آراء

آراء

عودة الكلام

السبت ٢٧ سبتمبر ٢٠١٤

جلستُ مع مجموعة من الأصدقاء نتحدث عن الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام. وبعد أن انتهينا من ذكر أسباب نشأته وتباحثنا حول قضاياه التي أثارت الخلاف بين المسلمين، وكانت أولها قضية حُكم مرتكب الكبيرة التي اختلف فيها واصل بن عطاء مع الحسن البصري وعلى إثرها صار الشقاق بينهما واستقل واصل بفكر جديد نشأت عنه مدارس فكرية كثيرة. ومن تلك القضايا الخلافية كانت قضية رؤية المؤمنين لله تعالى يوم القيامة، التي نفاها المُعتزلة، وقضية خلق القرآن، وهل العالم قديم، أي هل وجد مع الله أم أنه خلقه، وهل أفعال الإنسان مخلوقة من الله أم أنها من فِعل الإنسان.. وغيرها من القضايا الوجودية الحادة التي عُني بها «علم الكلام» الذي يُعرّف أنه الفِكر الذي يسعى لإثبات العقيدة الدينية من خلال الحجة والبرهان العقليِّيَن. بعد أن انتهى النقاش، شدّني تعليق أحد الحاضرين عندما اتهم المتكلمين بأنهم أضاعوا أوقاتهم وعقولهم بمناقشة قضايا لا يضر الإنسان الجهل بها ولا تنفعه معرفتها. فماذا سيتغير إذا علم أن كلام الله مخلوق وليس قديماً، أو العكس؟ قلتُ لصديقي إن هذه القضايا قد تبدو مضيعة للوقت عند نشأتها، ولكن بسببها تشكلت تيارات فكرية عديدة خلال مئات السنين، ونشأت الفلسفة الإسلامية التي عُنيت، إلى جانب الحوارات اللاهوتية، بالنظريات السياسية والعلمية والاجتماعية، بدءاً بالكندي وحتى ابن خلدون. فتطورت المعرفة، وظهرت الاختراعات وتوسعت المعارف…

آراء

تناقضات محور «الممانعة»

السبت ٢٧ سبتمبر ٢٠١٤

في الخامس من أيلول (سبتمبر) الجاري، نشرت «بي بي سي» خبراً مفاده بأن المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي، أعطى الضوء الأخضر للقادة العسكريين الإيرانيين للتنسيق مع الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق، كان هذا أثناء القتال في منطقة أمرلي العراقية. لاحقاً، نفى المتحدث باسم الخارجية الأميركية أي نية أميركية لتنسيق عملياتها ضد «داعش» مع الجانب الإيراني. ثم ظهرت رسائل متناقضة من المعسكر الإيراني، تارة تشجب الحملة الأميركية ضد «الإرهاب» وانتهاك سيادة سورية والعراق، وتارة أخرى تعرض خدماتها على التحالف الدولي ضد الإرهاب، وتعلن إمكان التنسيق مع الولايات المتحدة. في الـ13 من سبتمبر شجبت طهران على لسان الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي شامخاني انتهاك الولايات المتحدة لسيادة العراق وسورية باسم مكافحة «الإرهاب». وأشار في تصريح نشرته وكالة الأنباء الإيرانية إلى أن التحالف الدولي الذي تقيمه الولايات المتحدة ضد «داعش» مشبوه. لاحقاً، يعلن المرشد الأعلى الإيراني في الـ15 من سبتمبر رفضه التعاون مع الولايات المتحدة. ثم في الـ24 من الجاري يعود الرئيس الإيراني روحاني ليعلن استعداد بلاده للتعاون مع الولايات المتحدة ضد «داعش» بعد التوصل إلى اتفاق نووي. لكن قبل أيام من بدء الضربات الجوية على سورية، أعلن وزير الخارجية الأميركية جون كيري أن لإيران دور في مكافحة الإرهاب، وهناك تنسيق معها. خلال هذه الفترة،…

