محمد خميس
محمد خميس
محمد خميس روائي صدر له من أمريكا رواية لفئة المراهقين بعنوان "مملكة سكابا" ، وله باللغة العربية مسرحية أدبية بعنوان "موعد مع الشمس"

أنا ومن بعدي الطوفان

آراء

في العصر الحديث، الفلسفة الوحيدة التى أنتجتها الولايات المتحدة الامريكية للعالم، هي الفلسفة البرجماتية. وفي أبسط تعريف للفلسفة البرجماتية حسب وليم جيمس ( 1842- 1910م) هو أن الفكرة كورقة النقد تظل صالحة للتعامل بها، إلى أن يعترضها مُعترض ويثبت زيفها وبطلانها، وتستمر صلاحيتها ما دامت سارية المفعول فنحقق بها ما نريد من أغراض” أي أن معيار الصدق في البرجماتية لأية فكرة إنما يكمن فيما يترتب عليها من نتائج عملية، تنفع صاحبها.

فإذا كان اعتقاد الناس بالدين يفيدهم ويجلب لهم المنفعة، إذاً ليكن الدين حقيقة، وقس على ذلك أي فكرة أو تصرف أو اعتقاد. ولذلك نقرأ أو نسمع في نشرات الأخبار دائماً أن الولايات المتحدة الأمريكية تكيل بمكيالين، أوتنعت أيضاً بازدواجية المعايير، لأنها ببساطة تهتم بما سيترتب على مواقفها مع مختلف الدول من منفعة لها، وليس على مبدأ الوقوف مع الحق.

البرجماتية هي الفلسفة المفضلة لدى المتسلقين والسياسيين، وواقعياً هي الوحيدة التى تناسبهم، وتبرر لهم رفع شعارات هم أول من يكفر بها، فهم يرون على المستوى السياسي أنه لا فرق بين المصلحة العامة والخاصة، ولا ضير في الكذب قليلاً كان أو كثيراً، ما دام أن النتيجة في النهاية ستكون لصالحهم ومنفعتهم.

هذه الفلسفة انتشرت حول العالم وتبناها الكثيرين، وكما يوجد في العالم من يتخصصون في الطب وآخرون في الفيزياء والإدارة وغيرها من التخصصات، يتخصص البرجماتيون في الوطن العربي في التفرقة، وفي تأجيج وتصعيد نار الطائفية.

وإذا كان استغلال الدين سيوصلهم إلى مبتغاهم، فلا مانع من استغلاله، ولا مانع من قتل شخص أو شخصين، أو مئة أو مئتين، بل لا مانع من قتل الأمة كلها، في سبيل أن يحققوا ما ينفعهم، فلا غرابة في أن نراهم يهاجمون الآخرين، ويكيلون لهم السباب، ويهددونهم بتمكين عدوهم منهم، لا يهمهم في تهديدهم أو إهانتهم بمن سيتضرر ويخسر، فشعار “أنا ومن بعدي الطوفان” هو سيد تفكيرهم. هؤلاء بلغت بهم وقاحتهم أن يلوثوا تاريخ بلدانهم، ويحرقوا ما تبقى من سمعة وطنهم، ولا بأس في تمزيق أوطانهم، مادام أن ذلك سيبقيهم في السلطة، ويخدع البسطاء الذين يرونهم أبطالاً.

هنا نصر الله، وهناك الإخوان وفي مكان آخر بشار، وعلى الضفة الأخرى إيران، كل هؤلاء يجمعهم قاسم مشترك واحد، ألا وهو بقائهم وسيادتهم واستعباد الآخرين.

ما يثير السخرية في الأمر، هو أنهم يعتقدون وللآن أنهم متحدون على هدف واحد، وأنهم حلفاء لبعضهم البعض، رغم أن كلٍ منهم على حدة يضمر الخيانة للآخر، فالبرجماتية فيهم تحتم الاستفادة القصوى والتنفع من الآخرين، وحليف اليوم هو نفسه سيكون عدو الغد.

ايران بما أنها الأقوى بينهم تخطط لالتهامهم جميعاً، والإخوان يعتقدون بأنهم سيتمكنون عن طريق وضع يدهم في يد العدو، وبطريقة ما السيطرة على كل الدول العربية، وعندها سيشكلون قوة لا تهزم، وبها سيقضون على أحلام فارس الكبرى! ويسيطرون لوحدهم على العالم الإسلامي، بينما نصر الله، يحلم بأن يتناحر الجميع، وتخلو له الساحة لحكم لبنان. وبشار يحلم في كل يوم، بهزيمة الجيش الحر، ليكون بعدها حليف روسيا والصين الأوحد، ويتوج زعيماً عربياً لم يشهد التاريخ بمثيل له.

انعدام حس المصلحة العامة فيهم، وسعيهم لنفي وجود أية مبادىء أخلاقية ذات قيمة كلية، هو سبب كل هذه النزاعات والتمزيق الذي يفتك بالأمة في أيامنا هذه، لن يعتدل حالنا أبداً ما دام أغلبنا مأخوذين بخطابات ودجل هؤلاء البرجماتيين.

خاص لـ ( الهتلان بوست )