إعلاميون مصريون : الإخوان خلطوا أوراق السياسة بالشعارات الدينية ففشلوا سياسيا وأساءوا للدين

أخبار

القاهرة: صفاء عزب

«الإعلاميون الإسلاميون» مصطلح فرض نفسه خلال فترة حكم الرئيس مرسي وسيطرة الإخوان على مختلف مؤسسات الدولة، حيث ظهرت مجموعة من الكتاب والإعلاميين أصحاب الميول الإسلامية في كتاباتهم وتوجهاتهم واختلفوا في طريقة تناولهم للتيار الإسلامي والإخوان بصفة خاصة ما بين الحياد الموضوعي والتحيز الأعمى، إلا أن سقوط الرئيس مرسي على النحو الدراماتيكي الذي تم في أعقاب انقلاب 30 يونيو (حزيران) قد أصاب الكثيرين منهم بصدمة وإحباط وغضب وتغيرت المواقف وتفرق الإعلاميون المحسوبون على التيار الإسلامي إلى فرق ما بين مؤيد للانقلاب على الرئيس أو صامد في مواجهة الوضع الجديد والدفاع عن الشرعية التي يتمسك بها أنصار الرئيس المعزول على أمل عودة مرسي.

الإعلامي بشير عبد الفتاح رئيس تحرير مجلة «الديمقراطية» المصرية أحد الوجوه التي دافعت في البداية عن حق الإخوان في منحهم الفرصة للعمل السياسي ثم عاد وتغير موقفه بتأييده لعزل الرئيس مرسي، وفي تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» قال إن الثورة المصرية قامت أساسا من أجل تحقيق الديمقراطية وتحقيق العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ولكن لا يشترط دائما أن تؤدي الثورات للديمقراطية بشكل سلس فقد تحدث انحرافات لشكل الثورة أو تتعرض للارتداد أي تتراجع الثورة ثم تتقدم للأمام وذلك في المراحل الانتقالية. وما حدث يوم 30 يونيو هو موجة تصحيح للثورة وليست ثورة جديدة كما أنها ليست انقلابا عسكريا لأن الانقلاب يكون عندما تتحرك القوات المسلحة بمبادرة منها للإطاحة بالرئيس الموجود لتحل محله وتقوم هي بوضع أولويات العمل في المرحلة ولكن هذا لم يحدث لأن 30 يونيو تمت بمطلب شعبي بإسقاط الرئيس بعد إعطائه فرصة سنة كاملة ولم يفعل شيئا فكان لا بد من قوة قهرية تتدخل لفض حالة الصراع وحسمه بين التيار الإسلامي المؤيد والتيار الآخر المعارض وكانت القوات المسلحة هي تلك القوة القهرية التي حسمت الصراع خشية أن يتحول إلى حرب أهلية.

وعن تغير موقفه من الإخوان المسلمين، يقول بشير عبد الفتاح: «أنا لا أنتمي للتيار الإسلامي ولا لأي تيار سياسي آخر فأنا محلل سياسي، قضيتي هي الديمقراطية وثورة يناير كانت فرصة لبناء ديمقراطية حقيقية في مصر ودمج أحزاب كانت خارج الشرعية، في العمل السياسي المعلن لتكون في إطار شرعي وكنت أرجو أن يعطى التيار الإسلامي الفرصة، بعد أن ظل مهمشا لسنوات طويلة وقلت طالما أنه جاء بالصندوق فلا بد أن نحترم إرادة الشعب، خاصة أن هناك تجارب شبيهة ناجحة في الخارج مثل التجربة التركية، وكان لدي أمل أن يستفيد الإخوان المسلمون منها في مصر لأنهم فصيل وطني، شارك في الثورة بصرف النظر إن كان شارك في بدايتها أم بعد فترة منها المهم أنه فصيل، شارك ولا يمكن إقصاؤه، ومن ثم راهنت على إعطائهم الفرصة واحترام الصندوق لكن خلال هذا العام صدمت بأدائهم السياسي، وبأنهم ليس لديهم نخبة سياسية متميزة ولا برنامج حقيقي في التطبيق كما صدمت في رغبتهم في الهيمنة، وإقصاء الآخرين وعدم الأخذ بالنصيحة وبتعاملهم مع الدولة بمنطق الجماعة. وما حدث هو ثورة تصحيح وكنت أتمنى لو خرج الإسلاميون بالصناديق كما جاءوا ولكنها إرادة شعب وأنا مع الإرادة الشعبية ورغم ذلك فأنا ضد إقصاء التيار الإسلامي أو الإخوان المسلمين من المشهد السياسي تماما ولكن لا بد من إتاحة الفرصة لهم واحتوائهم لأنه لا يمكن القضاء عليهم نهائيا.