آراء

السعودية والحوثيون… ما لا يُدرك كله لا يُترك جله

السبت ٢٧ سبتمبر ٢٠١٤

كيف ستكون السياسة السعودية حيال اليمن الجديد بعدما حُسم الصراع فيه لمصلحة القوة الصاعدة منذ عقد من الزمن، «أنصار الله» المتحالفين مع إيران، والذين توافقنا على تسميتهم بالحوثيين نسبة إلى جدهم بدر الدين الحوثي الذي كان معلماً يوماً لأبناء أسرة آل حميد الدين بعدما لجأوا إلى المملكة واستقروا فيها بعد سقوط نظام الإمامة تماماً عام 1970 واعتراف المملكة بالجمهورية هناك، التي أصبحت هي ورؤساؤها وشيوخ قبائلها وبعض من موازنتها جزءاً من مسؤولية الحكومة السعودية التي خصصت لها مكتباً خاصاً أشرف عليه شخصياً ولي العهد السعودي الأمير سلطان حتى وفاته؟ عمدت أن أحشد في السؤال السابق معلومات تظهر مقدار التداخل والتكامل والتعارض بين السعودية واليمن، حتى ندرك أهمية التحوّل الهائل الذي حصل في اليمن الإثنين الماضي، إنها ولادة يمن جديد يضاف إلى سورية جديدة وعراق جديد بل عالم عربي جديد، ولكني سأبدأ بعيداً من إيطاليا. من 22 إلى 29 تشرين الاول (أكتوبر) 1922 شهدت إيطاليا «المسيرة نحو روما» التي قادها الديكتاتور بينيتو موسولييني، لم يكن يومها ديكتاتوراً وإنما خرج كمنقذ لإيطاليا المترنحة التي أنهكتها الحرب العظمى، ثم الإضرابات والتناحر السياسي وخطر الشيوعية الداهم، خلال تلك الأيام الخمسة انهارت روما وسقطت مؤسسات الدولة في يد ميليشيات «القمصان السود». شيء كهذا حصل في صنعاء الإثنين الماضي، فمثلما كانت إيطاليا يومها منهارة تحتاج إلى…

آراء

كم يشبهك الوداع يا هاني فحص

السبت ٢٧ سبتمبر ٢٠١٤

كان الوداع كما تشتهي وتحب يا سيد، مشى وراء جنازتك وطن جميل، كما احببت، كما انت ايها العابق بالالفة. لم تكن خلفك جموع بل افراد لكل واحد قصة معك كان يستعيدها بحبور. لم يشهد جبل عامل ولبنان مودعين كالذين رافقوك إلى مثواك الاخير في جبشيت، قلت كان المشهد انت بكل تفاصيله، اتوا من كل لبنان حبا لك لا تقربا من سلطان ولا طمعا بوجاهة أو القيام بواجب، شيعوك كما يشيع الحبيب حبيبه والصديق صديقه والابن اباه والشقيق شقيقه والتلميذ استاذه الذي لا ينساه. كانوا شيعة كما السنّة ودروزا ومسيحيين ولا دينيين، كانوا فلسطينيين كما اللبنانيين وسوريين كما ابناء العراق والنجف واربيل. لم اشهد وداعا كوداعك ومودعيك ايها السيد بل هاني فحص الذي صار هو اللقب والمرتبة والنموذج. امتحاننا الانساني خريطة لاكتمالنا الوطني والعروبي وجه التشيع الذي انت منه وصار انت. «هاني فحص»، هكذا كما أحبّ ان يوقّع في آخر النص أو في اوّله، بلا تكلّف وبلا أثقال. الاسم كافٍ لا يحتاج إلى تقديم بـ«سيّد» أو «علاّمة» أو «آية الله» أو «إمام» أو «حجّة الاسلام» أو «سماحة» او. الاسم اكبر من كل هذه الالقاب التي طالما كان انتشارها والاعتداد بها والتمسك بحروفها مؤشراً سلبياً على حال فئة من «الصنف» ومريديهم، ولا نزيد أحبّه وأحبّني أكثر، ويستطرد كعادته في الحبّ، في الشعر،…

آراء

عمو سعيد!

