“الترامادول” في المدارس . . دمار للطالب وللعلم

منوعات

تحقيق: جيهان شعيب

بعض القضايا لا يمكن الاكتفاء بالحديث عنها مرة واحدة أو مرتين أو حتى ثلاثاً، إذ أن الخطورة التي تنطوي عليها تستوجب طرق أبواب بحثها حيناً من بعد حين، حيث في إعادة تقليب أوراقها، ما قد يأتي بجديد من الرؤى التي يمكن الاستناد إليها في طرح حلول بديلة لسد ثغراتها، ووسائل ناجعة لوأد خطرها، لذا فقد يكون من الضرورة بمكان، توالي طرحها، ومعاودة الحديث عنها مرة ومرات .
ومن هذه القضايا شبه الكارثية التي تكاد أن تفرض علينا فتح سجلات مناقشتها مجدداً، ظاهرة تعاطي عدد غير قليل من الشباب من طلبة المدارس والجامعات المؤثرات العقلية، وتحديداً أقراص الترامادول، ونحن هنا لا نلقي اتهامات جزافية، أو غير ذات سند، ولا ندعي ما يخالف الواقع، وإنما فيما سيأتي من أحاديث على ألسنة أصحابها ما سيدعم طرحنا – حيث من الطلبة من يتعاطاها داخل أسوار مدارسهم، وفي غفلة من أعين القائمين عليها، وفي المقابل قد يأتي ذلك الفعل على مرأى من بعض المشرفين الذين منهم من يغض الطرف، خشية اتهام المدرسة بالتسيب، والانفلات، والتراخي في متابعة ومراقبة الطلاب .
وإذا أتينا لكلمة الإحصاء الفاصلة، عن حجم متعاطي هذا السم المسمى الترامادول، أو الزانكس، أواللاركا، وروش، وسبايسي، سنقف على ما كشف عنه مدير إحدى دور رعاية الجانحين في الدولة، من أن نسبة لا تقل عن 40% ممن تستقبلهم الدار من الأحداث الجانحين، متورطون في قضايا تعاطي مؤثرات عقلية، وتحديداً أقراص الترامادول، وأن معظمهم كانوا يتعاطونها داخل أسوار مدارسهم، في دورات المياه الخاصة بها أثناء سير اليوم الدراسي، ومنهم كذلك من تكرر توقيفه قبلاً على ذمة قضايا تعاطي هذه السموم، وأن أعمار معظمهم لا تتجاوز 17 عاماً، في حين أن منهم من بدأ التعاطي في سن 13 عاماً .
واقع صادم من جميع النواحي، لا يمكن السكوت عليه، لاسيما وأن من الطلبة متعاطي هذه المخدرات الكيمائية المركبة، من تعلمها من أشقائهم الأكبر سناً، أو من أحد أفراد عائلاتهم، أما الأكثر فزعاً أن منهم من تعرف إليها، وتعاطاها تقليداً للأب المتعاطي أو لمجاراته، نعم رب الأسرة الذي لم يكن قدوة بأية حال، أو موجهاً، أو متابعاً، أو مرشداً، وإنما قاد مركبته الأسرية بسفه، وأسقط أفرادها في فخ الضياع، ودمر مستقبلهم بالكامل .
ماذا يمكن أن نقول ونحن نعيد فتح هذا الملف الدامي في مأساويته، وبشاعة تفاصيله، وسوداوية أبعاده، ربما لن يتفوق قولنا بأية حال على روايات من سقطوا في هذه الكارثة، أو أسقطوا أنفسهم عمداً، بحثاً عن تجربة زائفة، أو فضول أعمى، أو لقلة وعي متضافر مع صغر السن، في ضوء انعدام التوجيه والمتابعة الأسرية .