الكاتب الصحفي والإعلامي محمد الشافعي أيضا من بين الإعلاميين الذين كانوا يطالبون بمنح الإخوان المسلمين الفرصة للعمل السياسي لكنه عاد ليوجه لهم اللوم والانتقاد الشديد على أدائهم وسلوكياتهم خاصة بعد أحداث 30 يونيو، وقال لـ«الشرق الأوسط» إذا كان الإخوان المسلمون يرفعون لواء الدين فعليهم أن يسلكوا نهج الإمام الحسن عندما آثر أن يخلع هو البيعة الشرعية، حقنا للدماء وأما إذا كانوا يحملون لواء السياسة فعليهم أن يسلكوا مسلك الزعيم التركي الإخواني أيضا نجم الدين أربكان عندما تدخل الجيش ليسقط حكومته فلم يعترض أو يعتصم أو يغضب وإنما آثر أن يختفي من المشهد السياسي في تركيا تماما وترك للجيل الثاني الفرصة ليعمل بآليات أكثر تطورا وهو جيل عبد الله غل وأردوغان الذي وصل بالفعل للسلطة واستطاع أن يحقق إنجازات كبيرة رغم بعض سحب الغبار من جراء أحداث ميدان تقسيم. لكن يبدو أن الإخوان لا يلعبون سياسة ويرفعون لواء الدين بل يلعبون على طريقة الهواة الذين يحبذون العنف والنظرة المحدودة من ثقب ضيق. ويجب أن يعرفوا أنهم عزلوا لأنهم فشلوا وليس لأنهم يرفعون لواء الدين.

واستطرد الشافعي قائلا إنني كنت أدافع عن حق الإخوان في الحكم وخوض التجربة بأنفسهم حتى لا يستمرون في العيش على دور الشهيد الذي عانى على مدار سنوات ومع ذلك جربوا وفشلوا ومن ثم لا يحق لهم الاستمرار كما أن الإخوان على مدار عصور مصر السابقة، اصطدموا بكل الأنظمة من حقبة عبد الناصر وصولا لمبارك إذن فالمشكلة عندهم وليست مع النظام فهم يقزمون فكرة الوطن لصالح الخلافة، وهي وهم كبير وأطالبهم بالانسحاب من المشهد وأن تتوقف كل القيادات العجوز من أنصار التيار القطبي لأن مصر لا تحتمل التشدد وتقوم على التنوع والاعتدال ولذلك مصر الآن تلفظهم وهو ما يذكرني بقول للأديب نجيب محفوظ حينما قال «إننا لن نتخلص من الإخوان إلا إذا جربناهم وهو ما حدث بالفعل».

هذا ويتعرض بعض الإعلاميين المحسوبين على التيار الإسلامي لضغوط كبيرة بسبب إصرارهم وتمسكهم بمواقفهم التأييدية للدكتور مرسي بشكل قد يراه البعض تصفية حسابات من قبل أنصار النظام الجديد حيث رفعت دعاوى قضائية ضد بعضهم، وتم تحريض الناس على التقدم ببلاغات ضد البعض الآخر حتى يمكنهم ممارسة الإجراءات القانونية في مواجهتهم بموجب تلك البلاغات.

فالكاتب الصحافي والإعلامي وائل قنديل أحد الذين رفعت ضدهم دعوى قضائية حيث تقدم ضده الدكتور سمير صبري المحامي بالنقض والدستورية العليا، ببلاغ إلى نيابة أمن الدولة العليا، يتهمه فيه بنشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام في مقال نشره بجريدة «الشروق» بتاريخ 9 يوليو (تموز) 2013، تحت عنوان «مرور الكرام.. ثوار كاذبون.. وعسكر» والإعلامي وائل قنديل من أشهر الأقلام المعروفة بالميل للتيار الإسلامي وهو نهج عرف به في مقالاته وأحاديثه الفضائية، ولا زال ينتقد ما سماه الانقلاب على الرئيس مرسي وقد كتب مؤخرا يتساءل عمن يدفع فاتورة سياحة تسويق الانقلاب وقال إن ثورة 25 يناير كانت كرامة، وإبداعا حضاريا وثقافيا مبهرا، فاخترقت الوعي العالمي وتغلغلت داخل الوجدان الإنساني دون افتعال أو استدرار للعطف، وسعى العالم المتحضر لكي يلتقط لنفسه صورة معها، ولم تقف هي على الأبواب تتسول العطف والإحسان. كما لم يتوقف عن الهجوم الشديد على العسكريين بعد مجزرة الحرس الجمهوري متهما من سماهم أصحاب الضمائر المعطوبة من العاملين في مجال الإعلام لسكوتهم على ما يحدث والتعتيم عليه. ورغم تلك المضايقات القانونية فإنه لا يكف عن إعلان دعمه لمعتصمي رابعة العدوية من مؤيدي الرئيس مرسي والشد من أزرهم.

