عبدالله الشويخ
عبدالله الشويخ
كاتب إماراتي

«أكرهك!»

آراء

لدي ذلك الجار المثالي المتأنق، الذي يريد جميع أولياء الأمور في فريجنا أن يكون زوجاً لبناتهم، بينما أنا صاحب الثلاث عشرة صنايع ونصف الصنعة لا أجد فيهم من يرد عليّ السلام بصوت مسموع، جاري يجيد صنع المثالية بشكل متقن، فهو لم يبق عامل نظافة ولا «دريول» ولا «بشكارة» في الفريج إلا وتصور معهم، ووضع تلك الصور على الـ«نت» بجوار عبارة: لنكن قريبين من بعضنا من أجل الإنسانية، وقد رفعت هذه الصور من شعبيته بشكل طاغ في الفريج، لدى الجنس اللطيف خاصة، رغم أنني أعلم بأن الوغد لا يتورع عن إرسال جميع العمال في «كونتينر» شحن إلى كيرالا، لو أن الأمر كانت فيه مصلحة له، لكن المشكلة هي أنني لا أملك أي إثبات! وبالنسبة لي، فالعمال يكرهونني بالفطرة، ويرفضون التصور معي، لأنني لا أعطي على غسيل سيارتي أكثر من خمسة دراهم.. تذكر أنهم ليسوا محطة «أدنوك»، وأن هذا العمل مخالف للقانون، وأنهم «غسيل بره بس»، فلماذا أزيد على الخمسة؟

يستمر جاري المثالي بـ«جلطي» في أثناء المناسبات والاحتفالات، فغالباً ما يكون هو نجم الجلسة، وهو يتقن اختيار العبارات التي تداعب أحاسيس المستمعين، فكثيراً ما أسمعه يقول برجولة ناقصة: المرأة.. هذا المخلوق الملائكي.. لو كان بيدي لأعطيت لكل امرأة وردة في كل صباح. أحاول إحراجه أمام الجميع، وأذكّره بأنه كان أشهر «مغازلجي» في الفريج قبل حادثة الحلق له على الزيرو الشهيرة، ووضع صورته في الجرائد، فيرد الصفعة إليّ وهو يخاطب الجموع المسحورة بكلماته، ويقول لي إنه في ذلك اليوم ضحّى بسمعته من أجل سمعة فتاة تحرشت به، فينظر إليه الجميع بإعجاب، و«يحدجونني» بنظرات تجعلني أقسم بأنني سأمتلك الإثبات ذات يوم!

في الرياضة لا أحد مثل جاري، فجميع الأندية تتصل به لإعطاء دروس في الأخلاق الرياضية، وهو يشجع دائماً الأندية التي تفوز بالبطولات قبل أن تحسم، وفي «الكورة» يشجع دائماً نادي العين، ولا داعي للشرح! ويضع على فانيلته شعارات القافلة الوردية، والسكر، ودعم المعاقين، وعبارة «الأخلاق أولاً».. أنا أعلم بأنه لا يهتم لاحتراق العالم لو أنه أحس بأنه سيخسر مباراة، لكن كل ما أحتاجه هو أن أستطيع أن أثبت ذلك! أوقف سيارتي بجواره رافعاً صوت ميحد، لأفاجأ بأنه يسمع فيروز وينظر إليّ بـ«روقان»!

باختصار المثاليون يقرفونني، وهم يتكاثرون بانقسام الخلية، مثل الأميبيا تماماً! وأكثر ما يغيظني فيهم أنهم يعرفون كيفية الأكل بالشوكة والسكين، بطريقة تقنعك أنت نفسك بأنهم «في حياتهم ما خمسوا في القشيد»!

لكنني مرة أخرى لا أملك أي اثبات!

المصدر: الإمارات اليوم