الجمعة ٢٦ سبتمبر ٢٠١٤

بدأت قبل أيام تجربتي الثالثة في التدريس الأكاديمي، ورحتُ كالعادة أعرض على طلبتي مقطع فيديو مدّته بضع دقائق عن تجربة نجاح وقصة طموح، لأنني مؤمن بأن للتميز عراباً، وعرابه الطموح. الخميس الماضي كان المقطع عن العم سعيد، فمن هو العم سعيد يا ترى؟ العم سعيد مصري من الجيزة في العقد السادس من عمره، فاته قطار التعليم فكانت مهنته سائق تاكسي، لكنَّه تعرض لحادث سببَّ له إعاقة أجبرته على ترك العمل والمكوث في البيت، وما يصاحبه من شعور بالفراغ المدمّر، ثمّ أتته الفرصة ـ وهو جالس أمام بيته ـ إذْ اقترب منه مجموعة من الشباب يمثلون فريق صناع الحياة وعرضوا عليه فكرة «التعليم»، فقال لهم: « لِمَ لا؟ على بركة الله». تعرض «عمو سعيد» للسخرية، لكنها لم تثبّط همته، فقد عاهد نفسه أن يلغي كلمة «مستحيل» من قاموس حياته. يقول عمو سعيد: بعد تعلمي القراءة والكتابة اكتشفت أنني كنتُ أتعبّدُ الله بشكل خاطئ! ولولا «التعلم» لَمَا دخلتُ جامعة القاهرة لأول مرة في حياتي، وَلَمَا تهيّأتْ لي الأسباب لإلقاء محاضرة على طلبة السنة الثالثة ـ آداب. لو كان لدى كل مؤسسة موظف كبير في السن يمتلكُ طموحاً وعقلية متفتحة، مثل عمو سعيد لكان البدء في مشاريع التغيير سهلاً، ولكن فئة كبار السن صعبةُ المراس ومقاومةٌ للتغيير غالباً! جامعة هارفارد اقترحت ثلاثة أساليب…

آراء

«لَعلّ الضادَ تبتسمُ..!»

الجمعة ٢٦ سبتمبر ٢٠١٤

في فيلم الخيال العلمي الرومانسي «هي»، نشاهد قصة طريفة وسخيفة لرجل محبط يقع في غرام نظام التشغيل في جهازه الشخصي.. حيث يبدأ يشعر بطريقة معينة تجاه الصوت الأنثوي الصادر من جهازه، والذي يذكره بالمواعيد أو يقرأ له بريده الإلكتروني، ويقوم بأعمال المساعد الشخصي الخاصة به.. وذلك بالطبع قبل أن يكتشف أن «النظام» يتعامل بالطريقة نفسها مع مئات من الألوف من المستخدمين، ما يسبب له أزمة نفسية حقيقية. القصة غريبة في مجملها.. الصوت الأنثوي قد يخرفن حتى ولو لم يكن حقيقياً، لكن أنا وأنت نعلم أن هذا لا يحدث في أميركا حيث تم إنتاج الفيلم، لكنه قد يحدث في إسبانيا مثلاً.. كما أنك مثلي تعرف ما هو اللقب الذي نطلقه على المرأة التي تمتلك أكثر من شخص في حياتها، فما بالك بمئات من الألوف! كنت أحدث صديقي الناقد عن آرائي تلك في الفيلم الذي حقق نسبة مشاهدة لا بأس بها، ليفاجئني بأن الفيلم مبني على خدمة حقيقية وموجودة في نظام التشغيل الخاص بشركة «أبل» واسم الـمساعد الشخصي فيها هو «سيري».. ويمكن للمستخدم أن يختار ما إذا كان يريد الصوت الخاص بالمساعد بصوت رجل أو بصوت امرأة.. حقيقة وكمعظم المستخدمين فأنا لا أستخدم الإمكانات الهائلة في هاتف «ذكي» إلا في الاستخدامات الكلاسيكية كالاتصال وقراءة بعض برامج التواصل، وربما استخدام «الحسابة» بين فترة…

