حازم صاغية
حازم صاغية
كاتب وصحفي لبناني

أميركا بين إيران والعرب

آراء

كان واضحاً من صور المستقبلين والمستقبلات في إيران، وزير الخارجية محمد جواد ظريف وأعضاء الوفد المفاوض العائد من «لوزان» إلى طهران، أنّ هؤلاء لا يشبهون الجموع التي تحتشد في العادة لتحيّة المرشد علي خامنئي أو الرئيس السابق أحمدي نجاد، هاتفة بما وسعها من قوّة: «الموت لأميركا».

بل كان واضحاً، في المقابل تماماً، أن هؤلاء الذين نقلت التلفزيونات صورهم وحماستهم، هم جمهور «الثورة الخضراء» التي قامت وقُمعت في 2009، وقبلها جمهور الرئيس السابق محمد خاتمي. فهم مرتخو الأعصاب، زاهون وملوّنون وبعيدون عن التشنّج. وإذا صحّ أن هؤلاء متلهفون بكل تأكيد لرفع العقوبات الاقتصادية الغربية عن بلدهم وشعبهم، فأبعد من هذا أن مسألة العقوبات هنا لا تعدو كونها رمزاً لمسألة أكبر عنوانها العلاقة بالغرب، ليس سياسة فحسب، بل أساساً في الثقافة والقيم والتقنية، لا سيما الجانب الاتصالي منها.

فكما أشار أكثر من كاتب ومعلق في الولايات المتحدة وأوروبا، وفي خارجهما، تعبت قطاعات واسعة من الإيرانيين من الحصار ومن العزلة، ولكنها تعبت، فوق ذلك، من نظام يسحق فردية الفرد الإيراني وحريته وبعض حقوقه الأساسية، فارضاً عليه إيديولوجية لا يد له فيها، بل فارضاً عليه أعباء مادية باهظة التكلفة في مواجهات وحروب إقليمية لا تثير شهيته. وحتى أكثر هؤلاء انزعاجاً من السياسة الأميركية حيال إيران، يرون أن المسألة استنفدت أغراضها، وأنه حان الوقت كي تُطوى صفحة الأحقاد وتُفتح صفحة أخرى.

وما من شك في أن إدارة الرئيس أوباما حين قررت أن تسير في طريق التفاوض مع إيران، ضداً على إرادة حلفاء كثيرين لها في سائر العالم، كانت تأخذ في اعتبارها هذا العامل، أي وجود قاعدة عريضة لا يُستهان بها بين الإيرانيين متحمسة لأحسن العلاقات مع أميركا، ومتأثرة إلى أبعد الحدود بطريقة الحياة الأميركية، وغير مترددة في إعلان حماستها هذه على الملأ.

والحال أن المراقبين الأميركيين والغربيين لم تفتْهم، وعلى مدى سنوات طوال، المقارنة بين هذه الحال الشعبية الإيرانية والحال الشعبية في معظم العالم العربي. فعربياً، وعلى المستويين الشعبي والحكومي، لا سيما الشعبي، لم تظهر إلى الوجود أية قاعدة عريضة تدافع بصراحة ووضوح عن العلاقة الإيجابية بالغرب، لا سيما أميركا. كذلك لم ترتق علاقات التحالف السياسي في بعض الحالات، وبعض الدول، إلى إعلان انحياز صريح لطريقة الحياة الغربية.

وقد يقال إن الدعم الأميركي لإسرائيل، خصوصاً منذ حرب 1967، هو السبب وراء هذا الموقف الذي يتراوح بين الحذر والسلبية. ولكن هذا التقدير لا يصلح، في أغلب الظن، إلا لتقديم صورة جزئية عن تلك العلاقة. ففي مقابل دعم إسرائيل، دعمت الولايات المتحدة حركة الاستقلالات العربية من الطرفين الاستعماريين الفرنسي والبريطاني، وقد خالفت السياسة الفرنسية في ما يتعلق استقلال الجزائر خصوصاً. وكذلك من المعروف جيداً أن أميركا في عهد «دوايت أيزنهاور» هي التي وقفت، في 1956، إلى جانب مصر، ما أدى إلى حرمان البريطانيين والفرنسيين والإسرائيليين ثمار الانتصار العسكري الذي حققوه في حرب السويس المعروفة عربياً بالعدوان الثلاثي.

ومن المرجّح إذن أننا أمام تراكم ثقافي معادٍ للغرب تطور جيلاً بعد جيل في العالم العربي، كما من المرجح أن تكون أسبابه ثقافية أكثر منها سياسية. وفي الحالات كافة، فإن جميع التيارات الإيديولوجية التي تعاقبت على المنطقة في القرن العشرين (اليسار، القومية العربية، الإسلام السياسي) إنما أكدت على مركزية العداء للغرب، ولو أعطته تسميات أخرى تتراوح بين الصليبية والاستعمار والإمبريالية.. الخ.

وهكذا إذا كان التاريخ لا يحول ولا يزول لدى أغلبية العرب، فإن الأمر لا يبدو على هذا النحو عند الإيرانيين. وما من شك في أن إدارة أوباما أخذت هذا العامل في الحسبان حين أقدمت على ما أقدمت عليه، خصوصاً بعد قراءتها للنتائج المُرّة التي ترتبت على حرب الرئيس السابق بوش الابن في العراق.

ومن يدري، فعملاً بهذا الحساب ربما فكرت الإدارة الحالية في واشنطن بأن القاعدة الواسعة التي تتعاطف معها ومع نموذجها بين الإيرانيين، قد تجد في المسار التسووي فرصة لها كي تقوي مواقعها في بلدها على حساب السلطة القائمة. وليس من المستبعد أن تعجز إيران الخمينية بعد تربية عدد من الأجيال على أن أميركا هي «الشيطان الأكبر»، عن تكييف ذاتها مع صورة مختلفة وأقل سلبية عن أميركا. ولا شك أن عجزاً كهذا سيمد خصوم السلطة في طهران بحجج أقوى، وربما أيضاً بأدوات أفعل وأشد تأثيراً.

——-

المصدر: الاتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=84233