعي اتّـــــــباعها. ولذا يصبح من الطبيعي على هذه الليبرالية المزيّــــفة أن تنـــــفعل أيضاً وتتحول من ليبرالية إلى إمبريالية، .... أفهم أن تتخلى كل الفصائل والأحزاب والتيارات عن احترام مبـــــدأ التعددية والحرية، إذ لديها مبادئ أخرى تفخر بها وتنشغل بتفعيلها، لكن لا أفهم أن يتخلى الليبراليون عن صُلب الليبرالية الذي هو التعددية واحترام الآخر، فبماذا سيفخرون بعدها؟!». (صحيفة «الحياة»، الأربعاء 10 تموز /يوليو 2013). كنت أدرك أن شهادتي ضد تلك الليبرالية المتحيزة ستوصف بأنها شهادة مجروحة ومتحيزة للطرف الآخر حتى وإن كنت قد تناولت بالنقد كلا الطرفين عن قناعة وإيمان وليس تأرجحاً أو مراضاة كما ظن البعض. لأجل هذا كنت أعوّل كثيراً بأن تأتي الكتابات الناقدة للأطراف المعنية من الداخل، أي من داخل النسق الفكري والإيديولوجي لليبرالية ولـ «الإخوان» ولغيرهم…
الأربعاء ١٧ يوليو ٢٠١٣
عزيزي المعتدل، أو من يسعى إلى الاعتدال والوسطية في آرائه ومواقفه، أقول لك: تماسَك وتشبّث بمبدئك. فالواقع المحيط والمحتقن والمتشظي بين الطرفين، أو التطرّفين، سيسعى بكل قوة ودناءة أحياناً لإفقادك توازنك المحمود والمحسود على كرسي الوسطية والاعتدال. سيتهمك هؤلاء بأنك مع أولئك، ويتهمك أولئك بأنك مع هؤلاء، وأنت لست مع هؤلاء ولا أولئك، أنت مع الحق والصواب أيّاً كانت جهته. الإسلامي سيشنّع عليك ويسخر من اعتدالك بقوله: هذا صراع بين الإسلام والكفر، وبين الحق والباطل. والليبرالي سيردّد عليك أيضاً الشعار الإمبريالي المناقض لليبرالية: إذا لم تكن معي فأنت ضدي. لا ترضخ ولا تستجب لهذه التهديدات الإقصائية، فالإقصاء لم يعد حكراً على طائفة واحدة كما كان يُشاع، بل حتى الفئة التي كانت تشنّع على الأولى إقصائيتها، عندما حمي الوطيس وفاحت الأخلاق الحقيقية، أصبح كلا الطرفين يغرف من المنبع التصنيفي/الشمولي نفسه. عزيزي المعتدل/ إذا قلتَ: «لستُ إخوانياً ولكن ...» سيسخر منك أعداء الإخوان، لأنهم بإقصائيتهم لا يريدونك أن تعبّر عن رأيك في ما بعد (لكن)، مهما كان رأيك شرعياً أو دستورياً أو حتى ثقافياً. هم لا يريدون منك (لكن) ولا ما بعدها، يريدون منك فقط أن تشاركهم في حفلة الشتم واللعن المكارثية، من دون رأي منك، وهم كانوا قد سمحوا لأنفسهم قبل عام مضى أن يكتبوا: «لستُ ضد الإخوان ولكن.. أنا ضد…
الأربعاء ٢٦ يونيو ٢٠١٣
تختلف سوسيولوجيا التصوير، الفوتوغرافي والتلفزيوني، وفق ثقافة المجتمع الذي يتم التصوير فيه والفرد الممسك بالكاميرا. من خلال ثقافة المجتمع نستخلص ما يمكن تسميته: (ثقافة الزوم)، أي العوامل الثقافية المؤثرة في اختيار البؤرة الاجتماعية التي تحظى باستهداف الكاميرا لها. ففي حين تهتم المجتمعات المتطورة بتصوير الحدث المهم، تهتم مجتمعات أخرى بتصوير الشخصية المهمة الموجودة في الحدث، بغضّ النظر إن كان الحدث مهماً أو هامشياً. وهنا تكمن لعبة جذب الفلاشات إلى منصة الحفل، حيث يلجأ أصحاب المناسبة من أجل جذب انتباه الإعلام، إلى بذل مساع كبيرة للحصول على رعاية أو حضور شخصية «مهمة» إلى احتفالهم لتقوم الشخصية بجرّ الإعلاميين والمصورين إلى الاحتفال حتى لو كانت المناسبة هامشية لا تستحق التغطية. لا يغيب عن ذهني ما يمارسه الإعلام الغربي في سبيل صناعة النجم من مطاردة نجوم الفن مثلاً، فهذه حكاية أخرى ترتبط بالثقافة الرأسمالية لا الثقافة السلطوية، رغم الوعي بأن الرأسمالية تصنع سلطاتها وتُخضع المجتمع لها من أجل الكسب المستديم للمال من دون هوادة، لكن هذا نقاش آخر سبق التطرق له في مقالتي: (الأرقام .. الحروف الأبجدية للعصر الرأسمالي، صحيفة «الحياة» 15/ 10 / 2008). قبل أيام، وقّعت منظمة اليونسكو مع شركة «باناسونيك» اتفاقية تعاون تطوعي للمساهمة في المحافظة على التراث العالمي. كانت القاعة مكتظة بكاميرات التصوير. المصورون الكوريون الفوتوغرافيون والتلفزيونيون وحاملو الميكروفونات…
الأربعاء ١٩ يونيو ٢٠١٣