الدكتور علاء صادق الإعلامي الرياضي الشهير الذي تحول إلى كاتب سياسي مؤيد للرئيس مرسي ومهاجم بشراسة لكل خصومه السياسيين لا زال يواصل هجومه اللاذع ضد أنصار الانقلاب على الشرعية على حد وصفه بل ولم تنج القيادات الكبرى في الحكومة والشرطة والجيش المصري من انتقاداته العنيفة وكان آخرها ما كتبه على صفحته على «فيس بوك» ساخرا من حديث الفريق السيسي للجنود وكان أول من لمح إلى أن الفيديو ممنتج ، ووصف القائم على المونتاج بأنه لا يعادل شخصا حاصلا على الإعدادية وهو ما تبعه اعتراف من القوات المسلحة بأن الفيديو لم يكن مباشرا وكان مجمعا.

المفكر السياسي الدكتور محمد الجوادي له رؤية خاصة لما يدور على الساحة تنطوي على تأييده أيضا لحق التيار الإسلامي في الاستمرار بالمشهد. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن ما حدث هو انقلاب عسكري ولا زلت رافضا له وأنا أتوقع رجوع الرئيس مرسي بنسبة 100 في المائة لأن ما لا يستطيع أن يفهمه الناس والإعلام أنه إذا نجح أحد في السرقة فإنه لا يستطيع الاحتفاظ بالمسروق طويلا. ورغم أن موقفنا لم يتغير من الانقلاب إلا أنني أحاول تناول الأمور في حدود معطيات الوضع القائم بمعنى أنه بالنظر لما يدور حاليا على الساحة السياسية المصرية فإنه لا يصح القبض على الناس وهم يتحدثون عن مصالحة وطنية. كما لا يصح تناول ملفات ذات صفة دائمة في ظل حكم رئيس مؤقت، وذلك بصرف النظر عن كون ما حدث انقلابا أم ثورة والأهم من ذلك أنه إذا لم يكن انقلابا إذن كان لا بد ألا يستخدم العسكر في تأمين عمليات القبض على الناس وفي تقييد الحريات. وأرى أنه كان لا بد من اتخاذ معيار المحاصصة وليس الكفاءة في اختيار أعضاء الحكومة الجديدة وهو ما يعني أنه كان من المفروض أن يختار رئيس الوزراء وأغلب الوزراء من حزب النور صاحب النسبة التمثيلية الأكبر وليس الاقتصار على الاختيار من كتلة أحزاب ليبرالية لا يتجاوز تمثيلها في السوق 7 في المائة في الوقت الذي يبلغ تمثيل حزب النور 24 في المائة».

