محمد خميس
محمد خميس
محمد خميس روائي صدر له من أمريكا رواية لفئة المراهقين بعنوان "مملكة سكابا" ، وله باللغة العربية مسرحية أدبية بعنوان "موعد مع الشمس"

أنا مسكين

آراء

المتسولون ينبثقون فجأة من الفراغ، يفاجئونك بمد أيديهم، طالبين منك ان ترحمهم من قسوة الحياة، وانتشالهم من براثين الحاجة المدقعة. لهم قدرة رهيبة في التحكم بتعابير وجوههم، يستحقون عليها جائزة الأوسكار لأفضل ممثل او ممثلة.

يجبرونك بنظراتهم المنكسرة ان تعيد تقييم ذاتك، من انت؟ ومن اية صخرة خُلق قلبك! لماذا لا تساعدهم؟ لماذا الى الان انت تفكر بدل ان تنقدهم بشيء مما عندك؟! فأنت ستشتري ببضع هذه الدراهم الأيس كريم، وبعض الدونات، بينما هم سيشبعون بها جوع، ويسترون بها عورة، يا لقسوتك!

هم بارعون بجعلك تشعر بالذنب، خاصة النساء منهم، وبالأخص اذا كن بصحبة طفل بريء يحدق اليك بأمل، بينما انت تحاول قدر الإمكان تجنب النظر الى عينيه، لأنك تدري بأنك حتماً ستضعف، وسترمي بكل حملات التوعية عن عصابات المتسولين والمحتالين بعرض الحائط، وستتلبسك روح ” روبن هود” لتتمنى السرقة من الأغنياء لإطعام الفقراء، لن تصمد أمام الغزو العاطفي من المتسول او المتسولة ومن الطفل بمعيتهم، والذي بالأغلب طفل مستأجر.

في كل مرة سيفاجأك متسول او متسولة سيصمد أمامك كصاحب حق، ويشعرك بأنك مغتصب ولا تستحق النعمة التى انت فيها، وسيجعلك تصارع نفسك، وتطرح عدة أسئلة من النوع الذي يطرحه برفسورات الفلسفة في الجامعات، ما معنى الحياة؟ أين هي العدالة الإجتماعية؟ أكون او لا أكون! أعطيه او لا أعطيه! وأسئلة أخرى، تؤدى كلها في النهاية، ان تخرج بطاقة السحب الألي، وتمسك المتسول من يده لتصحبه الى أقرب ماكنة للسحب الألي، بل وتسر له برقمك السري ليسحب من حسابك ما شاء.

تجد نفسك مقتنع تماماً، أنهم لولم يكونوا في حاجة لمد اليد، لما مدوها وتسولوا، وتنسى ان أغلبهم يستغفلوننا، ويعتبروننا أغبياء وسذج، سهل خداعنا، لقد امتهنوا التسول، لأنها وظيفة سهلة، لا تحتاج الى جهد، مؤهلاتها هي الشطارة.

أذكر من فنون التسول تلك التى ابتكروها في فترة ما في الماضي، التسول بالمركبة، حيث تتفاجأ ان تستوقفك أسرة بكامل أعضائها، بسيارة عائلية “المكتب الرسمي للعائلة”، وبعد السلام، يستجدى منك رب الأسرة، بلهجة خليجية نقية، لا تستشف منها أصل المتحدث الحقيقي، وبجمل قصيرة فيها من المحسنات البديعية من جناس وطباق وسجع، ما يعجز الجاحظ بالإتيان بها، وكلها تصب في مدح والثناء على اخلاق اهل بلدك، وكرمهم، ثم وببراعة لا تمكنك من تفاديها، يطلب مبلغ من المال، حيث انهم أغراب وقد ضيعوا أمتعتهم، وأفلسوا ولا يعرفون من يلجأون إليه بعد الله، سواك، فمن سماتك وسماحة ملامحك أدركوا انك كريم ابن كريم ولن ترد لهم طلب، ولا اذكر اي شخص استطاع ان يمتنع من مساعدتهم، وان عادوها الأن، فإنها ستنطلي على الكثرين منا، كوننا تربينا على مساعدة الغريب.

العجيب في الأمر هو عندما، تقترح على المتسولين مراجعة الجمعيات الخيرية، فإنهم سيصورونها على انها بؤر الظلم، والقسوة، وان العاملين فيها لا رحمة في قلوبهم، ولا يساعدون من يحتاجون للمساعدة الحقة، ستصدقهم وتتعاطف معهم، فدائماً في حديثهم عن الجمعيات الخيرية، تكون هناك موسيقة تصويرية حزينة، تصاحب وصفهم للظلم والطرد الذي وقع من أعضاء الجمعيات عليهم، ودموع ضعف واستسلام، وسرد كئيب، لمشهد من فلم هندي، تموت فيه أم البطل على يد الإقطاعي الظالم، يجبرك على كره كل الجمعيات الخيرية والعاملين فيها بل ومؤسيسها، وتشعر بأنك وحدك نصير الضعفاء، ومن يمتلك القلب الرحيم.

هذه الشحنات العاطفية التى تصيبك جراء الأجواء التى يضعك فيها المتسولون تسمى الإبتزاز العاطفي، وهو فعل أو حديث، يصدر من شخص ما غرضه زرع احساس بالخطأ او الخجل في داخلك، لإقترافك ذنب انت لم تقترفه بالأساس.

عصابات المتسولين المنظمة، لن تنتهي، وعلينا ان نتعلم كيف نوقفها عند حدها، وان لا نسمح لهم بإبتزازنا عاطفياً. علينا ان نتعلم كيفية مقاومتهم، ومنعهم من منحنا إحساس الخطيئة والذنب، وعلينا زيادة حملات التوعية من مخاطرهم، والقيام بواجبنا بالإبلاغ عنهم اينما وجدناهم.

خاص لــــ (الهتلان بوست)