نلتقي اليوم، هنا في هذه المنطقة من الريف الفرنسي الأخاذ، لنجدد حوار الشرق والغرب والشمال والجنوب. نجدد محاولاتنا لهذا اللقاء رغم كل المساعي المضادة للحوار من لدن المتعصبين والعنصريين الذين يشغلوننا بدسائسهم القادمة من كل الجهات الأربع ومساعيهم التي لا تمل من محاولات التهييج وزرع الكراهية. لكن لحسن الحظ أننا نحن أيضاً لا نمل من محاولاتنا المضادة لمساعيهم السوداوية... ولذا نحن هنا اليوم. ندشن اليوم قطعة، بل تحفة فنية منسوجة، جمعت المجد من أطرافه، في العناصر التي احتوتها: فموضوعها: رحلة الإسراء والمعراج، تلك الرحلة الربانية التي شارك فيها نبيَّنا محمداً (صلى الله عليه وسلم) أشقاؤه الأنبياء والرسل عليهم السلام أجمعين، لتصبَّ تلك الرحلة أيضاً في منظومة التقارب بين البشر عبر الحوار الرسولي/ الأرضي في المسجد الأقصى بالقدس (الإسراء)، والرسولي/ العلوي في سماء الله الواسعة (المعراج). فهي رحلة ثلاثية بين مكة والقدس والسماء، وما أقدسها من رحلة... إذ جمعت خيرَيْ الأرض والسماء في ليلة واحدة. ومستضيفها وناسجها: مدينة أوبيسو، عاصمة النسيج في فرنسا بلاد الفن والذوق العالمي. حين خاطتها أنامل العاملين المهرة في «أتيليه بانتون» العريق في بلدة فيلليتو، حيث الخبرة والعراقة التي تواصلت عبر أجيال هذه الأسرة الفرنسية الشهيرة بالنسيج طوال ٣٠٠ عام حتى وصلت إلى الوريث الحالي للحرفة السيد لوكاس بانتون الماثل معنا الآن. أما كاتبها ومبدعها، فهو فنان…
الأربعاء ١٢ يونيو ٢٠١٣
أن تكتب عن «مدينة» في هذا العالم لأنها أعجبتك أو لم تعجبك، فإن كتابتك لا تحتمل تفسيرات مبطنة أو لمزات سياسية إلا إذا كانت المدينة عربية، وعلى الخصوص خليجية. يمكنك أن تكتب مثلاً عن إعجابك بمدينة برلين أو باريس، أو عن عدم إعجابك بفرانكفورت أو مدريد، وأنت مرتاح لا يضغط عليك أثناء الكتابة هاجس التأويل النفعي أو المُعارض. لكنك حين تكتب عن مدينة عربية ستجد أن حاكم المدينة مستلقٍ على سطور مقالك... ترغيباً أو ترهيباً، أو هكذا يخّيل إليك. القارئ الفطن لن يحتاج مني بالطبع إلى تفسير لأسباب هذه الوضعية المقارنة بين الحالتين! أضع هذه التوطئة الاحترازية كي أكتب عن مدينة دبي، وأنا أتمنى بصدق أن لا يقرأ حاكم دبي مقالتي هذه... فقط كي آخذ راحتي في الكتابة من دون أي تأويل. مقالتي اليوم ليست نتاج زيارة إلى دبي تعقبها مدائحية تفصيلية للمشاهدات، بل هي محاولة لمعالجة حالة الإحباط العربي من إمكانية نجاح أي تجربة تنموية. قبل أقل من ثلاثين عاماً لم يكن اسم دبي شيئاً مذكوراً في أحاديث العرب، واليوم أصبحت ملء سمع وبصر العرب وغير العرب. ما الذي جرى؟! كيف استطاعت هذه المدينة الترابية سابقاً أن تصبح مدينة ناطحات السحاب والبحيرات والأرصفة الفاخرة؟ كيف استطاعت المدينة المغمورة أن تخرج من خلف الكواليس لتصبح مصدراً للكوابيس لدى المدن الأخرى…
الأربعاء ٠٥ يونيو ٢٠١٣
في عام 1987 حدثت لي قصة طريفة لم أنسها لكني تذكرتها الآن أكثر من أي وقت مضى. كنا في المعمل نجري تجربة مخبرية عن تأثير العوامل الوراثية على الأطفال المونغوليين من خلال دراسة حالة ذباب الدروسوفيلا. طلب مني الباحث الاسترالي المشرف على الدراسة أن أضع في إناء البحث من الذباب (ذكراً) واحداً فقط هو ما نحتاجه للبحث، سألته وكم أنثى أضع معه؟ انتهز الاسترالي الفرصة بخبث وردّ «مازحاً»: إن كان ذَكَر الذباب عربياً فضع معه أربع إناث، وإن كان غربياً فتكفيه أنثى واحدة! أجبته أيضاً مازحاً رازحاً: إن كان ذكر الذباب عربياً فسأضع معه أربع إناث، وإن كان غربياً فسأضع معه أنثى واحدة وأربعة ذكور! تقلّصت ابتسامته قليلاً ثم قال: نحن لدينا الحالات الخارجة عن إطار الحالة النموذجية للزواج، التي هي زوج واحد لزوجة واحدة، حالات فردية وغير معلنة أو مشرّعة قانونياً، بينما أنتم عندكم التعدد شرعي ديني ومقنن. في الحقيقة لم أحاول أن أقنعه بمبررات التعدد، خصوصاً أني كنت في ذروة الرومانسية بعد زواجي الذي مضى عليه أشهر قليلة حينذاك. لكني حاولت أن أشرح له الفروقات الاجتماعية والتنوع الثقافي بيننا وبينهم. وحتى أكون أميناً في وصف ما جرى، فإني لم أستخدم (التنوع الثقافي) لأني لم أكن أعرف حينذاك هذا المصطلح، المتحضر آنذاك والمستهلك الآن، كنت أسمي تلك الفروقات بـ…