رغم تصنيف البعض له بأنه كاتب إسلامي خاصة أنه ظل يكتب عشر سنوات في جريدة «المسلمون» الدولية فإن الكاتب الصحافي شريف قنديل مدير التحرير التنفيذي لجريدة «المدينة» قال لـ«الشرق الأوسط»: «لست إخوانيا كما يعتقد البعض وكتاباتي نابعة من حرصي على الوطن وأنا عن نفسي لم أؤيد دخول الإخوان في دائرة الحكم والسياسة أو على الأقل كنت أفضل أن يبتعدوا عن رئاسة الجمهورية. وما حدث في 30 يونيو حذرت منه كثيرا مع ملاحظة أن هذه الهوجة بدأت مبكرا جدا مثلما توقعت وعلى كل حال وقعت الواقعة وخرج الشعب بفعل فاعل وأفاعيل من الطرفين.. الطرف الحاكم والطرف المترصد! واعتبارا من 25 يونيو أعلنت موقفي ونويت صلاة الثائرين من جديد، وقلت في مقال شهير: الثورة جامعة المعارضة جامعة وعدنا لما كنا عليه قبل 25 يناير وبعدها وقبل 30 يونيو وبعدها. وعلى الرغم من ذلك فإنني لا أوافق على الإطلاق على إسقاط الإخوان بهذه الطريقة الفجة الصلبة العسكرية الإسمنتية مهما تم خلطها بجير السياسة. ولقد قلت مبكرا إن الركيزة الأساسية في إسقاط ثورة يناير ليست الأمن ولا الاقتصاد وإنما الإعلام.. وبمعنى أوضح تزييف وجه الأيام وتغييب وعي الشعب وقد كان وما يزال والمؤسف هنا أن المنفذين لا ينفذون دفاعا عن مصلحة أو مصالح عامة ولا عن مبدأ ولا عن فكر ولا عن عقيدة». وعن رؤيته لكيفية الخروج الآمن من هذا الوضع قال: «هذا السؤال ينبغي أن يوجه لمن أخطأوا في حساباتهم وتقديراتهم.. ليس من العسكريين وإنما من الساسة أو السادة المحترمين الذين تمحكوا في الجيش وطالبوا بنزوله لصالح جزء كبير من الشعب ضد جزء كبير أيضا أو حتى أصغر. وكان من الممكن أن نبدأ في الحل وأن تكون هناك مصالحة بشكل أو بآخر تحفظ ماء وجه السلطة والجيش معا.. لكن كيف يتأتى ذلك ونحن نسمع ونشاهد سريان روح التشفي والانتقام بشكل لم يحدث مع نظام مبارك، يعني بملاحظة صيغة البيانات الصادرة عن الإرهاب والمشاغبين وتعطيل الحياة السلمية نجدها نفس المصطلحات الجاهزة، لكننا هنا نتحدث عن شعب أو لنقل نصف شعب أو ثلث شعب.. فهل يليق وصفهم بالإرهابيين والهمج الذين لا يعرفون النظافة ونحو ذلك؟ ومن حق الرئيس مرسي أن يعود ولكن يبقى السؤال الصعب هو كيف يعود؟ لن أقول إن على من أحضر العفريت أن يصرفه لأن الديمقراطية لا تلد عفاريت لكنها تلد مؤسسات شرعية حتى وإن كانت غير كاملة النمو».

وعن وجود أطراف خارجية تآمرت على الإخوان قال لـ«الشرق الأوسط»: «لنتفق أولا هل كان هناك طرف دولي ثالث وراء ما حدث؟ والإجابة عن السؤال الأول تقودنا للإجابة عن السؤال الثاني فإن كان هناك طرف ثالث في المكيدة فلنتصارح عنه وإن لم يكن فليكن الشعار بالفعل هو المصارحة قبل المصالحة ومن مقتضيات المصارحة الاعتراف بالخطأ الفادح في تهييج الشعب وفي عدم الاهتمام بتوابع الزلزال. لقد صوروا مشاهد 30 يونيو بالطائرة فمن الذي كان مستهدفا بالمشاهد؟ وبعبارة أخرى كانوا يريدون إقناع من؟ سؤال مهم! إن أحدا لا يشكك أن الشعب خرج بالملايين ضد حكم محمد مرسي لكن هناك ملايين أخرى خرجت لتأييد محمد مرسي.. وإذا نجح منظمو 30 يونيو في حجب المشاهد الحالية فإنهم لن يتمكنوا من حجب غضبة الشعب الباقي وأعتقد أن فئات عديدة من الشعب الفرحان بـ30 يونيو ستبدأ في التعاطف مع الشعب الغضبان. ولا يجب أن ننسى في كل الأوقات أن الفرحين والغاضبين يمكن أن يكونوا في بيت واحد إذن من المسؤول عن تفتيت نسيج الشعب بهذه القسوة؟!».

وعن توقعاته للمستقبل يقول شريف قنديل: «لست متفائلا بعد أن غاب عقل مصر الجمعي وبعد أن نزل الكبار إلى مستوى الصغار وبعد أن فقد الناس الثقة في شيوخهم ومفكريهم ولهم عذرهم فهل كان يتصور أحد أن دولة تضم طارق البشري وهيكل وغنيم والعوا وعبد الغفار شكر ويحيي الجمل ومحمد عمارة وحسن الشافعي تتوه إلى هذا الحد؟ والإجابة نعم للأسف!! لقد بات لدى مصر منظرون ومفكرون جدد وعلماء جدد فرضوا أنفسهم على الساحة فغاب عقل مصر وتلك هي الكارثة!».

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط