آراء
الأحد ٢٣ سبتمبر ٢٠١٢
أكثر من يتهم بكل عمل قبيح هم السلفيون، حتى قبل أن تطلق رصاصة واحدة من المعارضة السورية نسب إليهم الرئيس السوري جرائم جنوده البشعة من ذبح وتدمير، وقال إنها من أفعال السلفيين المحسوبين على السعودية والغرب! وقبيل سقوط مبارك كانت أصوات الثوار الشباب في مصر تتهم السلفيين بأنهم من يدعم مبارك والغرب، ثم صاروا الأكثر ثورية وتقدموا الصفوف بالهجوم على السفارة الأميركية. وفي تونس تجرأ راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة الإسلامي الحاكم، وانتقد السلفيين، بعد أن كان يمتدحهم، والآن يطالب بمواجهتهم بالقوة، إضافة إلى أن قوات أمن الرئيس المخلوع بن علي التي صارت قوات حزب النهضة الإسلامي الحاكم، تلاحقهم الآن وقد حاصرت مسجدهم ومقرهم وقياداتهم بتهمة أنهم هم من هاجم محيط السفارة والمدرستين الأميركيتين. وفي ليبيا المصيبة أعظم، حيث تم طرد السلفيين من مدينة بنغازي وأحرق مقرهم السياسي واتهموا بالهجوم على القنصلية الأميركية وقتل السفير. طبعا، هناك أحداث عديدة أخرى لا تقل خطورة، مثل هجوم جماعات سلفية جهادية على القوات المصرية في سيناء، واختراق الحدود مع إسرائيل وقتل جندي.. فهل السلفيون فعلا الأشرار والإخوان المسلمون هم الأخيار؟ قبل ذلك من هم السلفيون؟ في رأيي أن المصطلحات والمسميات لم تعد فعلا تعبر عن حقيقة الأشياء. السلفيون هم المرحلة الأولى من الإخوان، وليسوا السلفية التقليدية القديمة التي عرفت بتشددها فقط في القضايا…
آراء
الأحد ٢٣ سبتمبر ٢٠١٢
الدعم الذي تقدمه حكومة نوري المالكي لنظام بشار الأسد لا يأتي في إطار «لعبة سياسية» تفرضها المرحلة ولكنه ينطلق أصلاً من نزعة طائفية لم تعد خافية على أي راصد. وفوق أن نوري المالكي نفسه هو -كما أشار الأستاذ عبدالرحمن الراشد في مقاله أمس- أداة من أدوات السياسة الإيرانية في المنطقة فهو أيضاً يرى في حكم العلويين لسوريا امتداداً للهلال الشيعي الذي يريد أن يكون أحد مكوناته. تاريخياً، علاقة شيعة العراق العرب بإيران كانت في غاية التوتر. وشرفاء شيعة العراق العرب يحذرون دوماً من أن التفريط بهم هو تفريط بأهم مكون عربي في العراق. بل إن شخصية عراقية بارزة ومن أسرة شيعية كريمة، روى لي قبل أيام أن والدته كانت ترفض دخول البضاعة الإيرانية إلى منزلها قبل أن تتركها تحت أشعة الشمس لثلاثة أيام! باع نوري المالكي نفسه وبلده لإيران خوفاً على كرسيه المهترئ. وخلق شرخا كبيرا في علاقة العراقيين (سنة وشيعة) بإخوتهم في الجزيرة العربية وفي سوريا. وكل ذلك من أجل إيران التي ضمنت له السلطة لكي يدير مصالحها في العراق. اليوم ثبت بالأدلة أن نوري المالكي متورط في الجرائم التي ترتكبها قوات الأسد بدعم من الحرس الثوري الإيراني ضد السوريين. وهي جريمة -تضاف لجرائم أخرى- لن ينساها السوريون للمالكي ومن في صفه في قادم الأيام. وتواطؤ المالكي مع بشار…
آراء