آراء

تداعيات الاتحاد والانفصال

الجمعة ٢٦ سبتمبر ٢٠١٤

ما هو الأفضل للاسكتلنديين؟ البقاء ضمن المملكة المتحدة أم الانفصال؟ طُرح هذا السؤال بقوة أثناء حملات الاستفتاء، وبالأخص من قبل «أليكس سالموند» زعيم «الحزب القومي»، والذي استقال مباشرة بعد فشل استفتاء الانفصال. من ينتمي إلى دولة اتحادية، كدولة الإمارات يعي جيداً ما يعنيه الاتحاد من قوة وخير للمجتمع وقدرات اقتصادية تتيح للجميع حياة كريمة. تلك الجوانب الإيجابية كانت حاضرة في ذهن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس الدولة طيب الله ثراه، والذي بذل جهوداً كبيرة لجمع إمارات الخليج في دولة اتحادية أثبتت الأيام حكمة مؤسسها. لقد كان الحزب «القومي الأسكتلندي» يروج لسنوات طويلة ما مفاده أن 80% من النفط والغاز في بريطانيا يقع في الأراضي الأسكتلندية، وأن الانفصال سيتيح تسخير هذه الثروة للتنمية ورفع مستويات السكان المعيشية، إلا أن شعباً متعلماً جيداً ومثقفاً، كالشعب الأسكتلندي لا يمكن أن ينجرف للعواطف والتجاذبات القومية والطائفية. صحيح أن 80% من الثروة النفطية موجودة في أسكتلندا، إلا أن هذه الثروة ناضبة لا محالة، وإذا أمكن تحقيق مكاسب مؤقتة، فإن المصالح الاقتصادية على المدى البعيد تميل إلى البقاء ضمن المملكة المتحدة على اعتبار أن الاقتصاد الحقيقي والمنتج مرتبط ارتباطاً وثيقاً ببقية مكونات المملكة، فـ«بنك أوف اسكتلند» على سبيل المثال يدير90% من أنشطته خارج اسكتلندا، وهو هدد بالانتقال إلى الخارج في حالة الموافقة…

آراء

عرسال: الفعل الكارثي

الجمعة ٢٦ سبتمبر ٢٠١٤

لا يحتاج المرء إلى ذكاء ومعرفة كبيرين ليدرك أن الجيش اللبناني، مثله مثل غيره من مؤسسات الدولة اللبنانية، يعكس في سلوكه موازين القوى السياسية في البلاد قبل الاستراتيجية الدفاعية (غير المتفق عليها الى اليوم) والحاجات الأمنية. ويمكن كتابة تاريخ الجيش في لبنان، منذ إنشاء "أفواج الشرق"، باعتباره مرآة للتاريخ السياسي بتفاصيله وتوازناته وأزماته وصراعاته. والأعوام العشرة الماضية، منذ بدء موجة الاغتيالات التي قدّمت للأزمة الراهنة، دليلاً لا يحتاج نقاشاً عن ميل الجيش مع الريح، بغض النظر عن مصدرها ووجهتها. ومنذ أحداث عرسال في آب (أغسطس) الماضي، بدا أن ثمة ضغطاً شديداً تتعرض له المؤسسة العسكرية لحملها على المشاركة في الحرب السورية ضمن معسكر النظام وحلفائه. وأسدت وسائل اعلام "الممانعة" خدمة نادرة لمتابعيها بتظهيرها تظهيراً يومياً مزاج وموقف قادة فريقها من الجيش وبانتقالهم في أقل من 48 ساعة من كيل المدائح لكل الجنود والضباط وصولاً إلى قائدهم، إلى ما يداني الشتائم الصريحة والاتهامات بالتخاذل بعدما رفض الجيش اقتحام عرسال معللاً ذلك برفضه ارتكاب مجزرة بحق المدنيين من اهالي البلدة واللاجئين السوريين فيها، في وقت يحتجز مسلحو "داعش" و"النصرة" عشرات الجنود اللبنانيين اسرى لديهما. أرسل النظام السوري تحذيرات أقرب الى التهديدات طالباً من الحكومة والجيش استئناف التنسيق الأمني معه، وضغط في السر والعلن، في السياسة والميدان، لإشراك الجيش في معارك القلمون التي…

آراء

صنعاء.. النموذج السادس لا الرابع!

