عبدالله الشويخ
عبدالله الشويخ
كاتب إماراتي

إنهم يقصون عليكم!

آراء

تقول القصة العباسية الشهيرة إن أميراً ما للمؤمنين خرج في صيد، وأضاع حرسه، وبلغ منه العطش مبلغه، فدخل بيتاً من بيوت المؤمنين، الذين هو أميرهم بالطبع، وطلب ماء، فلما شرب الأولى قال لصاحب الدار: أتعلم من أنا؟ فأجاب الرجل بالنفي، فقال له الأمير ممازحاً: أنا أحد قواد جيوش أمير المؤمنين، ثم شرب الثانية وقال: أتعلم من أنا، فأجاب الرجل نافياً ثانية، فقال له: بل أنا وزير من وزراء أمير المؤمنين، فلما شرب الثالثة قال الحقيقة للرجل: أنا أمير المؤمنين، فما كان من الرجل إلا أن أسقط الكأس من يدي الأمير وقال له: إليك عني يا عدو الله، لو شربت الرابعة لقلت إنك رسول الله، يقال إن الدولة العباسية انتهت والوزراء يحاولون إقناع الأمير بالتوقف عن الضحك، على أنك تعرف بالطبع أن أخبار الرجل قد انقطعت تماماً واختفى! لا تنس أن عاصمة العباسيين كانت بغداد!

أتذكر هذه القصة اللطيفة وأنا أتساءل كيف يمكن للمسؤولين أن يعرفوا آراء الناس الحقيقية في القرارات والمبادرات والاقتراحات، والناس لا تعبر عن آرائها إلا طبقاً لمن صدرت عنه، فحين يخرج مدير دائرة أو أي مسؤول أعلى أو أصغر في اجتماع رسمي ليطرح أفكاره.. استراتيجيته.. رؤاه، فهو يطرحها بشكل رسمي، ومن الطبيعي أن تصبح المجاملات هي سيدة الموقف، تبدأ السكرتيرة بكلمة: واو.. شو هيدا! ويتبعها الجمع: خطير.. مستحيل.. انته ملكش حل! ومن هنا وهنا يصبح على المشروع شبه إجماع لأن الجميع موافق، وتبدأ الانتقادات بعد وضعه على الأرض من شريحة الجمهور التي تستخدم ما تم الاتفاق عليه سلفاً!

إذا أراد كل مسؤول معرفة آراء الناس الحقيقية فليس له سوى الاستفادة من التقنية التي أمدتنا بإمكانية خلق شخصيات وهمية في الفضاء السايبري، كل ما عليك فعله عزيزي المسؤول هو إنشاء شخصية في أي موقع تواصل اجتماعي وبأي اسم تراه يناسبك، طناف.. جابر عثرات الكرام.. رجلٌ هبْ ريح.. واطرح أفكارك كما تريد طرحها، وانظر إلى ما يقوله الناس، هناك فقط ستعرف القيمة الحقيقية لأفكارك وتصوراتك، بالطبع ستعاني من أعراض جانبية من قلة أدب البعض في التعبير عن آرائهم، لكنك ستتجاوزها بسهولة، صدقني! اسأل مجرب.

اعتدت أثناء قراءة الكثير من ردود القراء في المواقع الرسمية على العبارات التي ترفع معنوياتي، وأشعر معها بأنني قريباً سأحصل على جائزة «العمود الذهبي» بلا معنى.. رائع.. انته خطير.. سلم يراعك. لذا فقد قمت بمحاولات لمعرفة الحقيقة في كتابة أعمدة أعتقد صادقاً أنها جيدة، ونشرها بأسماء على غرار المذكور أعلاه.. كانت التعليقات في اتجاه آخر تماماً.. أخوي أنا أشوف إنك تتعلم الطبخ وتخزي الشيطان، الكاتب العزيز حين تفرق بين الـ(ض) والـ(ظ) فكر بالكتابة، تعليق آخر يقول: الحمد لله أنك لا تكتب بالجرائد وإلا لحزنت على مستقبل الأشجار والبيئة.. هذه كانت قاسية!

لقد تم تحطيمي تماماً لولا تعليق أخير يقول: أنصحك بقراءة أعمدة كثيرة لكي يتحسن أسلوبك.. وأنتم تعرفون الأسماء التي اقترحها علي!

المصدر: الإمارات اليوم