الأحد ٢٣ سبتمبر ٢٠١٢
هل كانت مفاجأة إعلان المحكمة براءة الفنان عادل أمام من تهمة تحقير الأديان والاستهزاء بها، بعد إدانة مبدئية قضى طوال العام في شد وجذب لدفعها عنه؟ لا أظن أن المحكمة كانت تستطيع أن تدين الفنان عادل أمام، ليس لأن الفنانين فوق القانون، بل لأنها كانت تهمة مجانية أطلقها أحد المحامين، الذي للأسف نستخدم لقب “إسلامي” حين نلجأ إلى تصنيفه وكأن ما يفعلونه له علاقة بالإسلام، لكنهم اختاروا هذا الوصف فتبعناهم كأننا نقرهم عليه. وقد خرج اليوم من بين صفوف الإسلام الحركي من ظنوا أن وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم مؤشر لمباشرة برنامجهم السياسي الذي يتضمن محاكمة الإبداع والفن وحرية التعبير. كل ما فعله عادل إمام في أفلامه محل الاعتراض هو انتقاد ظاهرة الإرهاب التي تستبيح قتل الأبرياء وتوظيف “الغلابة” والفقراء الذين لم يريدوا أن يدخلوا حرباً دينية بقدر ما كانوا يريدون التحرر من فقرهم وهامشيتهم في المجتمع، كما أدان تفجير الإنسان نفسه في ميدان عام قد يكون مسجداً وبين مصلين، واختطاف الشباب والتغرير بهم من خلال المعسكرات الشبابية، وغسل أدمغتهم بأدبيات تكفر المجتمع ومؤسسات الدولة وتحرض على الخروج عليها، حتى بات الفرد منهم يعترض على تعليم الحساب والرسم واللغات الأجنبية في المدارس الحكومية ويكتفي بتدريسهم العلوم الشرعية فقط كالقرآن والفقة والحديث في المسجد. حين خرج أحد الشيوخ قبل شهر وشتم…
آراء
السبت ٢٢ سبتمبر ٢٠١٢
كيف عادت قوات الأسد إلى الوقوف على قدميها بعد أن فقدت سيطرتها على معظم الأراضي السورية، وبعد أن دخل الثوار العاصمة دمشق؟ السر في العراق الذي لعب دور الممول المالي والنفطي والمعبر البري. وبعد أن تمكن الثوار السوريون من إغلاق المنفذ الحدودي البوكمال مع العراق بعد استيلائهم عليه، قطعوا الحبل السري وتوقف طابور الشاحنات. إنما فتح العراق أجواءه للطائرات الإيرانية، فأقامت إيران بالتعاون مع المالكي أسطولا جويا أعاد الحياة لقوات الأسد. إذن العراق يلعب دورا مهما في الحرب ضد الشعب السوري، هذا ما تؤكده المعلومات التفصيلية المدعومة برصد الاتصالات العراقية مع الطائرات العابرة، والمدعومة بمعلومات عن الاتفاقيات الثلاثية بين إيران وسوريا والعراق. بهذا أصبح المشهد السياسي واضحا في انقساماته؛ دول في صف الشعب السوري الثائر، مثل السعودية وقطر والإمارات والأردن وتركيا، ودول مع نظام بشار الأسد، مثل حكومات إيران والعراق، وبدرجة أقل السودان والجزائر. لكن لماذا يلعب العراق دورا بالغ الخطورة مع جارة نظامها يتهاوى وسيسقط؟ ربما بسبب الضغوط الإيرانية عليه أو رغبة قيادته السياسية، وتحديدا رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي وصل لمنصبه بفضل إيران التي ضغطت على بقية الأحزاب الشيعية التي كانت ترفض توزيره واضطرت لإعطائه أصواتها. ومن الطبيعي أن تؤول الأمور إلى ما هي عليه اليوم، أي أن يسدد المالكي فواتيره للنظام الإيراني الحليف، على الرغم مما قد…
آراء
السبت ٢٢ سبتمبر ٢٠١٢
في كتابه الشيق، «العرب: وجهة نظر يابانية»، يشير نوبوأكي نوتوهارا إلى أن المدارس في اليابان تخصص مادة مهمة في «الأخلاق»، وكم تمنيت لو أننا في العالم العربي نُدرّس الأخلاق، لكننا -بكل أسف- لا نمتلك البيئة الصح لتدريس مادة الأخلاق. فأكثر ممارسات الواقع تناقض ما يمكن أن يندرج في قائمة الأخلاق، فكيف يصدق التلميذ أستاذه، وهو يرى حوله أشكالا شتى من صور النفاق والكذب والازدواجية؟ وكيف يتعلم التلميذ أن يحرص على نظافة الأماكن العامة وهو يمر يومياً عبر شوارع ممتلئة بالنفايات، ويرى من يكبره في العمر يرمي القمامة في الشارع، أو يدخن أمام لوحة «ممنوع التدخين»؟ ما أكثر الأفكار الجميلة و«المثالية» في مناهجنا. لكنها حبر على ورق. الواقع مختلف. والإنسان غالباً ما يتأثر بما يراه بعينه على الأرض. مهم جداً أن نقرأ عن الأخلاق، وأن نعرف ما يندرج في قائمة اللائق وقائمة غير اللائق في السلوك والتعامل مع الناس. لكن الأهم أن تكون تلك الأخلاق في المواقف والسلوك ممارسة حية داخل المجتمع لا مجرد أفكار في كتاب. لا تقوم حضارة من دون أخلاق. و «فوضى» الأخلاق هي نتيجة للتخلف والقمع الذي تعيشه المجتمعات؛ وما ازدواجية القول والفعل إلا شكل من أشكال فوضى الأخلاق، أو غيابها إن شئت! تأمل في خطاباتنا كم تبدو في كثير من جوانبها مثالية. ثم قارن بين الخطاب…
آراء
السبت ٢٢ سبتمبر ٢٠١٢
وجب التشاؤم حيال الأزمة السورية، ويجب الاستعداد للأسوأ، فعندما يترك المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي المكلف حل الأزمة، عمله الحقيقي ويزور مخيمات للاجئين في تركيا، فهذا لا يعني سوى أن الرجل ليس عنده أفكار، ويريد أن يبدو بمظهر المهتم النشط ريثما يقدر الله أمراً كان محتوماً. وكذلك عندما تغيب السعودية عن اجتماع وزراء خارجية اللجنة الرباعية التي اقترحتها مصر لحل الأزمة، فهذا لا يعني غير أنها فقدت الأمل، فإذا كان هدف اللجنة إقناع إيران بتغيير موقفها، فلا أمل في ذلك فهي في مركب «بشار» حتى لو غرقت معه. وإن كان الهدف التوصل إلى حل، فكيف للجنة فيها إيران أن تتوصل إلى حل عجزت عنه مجموعة أصدقاء سورية التي تضم حوالى مئة دولة، وقبلها الجامعة العربية والأمم المتحدة. إن مجرد استمرار هذه اللجنة من موجبات التشاؤم، على رغم تأكد فشلها للمصريين والأتراك، ليس بسبب غياب السعودية وإنما لـ «المسخرة» الإيرانية، والتي يعترف رئيس حرسها الثوري بوجود عناصره في سورية لمساعدة النظام «ولكنهم لا يقومون بدور عسكري»، ثم يقول إنهم لن يتدخلوا لإنقاذ النظام، ثم ينفي متحدث رسمي إيراني التصريحات ويؤكد أنهم لن يسمحوا بسقوط النظام، فلا تعرف ما الذي ينفون وما الذي يثبتون. ثم بكل وقاحة يعلنون من القاهرة مبادرة لوقف إطلاق النار، بشرط وقف دعم المعارضة وإطلاق حوار يؤدي إلى «إصلاحات…