الجمعة ٢٦ سبتمبر ٢٠١٤

عندما انطلقت حركات التغيير العربية عام 2011 ووصلت إلى سوريا، دُعيتُ إلى ندوة للحديث عن حركات التغيير تلك في مركزٍ على طرف الضاحية الجنوبية لبيروت. وما اهتمّ أحدٌ من جمهور «حزب الله» الحاضر لما قلتُه من أنّ الناس يريدون التغيير في عدة بلدانٍ عربية مثلما حصل في إيران عام 1978 - 1979. توجَّه معظم الحضور إلى نائب «حزب الله» الذي تحدّث بعدي، والذي كانت وجهة نظره أنّ «الثورات» مراحل، وهذه المرحلة ليست لإيران، لكنّ المرحلة الثانية أو الثالثة لها من دون شكّ. وجَّه الحاضرون عدة أسئلة إلى نائب الحزب، وكان منها: لماذا شبان العرب هؤلاء المتظاهرون في الشوارع علمانيون، وليس لديهم رائحة إسلامية واضحة؟ ثم لماذا يعتبر بعض هؤلاء تركيا نموذجًا ولا يعتبرون إيران وثورتها النموذج؟ فهم يسمُّون تحركاتهم ثورات، ومصطلح الثورة وممارساتها لا تنطبق على تحركاتهم! وظهر الإخوان المسلمون بمصر ومعهم السلفيون، وصارت الشعارات الإسلامية أكثر من الهمّ على القلب، لكنّ نائب الحزب والاثنين أو الثلاثة الذين أعرفهم من حاضري ندوة سبتمبر (أيلول) 2011 ظلُّوا مصرين على علمانية الثوار أو على الأقلّ «لا إسلاميتهم». وقلتُ للنائب: يا رجل، هؤلاء السائرون في الشوارع، ويحملون الشعارات أو يهتفون بها، وسواء أكانوا مدنيين أم علمانيين أم إسلاميين، كثرتُهُم الساحقة من السنة، وليس عندهم شيء ضد إيران (ما كان «حزب الله» قد تدخل…

آراء

شروط إيران لمحاربة «داعش»: تسهيل الاتفاق النووي أو تأهيل نظام الأسد

الخميس ٢٥ سبتمبر ٢٠١٤

فجأة تبرّع النظام السوري بالكشف عن وجود ثلاث منشآت لتطوير سلاح كيماوي لم يصرّح عنها سابقاً لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وتبين أن لديه مخزوناً من غاز الرايسين «العالي السُميّة»، كما يوصف. ومع تزايد التقارير عن استخدام مادة الكلور السامة أيضاً في البراميل المتفجرة، يتبيّن أن النظام لم يخف معلومات عن ترسانته ولم يخرج «نظيفاً من عملية إزالتها فحسب، بل إنه واصل استخدام هذا السلاح ضد الشعب السوري وتذكّر الآن أنه يستطيع استخدامه أيضاً لابتزاز المجتمع الدولي. لماذا؟ لأنه يريد مكاناً له في التحالف الدولي الجديد ضد الإرهاب، بصفته المسؤول عن/ والمؤتمن على سيادة الدولة السورية. لكن، حتى هذه «السيادة» باتت وهماً، أو مجرد شعار آخر يرفعه النظام في سياق استغلال الحرب على «داعش» لإنقاذ نفسه. بالتزامن وللغاية ذاتها، وبعدما رفض المرشد علي خامنئي «عرضاً» أميركياً للتعاون في محاربة «داعش»، تبرّع الإيرانيون أيضاً بـ «تسريبة» إعلامية مفادها أنهم مستعدون لوضع هذا التعاون في غمار المفاوضات النووية ومساوماتها، فإذا وجدوا مرونة غربية (أميركية) بادلوها بخدمات في الحرب. كان نظاما طهران ودمشق ساهما، مع نظام نوري المالكي في بغداد، في جعل «داعش» فخّاً يقع فيه الغرب لقبول «شيعنة» الواقع الإقليمي أو «تشيّعه»، مع ما يتطلبه ذلك من إخلال بالتوازنات وعبث بالحقائق في إقليم يغلب عليه الطابع «السنّي» وتتزاحم فيه دول غربية لا تضع…

آراء

“الرقة” تحت الضوء والنار

الخميس ٢٥ سبتمبر ٢٠١٤

عادت مدينة الرقة السورية إلى الأضواء خلال فترة الاحتلال "الداعشي"، وتخطى الأمر ذلك لتصبح أحداثها خبرا عالميا خلال اليومين الماضيين، بعد قصف مواقع تنظيم "داعش" فيها من قبل القوات المتحالفة ضده. وعلى الرغم مما عانته المدينة من إهمال طوال العقود الماضية، إلا أنها لم تكن هامشية عبر تاريخها، وقد يكون لوقوعها على ضفة نهر الفرات دور كبير في تاريخها الضخم، ففيها اكتشف أقدم مسكن بناه الإنسان في تل مريبط، ويعود إلى الألف العاشر قبل الميلاد، وفيها ازدهرت مملكة توتول مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، وقد ظهرت معالمها في تل البيعة قبل نحو ثلاثين عاما. أما الرقة الأحدث فقد أنشئت قبل الميلاد بقرنين ونصف القرن، وعرفت باسمها الحالي مع الفتوحات الإسلامية في العام 639 م، ومعنى الرقة في اللغة: "كل أرض إلى جنب واد ينبسط عليها الماء أيام المد ثم ينضب"، ومن أهم الأحداث التاريخية التي عرفتها الرقة معركة "صفين" التي وقعت قربها. ازدهرت الرقة مجددا منذ العام 772م، حين أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ببناء عاصمة صيفية للخلافة بجانبها، فكان أن أنشئت الرافقة على شكل حدوة حصان، بشكل يقارب المخطط الهندسي والنمط المعماري لمدينة بغداد، ثم تداخلت الرافقة بالرقة لتصبحا مدينة واحدة. ولعل الشهرة الأكبر نالتها المدينة أثناء فترة حكم الخليفة العباسي هارون الرشيد، الذي اتخذها عاصمة للدولة بين…

آراء

سقوط صنعاء وتكرار التجربة اللبنانية

الخميس ٢٥ سبتمبر ٢٠١٤

المدن العربية هشة. تأخذ صفتها في مقابل البداوة والريف. لكنها، وعلى رغم التاريخ الطويل لبعضها، فهي صفة لا تتجاوز كثيراً نمط العيش اليومي. واقع الحال أن كل واحدة من هذه المدن هشة ثقافياً وسياسياً. عدم قدرتها في السنوات الأخيرة على الصمود أمام قوة الميليشيا كشف ذلك. وهي هشاشة اكتسبتها من هشاشة الدولة التي تخذلها عند كل منعطف حرِج. أول المدن العربية التي سقطت في يد الميليشيا كانت بيروت. لم تستيقظ هذه المدينة على حقيقة أمرها إلا صباح السابع من أيار (مايو) 2008. كان حسن نصرالله قد تعهد للبنانيين بعدم استخدام السلاح في الداخل. وتبين للبيروتيين حينها إما أن نصرالله خدعهم، أو أنه تعهد بما لا يملك. مهما يكن كان شعار «المقاومة» هو عربون حزب الله في مقابل الاستيلاء. المدينة الثانية، يا للمفارقة، هي بغداد. سقطت أولاً لجيش الاحتلال الأميركي عام 2003. تحت ظلال الاحتلال حصل تبادل لمقاعد الحكم في المدينة، على أساس طائفي. من يومها والميليشيات تتوالد في بغداد، وفي المحيط من حولها في عرض العراق وطوله. أكثر من ألف عام من تاريخها «المدني والسياسي» لم يحصن عاصمة الرشيد. المدينة الثالثة كانت دمشق. هناك اهتز مقعد الحكم أمام المظاهرات الشعبية. بدأ الحكم يترنح، ولم يجد إلا الميليشيا لتثبيته مرة أخرى. بعدها باتت عاصمة الأمويين رهينة لهيمنة الميليشيا، ولحروب الطوائف وما…