آراء
السبت ٢٢ سبتمبر ٢٠١٢
أنا أؤمن بأن الثروات التي تتدفق من المجتمع يجب أن تعود في جزء كبير منها إليه ليستفيد منها، كما أن المجتمع مسؤول وبنسبة كبيرة عما حققه الأثرياء من إيرادات، هذا ما قاله وارن بافيت ثاني أغنى أغنياء العالم، الذي يلي بيل غيتس مباشرة، وهو اليوم واحد من 14 ثرياً قاموا بتقليد بيل غيتس، فتبرعوا بنصف ثرواتهم لمؤسسات العمل الإنساني الخيري، كنا نودُّ أن نسمع مثل هذه العبارات الخالية من المزايدات التي تستشعر حجم المسؤولية الاجتماعية من مجموعة أثريائنا في السعودية الذين احتلوا المركز الأول، إذ أشارت إحدى الشركات الاستشارية في سنغافورة إلى أن السعوديين تصدروا قائمة الأثرياء على مستوى الشرق الأوسط بعدد ١٢٦٥ بليونيراً بحيازتهم 230 بليون دولار. ولك أن تتخيل أن لدينا كل هذا العدد من الأثرياء والثروات، في نفس الوقت الذي تشاهد فيه تزايد عدد الفقراء والمرضى النفسيين، الذين أصبحت تلحظ وجودهم في الطرقات، بسبب غياب الأسرة والمشافي. تتساءل أيضاً كيف يعالج ما يزيد على الألف بليونير حكة الضمير المزعجة كلما شاهدوا فقيرة تخرج في «يوتيوب»، وتقول إنها لم تذق وجبة طعام طيبة، هي وسبعة من بناتها المطلقات مع أبنائهن المهجورين، وإن كل هؤلاء لم تحظ واحدة منهن بشهادة، ولا فرصة تدريب تعينها على عمل، وإن كل ما تعودْنَ عليه هو أن يعشْنَ على الصدقات المتقطعة التي قد…
آراء
الجمعة ٢١ سبتمبر ٢٠١٢
أغادر الصين بتجربة ثرية و دروس كثيرة. أول الدروس التي تعلمتها من جولتي في الصين أن أعيش التجربة على الأرض قبل أن أحتكم في أحكامي على قراءات مختلفة أو على ما تشكل في الوعي من كلام الآخرين. وجدت صيناً مختلفة عن تلك الصين التي تشكلت في ذهني إلى ما قبل أسابيع. وجدت مدناً أنيقة و منظمة. و رأيت شعباً حيوياً يعمل ليل نهار في تناغم و كأنه على علم مسبق أنه سيمتلك المستقبل. مشيت في شوارع بكين لساعات طويلة و لم أتعرض لما يمكن أن يعكر المزاج أو يثير الخوف. شعب منظم محترم يتعامل مع زائر المدينة بأدب جم. و الأهم عندي أنني رأيت بعيني كيف تتبنى الصين اليوم مشروعاً تنموياً عملاقاً سينقل الصين في غضون سنوات إلى أهم لاعب في ساحة الاقتصاد العالمي. استمعت إلى مسؤولين رسميين و رجال أعمال و دبلوماسيين و أكاديميين و أناس أقابلهم في الأسواق و المطاعم. و الجميع هنا يتحدث لغة واحدة و واثقة: المستقبل لنا. دهشت من نظافة المدن الصينية التي زرتها و فسحة شوارعها و ميادينها. و مشاريع التنمية لم تتركز في المدن و تهمل الأرياف. صناع السياسة التنموية في الصين مدركون جيداً لأهمية تنفيذ مشروعات تنموية متوازنة. فحصة المناطق المتأخرة اقتصادياً في مشاريع التنمية متكافئة مع المدن الكبرى. بل إن الأولوية…
آراء
الخميس ٢٠ سبتمبر ٢٠١٢
نشرت مجلة «تايم» تقريرا مطولا يبشر بنهاية تنظيم القاعدة، بني على جملة أحداث مهمة، من قتل رئيسها أسامة بن لادن إلى دحر مجموعات كبيرة للتنظيم في اليمن. التحقيق دقيق في سرد الإخفاقات الكبيرة لـ«القاعدة»، إلا أنني أختلف معه في الاستنتاج النهائي، وهو «نهاية القاعدة». أعتقد أن الواقع الجديد يقول عكس ذلك تماما، فنحن أمام صعود مخيف للتنظيم في كثير من المناطق في العالم. «القاعدة» ليست حية تتنفس فقط، بل تزداد قوة وقدرة على التجنيد، والانتشار، ونجحت في بناء تحالفات واندماجات في مناطق عديدة. ولا نغفل أن بروز الخطاب الإسلامي السياسي، بفضل الربيع العربي، أعطى الجهاديين حماسا لنشر أفكارهم، وتوسيع نشاطهم، واستغلوا إضعاف المؤسسات الدينية الرسمية والأمنية والدعائية، التي كانت تنشط ضد الفكر الإرهابي في مصر وتونس وليبيا، وشجعوا الجماعات المتطرفة في بقية الدول على رفع صوتها ونشاطها. ولا أدعي هنا أن الحكومات الإسلامية في هذه الدول الثلاث وراء عودة «القاعدة»، بل العكس تماما، هي ضحيتها. المفارقة أن الجماعات الجهادية، سواء كانت مرتبطة بـ«القاعدة» أو منسجمة معها في خطها السياسي، انقلبت وصارت تقاتل الأنظمة «الإسلامية» الجديدة. فموقع «المجاهدون في مصر»، الذي يتحدث باسمهم، أعلن أنه يرفض النظام الجديد، وأنه «لا تجوز ولاية الدكتور محمد مرسي»، وأن ولايته باطلة. حكومة مرسي ارتكبت خطأ كبيرا عندما تعجلت بالإفراج عن مدانين إرهابيين، والعفو عن…
آراء
الخميس ٢٠ سبتمبر ٢٠١٢
قبل زمن الإنترنت والفضائيات وانفتاح الإعلام، حاول الخطاب البعثي القومي "العروبي" الممانع في سورية في مرحلة السبعينات والثمانينات تكريس بعض المصطلحات الثقافية ليحول من حالته ملاذا ومصدرا أوحد لمثقفي البلد. لكن المثقفين الجادين لم يعتمدوا عليه في استقاء معلوماتهم، فاتجهوا إلى الصحف والمجلات الخليجية التي كانت تصل إليهم حاملة رؤى وأنشطة وإبداعات كـ"القبس" الكويتية و"الجزيرة" السعودية ومجلتي "العربي" والدوحة" ليكتشفوا أن من كانوا يظنونهم مجرد "مثقفي الطفرة" ليسوا إلا مثقفين حقيقيين يحملون الهم المعرفي والعصري والحداثي مثل نظرائهم في الدول العربية التي كانت تعتبر آنذاك دولا مصدرة للثقافة.. وأذكر أن جيلي في جامعة حلب خلال الثمانينات كان يحرص على اقتناء صحيفة "الجزيرة" لما فيها من زخم وجدل وكتابات جادة وأسماء صاعدة واعية لم تكن مشهورة آنذاك مثل شهرة الأسماء الحداثية في سورية ومصر، لكنها استمرت وصار عدد من أصحابها اليوم يحتلون مواقع الصدارة في المشهد الثقافي والإعلامي والفكري على المستوى الخليجي ولا أبالغ لو قلت: والعربي أيضا. مشكلة خطاب "البعث" أنه بعد سنوات القمع كان يظن أنه قادر على تسييس العقول بـ"ممانعته" ولعله استطاع أن يفعل ذلك مع الكثير، لكنه لم يسيطر على الجميع، فكان البعض ضد مساراته، ولو أضفنا إليهم من تأثروا بالنزعة العروبية القومية من غير أن ينخدعوا بادعاءات الممانعة لوجدنا أنفسنا أمام أكثر من تيار، يجمعها تقريبا…
آراء
الخميس ٢٠ سبتمبر ٢٠١٢
لعل قارئاً كريماً يعلق على العنوان أعلاه: يا أخي: أشغلتنا بالصين ومشاهداتك فيها. ومعه حق. لكن مهمة الكاتب أن يرصد مشاهداته. يكتبها. يشارك بها قراءه الكرام أملاً في “فائدة”. وأعترف هنا أنني مأخوذ بحجم المفاجأة الجميلة: الصين. هنا مشاريع تنموية عملاقة. ومستمرة. لكنها لم تأت فجأة. إنها من نتاج خطط خمسية متواصلة منذ العام 1979. وإن كنتَ مثلي مهموماً بالسؤال: لماذا تقدم الآخرون وتأخرنا، فلعلك تجد إجابات في تجربة الصين. فرق بين الإجابة المثالية التي نقرأها في التقارير والكتب وبين الإجابة الماثلة في المنجز على الأرض. أعرف جيداً أن التجربة الصينية ليست مكتملة. وثمة أسئلة كثيرة مهمة حول غياب بعض أوجه الحرية الضرورية وحول المخاوف من تبعات النمو الاقتصادي السريع. لكنني أكاد أجزم أن تلك الأسئلة هي في وعي صانعي السياسات الاقتصادية الصينية. هناك دروس تنموية في التجربة الصينية الراهنة ما أحوجنا في العالم العربي إلى قراءتها وفهمها. ولنترك أي خلاف “سياسي” مع الصين جانباً ونركز على “المشترك” في الهموم والمنافع التنموية. فما أنجز في الصين في وقت قصير وما يتوقع إنجازه قريباً في الصين أمر مذهل بكل ما تعنيه الكلمة. ولو بيدي لنظمت جولات عملية للمعنيين بالتنمية في منطقتي، من صناع قرار ومثقفين وأكاديميين وطلاب جامعات، للاطلاع على المنجز الصيني في أكثر من إقليم وقطاع. فالتجربة الصينية ربما تثير…
آراء
الأربعاء ١٩ سبتمبر ٢٠١٢
في المقهى في دبي، حيث أجلس في الصباح، لأكتب، التقي أناساً كثراً، يتغير بعضهم، ويتكرر آخرون، تدور بيننا بعض الأحاديث القصيرة التي يحركها الفضول وتمنح الألفة للمكان المشترك. قابلتُ أناساً وسمعتُ أحاديثَ عابرةً تكاد من عفويتها تكون هي الحديث الأصدق في حياة الإنسان، لأنه يظن أنه حين يتحدث مع عابرين فهو كمن يتحدث إلى نفسه، واحدة من الذين التقيتهم كانت سيدة في الـ60 تعكس هيئتها رقياً وتحضراً ظاهرين، سألتني وأنا أبتسم لها: «من أين أنت؟» قلت لها: من السعودية، فشهقت وقالت: «لقد عملت في السعودية في مدينة جدة، فقد درست في إحدى الجامعات هناك، وعملت في أحد المستشفيات، وأنجبتُ ابنيَّ هناك. الناس هناك رائِعون. أكثر ما كان يأسرني في بلادكم الأمن والأمانة. كان البائع يضع قطعة قماش على بضاعته ويمضي للصلاة، وكنا ننسى فنترك أبواب بيوتنا مفتوحة أحياناً فلا يتعرض لها أحد، وكنتُ أتجول بهيئتي هكذا من دون عباءة ولا خمار فلا يضايقني أحد، كلٌّ يعبِّر عن شخصيته بسلوكه وحسن تأدبه مع الآخرين. مرةً قمتُ بزراعة شجرة أمام منزلي فقلَّدني خمسة من الجيران، فصار شارعنا أشبه بحديقة. من السهل أن تزرع شيئاً جميلاً فيقلِّدك الآخرون»، سألتها: متى كان ذلك؟ فقالت: «كان ذلك عام 1979»، ثم زادت: «لقد كانت تلك الفترة هي أجمل الفترات في حياتي، وفي حياة أبنائي الذين كبروا…