في التحقيق الآتي سنبحث ظاهرة تعاطي عدد من الطلبة لأقراص الترامادول المدمرة – مجازاً أقرب للحقيقة – بصراحة ووضوح، دونما مواربة، أو دفن الرؤوس في الرمال، فعلنا ننتهي إلى نتائج، تفيد الجهات المعنية في التصدي لهذه الآفة الخبيثة، تجنباً لما ينجم عنها من انعكاسات شديدة السلبية .
في إحدى دور الرعاية الاجتماعية للأحداث الجانحين، التقينا عدداً من المودعين فيها على ذمة قضايا تعاطي أقراص الترامادول المخدرة، والحقيقة جميعهم من طلبة المدارس، وأعمارهم تتراوح ما بين 15-17 عاماً، والمشكلة الأكبر – كما ذكرنا قبلاً – أنهم مارسوا التعاطي في مدارسهم، فضلاً عن بيوتهم، وعلى مرأى من بعض مشرفيهم، وأفراد أسرهم، في حين تتمثل المصيبة، أن منهم طالباً في المرحلة الابتدائية لتكرار رسوبه، قال إنه كان يحوز 5 آلاف قرص ترامادول للتعاطي والاتجار، اشتراها من أحد التجار الآسيويين، بمبلغ 2500 درهم، سرقها من إحدى السيارات!
ومنهم كذلك طالب في السابعة عشر من العمر – وقف عند مرحلة الصف الخامس الابتدائي – لم يكتف بتعاطي الأقراص المخدرة – التي تعلمها من شقيقه الأوسط المسجون حالياً ولمدة 5 سنوات على ذمة قضية حيازة وتعاطي، خلاف شقيقه الأكبر المسجون أيضاً ولمدة 25 عاماً على ذمة قضية اتجار وتعاط، وإنما أيضاً ارتمى في أحضان الخمر، ولم يتوقف عنها خلال شهر رمضان الماضي، بعدما لم يجد مكاناً يحتسيها فيه، ليعود مرة أخرى إلى الأقراص وبشراهة، في حين أن الفاجعة تتمثل في أن خاله، و2 من أبناء خالته توفوا جراء تعاطي جرعات زائدة من المخدرات، علاوة على تعاطي 3 من أبناء عمته للأقراص المخدرة أيضاً .
ملاحظة أخرى مؤسفة رصدناها، وهي أن الصغار – إن كانت قد بقيت لهم من علامات الطفولة البريئة شيئاً – شوهوا أذرعهم، وأجسادهم، بخدوش متعددة، استخدموا فيها أمواس الحلاقة، والدبابيس، فتحولت إلى جروح بارزة ومنفرة حين النظر إليها، فضلاً عن تدوينهم كلمات وحروف كذلك، يعتقد من يراها أنها أوشام وضعوها من قبل متخصصين في هذا الأمر، في حين أنهم حفروها على أجسادهم بأنفسهم، وحين سؤالهم عن السبب في تشويه أجسادهم بهذه الصورة، قال بعضهم إنهم فعلوا ذلك للضغط على أسرهم لإعطائهم بعض الدراهم لشراء الأقراص، فيما قال البعض الآخر إنهم كانوا حين تعاطيهم للأقراص، يشعرون بالشجاعة، والقوة، والرغبة في إظهار الرجولة للفتيات اللاتي تربطهن بهم علاقات عاطفية، حيث نحتوا أحرفاً من أسمائهن على أذرعهم أيضاً، في حين أكدوا أنهم وحين التعاطي يفقدون الإحساس بالألم والخوف، ولا يهتمون بما سيصيبهم من ضرر، أو بما سيتعرضون له من مشكلات!
ومعهم كان الآتي:
أصدقاء الظلام

في البداية قال الحدث ع . خ 17 عاماً، تكرر رسوبه مراراً، مما لم يتح له فرصة بلوغ المرحلة الثانوية، وبالتالي لم يفارق مقعد الصف الخامس ابتدائي: عرفت أقراص الترامادول في المدرسة، حيث كان 4 من أصدقائي في الصف يتعاطونها، ولم أكن على علم بما يمكن أن تشعرني به، إلا أنني في يوم ما أصبت بصداع عنيف، وخرجت من البيت متوجهاً إلى محل بجوار منزلنا لشراء بنادول، فقابلني صديق لي في الحي، وعرض عليّ قرص ترامادول، وأخبرني أنه أفضل من البنادول في تخفيف ألم الصداع، ولم أكذب خبراً، إذ ابتلعت القرص على الفور، وبعدها شعرت بدوخة، وعقب مرور ساعتين لم يخفف ألم الصداع، فأعطاني صديقي قرصاً ثانياً، وأكد لي أن الصداع سينتهي عقبه تماماً، وفور ابتلاعي له، فقدت الوعي تماماً بمن حولي، ولا بأحاديثهم، رغم أنه لم يغمَ عليّ .
وعلى الفور هرب صديقي وتركني جالساً على الأرض أمام المحل الذي كنت ذاهباً إليه لشراء البنادول، وبالصدفة رآني شقيقي الذي كان ماراً من المكان، فحملني إلى المنزل، وفي اليوم التالي وعقب استعادتي وعيي، هاتفت صديقي طالباً منه قرص ترامادول رغم عدم شعوري بشيء محدد حين التعاطي في اليوم السابق، ورغم أيضاً فقدي الوعي، ولم يتأخر في إعطائي 3 أقراص جديدة، وبدأت تدريجيا، أشعر- توهماً- أنها (الأقراص ) تخرجني من حالة الملل الذي أشعر به أثناء الحصص الدراسية، وأيضاً تذهب عني الخوف من الرسوب، لذلك فقد استمررت في تعاطي هذه الأقراص المدمرة لمدة 6 أشهر، لا سيما في الصف الدراسي دونما انتباه من المعلمين لما أبلعه كل حين منها، حيث كنت أحمل يومياً في حقيبتي المدرسية، خلاف أصدقائي، ما لا يقل عن 3 أقراص، لأتعاطاها في المدرسة .
هذه الأقراص كان أصدقاء صفي الدراسي يحصلون عليها من الصيدليات بوصفات طبية لا أعلم كيف يحصلون عليها، وكان شريط الترامادول الذي يشترونه بخمسين درهماً من الصيدلية، ويحوي 10 أقراص، يبيعونه بمئة درهم، وبالنسبة لي فقد كان صديقي يعطيني قرصين مجاناً، و3 أقراص بثلاثين أو خمسين درهماً، وكنت أحصل على الأموال من أسرتي بحجج مختلفة، أما بالنسبة للمعلمين فقد حدث أن شك عدد منهم في بعض المتعاطين منا، وأخبروا المدير عنا، فما كان منه إلا أن سألنا عما إذا كنا نتعاطى أم لا؟، وبالطبع كنا ننفي، وينتهي الأمر!
حينما كنت أتعاطى لم أكن أشعر بنفسي، ولا بما أفعله، أو أقوله، فقط كنت أصاب بدوخة، واليوم وأنا موقوف على ذمة قضية مهينة مثل تلك، أشعر بندم شديد، خاصة لما سببته لأسرتي من ألم وفضيحة، ولما جلبته على نفسي من ضياع لمستقبلي، عدا أن نحو نصف أصدقائي الذين كانوا يتعاطون معي، يقبعون في السجن حالياً، لذا فقد قررت ألا أعاود التعاطي مرة أخرى على الإطلاق عقب خروجي من الدار، حيث سأسعى لاستكمال الدراسة، والالتحاق بالسلك العسكري لأحقق أمنية أمي بأن تراني في هذا العمل المشرف، وسأبتعد تماماً عن أصدقاء السوء أو الظلام، فهم السبب الأساسي فيما أوصلت نفسي إليه، إضافة إلى أسلوب شرح الدروس الممل والمتبع من معظم المعلمين، والذي يصيبنا بالضجرالشديد أثناء الحصة الدراسية، ويسحبنا إلى الهروب من الوقت المخصص لها إما في الأحاديث الجانبية، أو المشاغبة، أو الغياب في عالم من الخيالات الذي تنسجه لنا الأقراص المخدرة التي نبتلعها خلالها!

الوصفة الطبية

أما س . س 17 عاماً، طالب في أحد المعاهد في الدولة، مودع في الدار التي قابلناه فيها، لفترة مفتوحة، والده متقاعد، ولديه 9 أشقاء وشقيقات، قال: حينما كنت في الرابعة عشر من العمر، تعرضت لحادث مروري، أصبت على إثره بضربة في الرأس، كان من تداعياتها الشعور بالدوخة، والفقدان الجزئي للذاكرة، فعولجت بأقراص من العيادة النفسية، وكنت أرى زملائي في المعهد يتعاطون أقراص الترامادول بسهولة دونما رقيب أو رادع، إلى أن افتتحوا مكتب شرطة في المعهد، فتم القبض على كثير منهم، ومع ذلك فلم أهتم، وقررت تجربة الأقراص، حيث أخذت من أحد أصدقائي قرصين لتجربتهما، والشعور بالحالة المزاجية التي تترتب على ذلك، خاصة وأن زملائي المتعاطين كانوا يتحدثون بإعجاب شديد عن أثر الأقراص في متعاطيها، وبالفعل فقد استمررت ولمدة عام كامل في تعاطي هذه السموم، التي كنت اشتريها بالمكافأة التي أحصل عليها من المعهد .
وفي يوم ما انكشف أمري لأسرتي، من خلال شريط ترامادول كنت أحتفظ به، فنصحني شقيقي بالابتعاد عنها، فأذعنت له، وتوقفت فترة عن الترامادول، لأعود لتعاطي الدواء المسكن الذي كان يتم علاجي به بعد الحادث، فيما كنت أكثر من عدد الأقراص التي ابتلعها منه، إلى أن تم القبض علي حينما سقطت يوماً فاقداً الوعي في الشارع، إثر جرعة زائدة منه، وتم تحويلي إلى الدار، عقب قضائي بضعة أيام في السجن، إلا أنني وفي جميع مرات التحقيق المطول الذي أجرته معي الجهات الأمنية، لم أعترف على زملائي، لأنني لست بخائن لعهدي معهم، حيث طالما جمعتنا جلسات تعاطٍ، ولا يمكن أن أنسى أو أتناسى ما كان بيننا خلالها من أحاديث، وضحكات، مهما كانت النتيجة التي وصلنا إليها!
وأعود لأؤكد أن معرفتي بالأقراص المخدرة جاءت بدءاً من العلاج الذي كنتأاتعاطاه في المستشفى، والذي كان بمثابة مخدرات، اعتدتها، وأصبحت مدخلي لاحقاً للترامادول، واللاركا، والروش، حيث كنت أعد وجبة مختلطة من جميع هذه الأقراص المخدرة، لأعمل (مزاجاً) و(رأساً عالياً)، ولقد كنت أحرص على التواجد في البيت حين التعاطي، حتى لا أفقد الوعي خارجاً، عدا مرات قليلة، في حين كنت أكذب على طبيبي المعالج في المستشفى وأخبره أن عدد أقراص (الروش) التي يصفها لي غير كافية في تهدئة آلام الرأس التي تنتابني، فكان يضاعفها لي، وبالتالي كنت أتعاطى بكثرة، وبشكل عشوائي، حيث كان زملائي في المعهد يخبئون الأقراص في جيوب سرية في الحقائب المدرسية، أو في مقاعد الحافلة الخاصة بالمعهد، وفي أحيان أخرى كنا نشتريها من عدد من المستخدمين العاملين في المعهد، خلاف ذلك وبصدق فأنا أخشى عقب خروجي من الدار أن أعود للدراسة في المعهد، لأن الأقراص منتشرة فيه، وقد أضعف أمامها إذا رأيتها وأعود للتعاطي!

شقيقي السبب

وهذا حدث آخر، اسمه م . ن، 17 عاماً، في الصف الخامس الابتدائي، لديه 9 اشقاء وشقيقات، منهم شقيقان مسجونان أحدهما لمدة 25 عاماً، والآخر لمدة 5 أعوام، بتهم تعاطي الأقراص والهيروين، والحيازة والاتجار، موقوف في الدار على ذمة 3 قضايا تعاطي أقراص ترامادول، وسرقة أموال من سيارة لشراء الأقراص، وحيازة طلقة نارية .
دائم السخرية، ولا يبالي بشيء، ويحمل قدراً كبيراً من الاستهتار، وربما اليأس الممزوج بفقدان الأمان، وضياع الهدف، قال: عرفت الترامادول من شقيقي الأكبر، الذي كان يخبئ كمية كبيرة من الأقراص في البيت، كنت أراه يأخذ منها سراً يومياً، فغافلته وسرقت بعضاً منها لأجربها، حيث كنت أذهب إلى بيت جدتي لأتناولها هناك، ولقد أعجبتني، حيث شعرت بحالة من الفرح الوهمي، ونسيان الهموم، وكنت حينذاك في الرابعة عشر من العمر!
وعقب 6 أشهر، وأثناء الاحتفال بعرس شقيقتي، ابتلعت 10 أقراص من الترامادول، فسقطت أرضاً مصاباً بحالة تشنج أمام حضور العرس، واعترتني حالة من تصلب الأعضاء، وجحظت عيناي، وعقب 10 دقائق أفقت غير مدركاً لما حدث لي، لأعود ثانية إلى التشنج، وهنا أدرك شقيقي حقيقة حالتي، فسألني عن مصدر الأقراص التي أتعاطاها، وانهال علي بالضرب، فقررت التوقف عن سرقتها منه، حتى لا يكتشف وأتعرض للضرب ثانية على يده، ولجأت للحصول عليها من زملائي في المدرسة، الذين كانوا يتداولونها بسهولة تامة فيما بينهم، ويتعاطونها في دورات المياه أثناء الفسحة، ولأنني لا امتلك المال فلقد قررت سرقة إحدى السيارات، لأشتري الأقراص بما سأحصل عليه منها، وقد كان .
وبالفعل سرقت 2500 درهم، واشتريت 5 آلاف قرص ترامادول، من أحد التجار الإيرانيين الذي كان شقيقي يتعامل معه، وقررت أن أبيع نصف كمية الأقراص، واتعاطى النصف الآخر، حيث كنت أبيع الشريط الذي يحوي 10 أقراص، بمئة وخمسين درهماً، وأعجبتني فكرة الاتجار، واستطعت أن أجمع مبلغ 13 ألف درهم، فاشتريت دراجة، وهاتفاً متحركاً، وكمية إضافية من الأقراص، التي كنت أخزنها، ومن ثم أعود لبيعها في وقت لاحق بسعر مرتفع (كل ذلك وعمره لم يتجاوز 15 عاماً)!
نعم كنت أكذب على أسرتي حين سؤالي عن مصدر المال الذي أحمله، أو الأغراض التي اقتنيها، فالدراجة أخبرتهم أنها خاصة بصديقي، والموبايل أهدتني إياه صديقتي، وهكذا، إلى أن قررت التوقف عن تعاطي الأقراص عندما سقطت بكامل جسدي، على والدي يوماً وأنا في حالة من عدم التوازن، إثر تناولي عدداً كبيراً من الأقراص، واستعضت عنها باحتساء الخمور، حتى لا أفقد الشعور باعتدال المزاج الذي يعتريني مع الترامادول، خاصة وأن احتساء الخمور لا يؤدي بالفرد سوى إلى أنه (يشرب، يسكر، يرقد)، أما الأقراص – ورغم بعض السعادة التي يشعر بها متعاطوها- إلا إنها تؤدي به إلى التورط في مشكلات، فضلاً عن فقدان الشهية، والعصبية، وإيقاظ الذاكرة على أحداث محزنة حدثت في الماضي، بما يسبب له حالة من الضيق .
ولأكثر من 6 أشهر داومت على الخمور، إلا أنه ومع قدوم شهر رمضان الماضي، لم أجد مكاناً اشتريها منه، لإغلاق أصحاب المحال التي تبيعها أبواب محالهم خلال هذا الشهر، ولم أجد مفراً من العودة إلى تعاطي الأقراص المخدرة، والحقيقة فلم تكشف أسرتي سري مرة أخرى، حيث كنت أنام في غرفة خارج البيت، وفي الساحة الخلفية له، بعيداً عن الأعين كافة، وقد تعللت بأنني أريد الانفراد بنفسي في هذه الغرفة لاستقبالي أصدقائي فيها، ولم يهتم من حولي بأمري، ويوماً وخلال توجهي مع صديق لي إلى بيت جدتي في الفجيرة، وحينما وصلنا الذيد، قبضت علينا الشرطة، لأن صديقي كان يقود السيارة بطريقة غير طبيعية أو عادية، لتعاطيه الأقراص التي جعلته في حالة من الترنح وعدم التوازن، وكذا أنا كنت قد ابتلعت عدداً كبيراً من الأقراص، إضافة إلى احتفاظي بنحو 20 قرصاً في جيبي، فضلاً عن عدد من زجاجات الخمر التي كنا نضعها في السيارة .
والحقيقة فتعاطي الأقراص خاصة (روش) يقضي على شعوري بالحياء، ويمنحني قوة جسدية، وجرأة، وشعوراً بالسعادة وإن كانت زائفة، خاصة وانني طالما كنت ومازلت أشعر بالضيق من كل شيء، وليس لدي هدف محدد لتركي الدراسة منذ فترة طويلة رغم أنني كنت متفوقاً، إلا إنني لن أعاود التعاطي عند خروجي من الدار، حيث قررت أن اشترك في النادي لأمارس هوايتي في كرة القدم، لأصبح لاعباً مشهوراً، فيما ألقي باللوم كله في انغماسي وتورطي في تعاطي الأقراص المخدرة، على شقيقي الذي تعلمت منه هذا الانحراف، فيما كان قد تعلمه قبلي من شقيقنا الأكبر، الذي بدوره عرف المخدرات خاصة الهيروين من خالي الذي توفي بجرعة زائدة منها، فضلاً عن وفاة 2 من أبناء خالتي بجرعات زائدة، وتورط 3 من أبناء عمتي في مستنقع التعاطي!

علمني خالي

والوقفة الثالثة كانت مع الحدث ع . ع 15 عاماً، أمه مطلقة، وأبوه مدمن أقراص ترامادول، ويكاد يكون نزيلاً دائماً في السجون، موقوف في الدار على ذمة قضية تعاطي الأقراص المدمرة قبل أن تكون مخدرة، لم يتلق أي نوع من التعليم، والسبب في ذلك مجهول، رغم تكرار استيضاحه منه، إلا أنه لا يملك إجابة، عرف الترامادول، وأدمن تعاطيه من خاله – والخال هنا ليس بوالد، وإنما بمضلل ومحرض – والكارثة المحزنة أن ذلك كان على مرأى ومسمع من أفراد أسرته، دونما أي اهتمام منها به، رغم القبض عليه مع خاله وهما في حالة تعاطٍ، قال: علمني خالي تعاطي الأقراص، وفي البداية كنت أبلع قرصين يومياً، إلى أن تم القبض عليّ عقب أسبوعين فقط من التعاطي، ومن ثم خرجت بكفالة، وتوقفت عن الأقراص لمدة أسبوع، ومن ثم عدت ثانية لتعاطيها، إلى أن تم القبض عليّ مرة أخرى وأنا أشارك 3 أصدقاء سرقة إحدى السيارت .
أشعر بالندم، خاصة انني لم استفد شيئاً مما ورطت نفسي فيه، ولقد قطعت عهداً على نفسي بألا أعود إلى تعاطي الأقراص مهماً حدث، فكفاني إنني لم أتعلم، وليس لدي مستقبل واضح المعالم، سوى إنني سأمارس الرياضة، خاصة كرة القدم، لأقضي فيها وقت الفراغ الطويل الذي أعانيه، وسأحاول الحصول على أي عمل .

متعاط بالصدفة

ونأتي للحدث الأخير في سلسلة ليست بالقصيرة من الصغار الذين قضوا نحب أيامهم في تدمير أجسادهم وعقولهم بالأقراص المخدرة، اسمه خ . ح 17 عاماً، في الصف الخامس الابتدائي، قصته مع الترامادول غريبة بعض الشيء، وإن كان شقيقه محكوماً بالحبس لمدة عام على ذمة قضية تعاط، إضافة إلى تغريمه 20 ألف درهم، عقب تعديل محكمة الاستئناف، حكم سابق كان قد صدر بسجنه لمدة 8 سنوات، عن قصته قال: رأيت يوماً أثناء جلوسي خارج البيت عدداً من الشباب يدفنون شيئاً في قطعة أرض متوارية عن الأعين، فانتظرت إلى أن ابتعدوا، ومن ثم حفرت الأرض واستخرجت ما وضعوه فيها، فوجدت أربعة أكياس، كل منها يحوي 100 قرص ترامادول، ولأنني كنت قد شاهدت مثل هذه الاقراص قبلاً مع عدد من أصدقاء مدرستي، ومع أخي الذي كان يتعاطاها، فقد أخذتها، وخبأتها فوق سطح جيراننا، وأصبحت أبلع يومياً منها، إلى أن أبلغ عني هؤلاء الجيران عندما ضبطوني يوماً!
والحقيقة فالشباب أجمع في الحي الذي أقطنه يتعاطون الترامادول المهرب من إيران، والذي يشترونه بنصف سعر المصنع في دول أخرى، إلا أن الإيراني ذو فاعلية كبيرة في إشعارنا بالخدر، والغياب عن الواقع المحزن أو المؤلم، لذا فجميعنا من الشباب المتعاطي نركز في الحصول عليه دون غيره، لكنني اليوم وبعد أن افتضح أمري لأسرتي، وبعد توقيفي، لن أرجع مرة أخرى عقب الإفراج عني إلى التعاطي، سأكمل دراستي، واجتهد فيها، لأنفع نفسي مستقبلاً، ونصيحتي لجميع الشباب بألا يسقطون في هوة تعاطي المخدرات أياً كانت، فلا طائل من ورائها سوى الضياع أولاً وأخيراً .

قضيتان

هاتان قضيتان من بين كثر، تنظرهما حالياً إحدى محاكم الدولة، الأولى تفيد تفاصيلها أنه تم القبض على أحد الطلبة الجامعيين، الذي كان في طريقه للتخرج عقب شهرين فقط، بتهمة تعاطي وحيازة أقراص ترامادول، وكأنه كان يدرس لمدة 4 سنوات ليتخرج إلى السجن!!
والثانية تفيد القبض في المطار على شاب جامعي أيضاً، وهو في طريقه إلى إحدى الدول السياحية الخارجية، بعدما تلقت الأجهزة الأمنية بلاغاً يفيد تعاطيه أقراص الترامادول مع مجموعة من الشباب، وبإخضاعه للتحليل، تبين تعاطيه، واعترف بالتعاطي حين التحقيق معه، وقضت المحكمة بحبسه 6 أشهر .

***

الآن، ماذا عن رؤية الجهات الأمنية لهذه الظاهرة المؤلمة من سقوط بعض شبابنا في فخ الأقراص المهلكة؟ وهل يمكن أن يأتي يوم، لا نجد لهذه الآفة ذيولاً أوحتى رؤوساً في المجتمع؟
يجيب المحامي عبدالرحمن الفردان الخبير في مكافحة المخدرات في الأمم المتحدة قائلاً: للأسف انتشار أقراص الترامادول بين الأوساط الشبابية، بات من القضايا المقلقة إلى حد كبير، حيث تضم أروقة المحاكم والنيابات العديد من قضايا تعاطي الشباب لهذه الأقراص، ومنهم أحداث، ومن خلال متابعتنا لبعض القضايا اكتشفنا أن مهربي ومروجي المخدرات، وأغلبهم خارج الدولة، يستغلون إدمان الشباب، لتسخيرهم في عمليات نقل المخدرات وتوزيعها على مستوى الدولة، حيث المدمن على هذه الأقراص، إن لم يجد جرع متوفرة لديه، يكون على استعداد تام لتنفيذ كل ما يطلب منه، للحصول عليها، وفي بعض الأحيان يتم ضبط هؤلاء الشباب وبحوزتهم كميات من المخدرات، في حين لاتكون لهم علاقة بها سوى نقلها فقط، وبالتالي يتورطون في قضايا حيازة مؤثرات عقلية، بقصد الاتجار، فيما لم يكن للواحد منهم بها من ناقة أو جمل، سوى جرعة الترامادول فقط، التي كان يلهث وراءها!
وبالنسبة لعقوبة تعاطي الترامادول فتصل إلى 3 سنوات حبساً، أما إذا كانت حيازته بغرض الاتجار، فتصل العقوبة إلى المؤبد، فيما تتراوح أعمار المتعاطين غالباً بين 16 – 25 عاماً، وقد بينت الدراسات والبحوث التي أجريت حول هذه الظاهرة، أن هناك اسباباً عدة وراء انجراف الشباب في هاوية التعاطي، منها الفضول وحب التجربة، والأوهام والتخيلات حول قدرة الترامادول على إحداث حالة من النشوة والسعادة والهدوء النفسي للمتعاطي، في حين أن الترامادول وفقاً لمعلوماتي، لا يخرج عن كونه مسكناً قوياً لبعض الآلام الشديدة التي يعانيها المريض .

ضريبة رفاهية

وقال مقدم د . صلاح الغول مدير مكتب ثقافة احترام القانون في وزارة الداخلية: اعتقد أن غياب الدور الرقابي للأسر في متابعة الأبناء، والرفاهية الزائدة، وتوفر المادة في أيدي معظم الشباب وراء انحراف بعضهم، حيث منهم من لديه “كارت سحب” نقدي من البنوك، ومنهم من يحصل على 100 درهم يومياً كمصروف جيب، فضلاً عن حب التجربة، والتوهم بتأثير المخدر سواء كانت أقراصاً أو غيرها، في القضاء على مشاعر الخوف من الامتحانات، وعدم التركيز، وخلافه، فيما أصبحت المخدرات اليوم احدى ضرائب الرفاهية .
ولا يمكن بحال أن تختفي ظاهرة المخدرات التي تعتبر قضية عالمية، رغم المكافحة، والأعداد التي يتم ضبطها من المتعاطين، والمروجين، والتجار- كون الإمارات دولة عبور لها- ورغم المليارات التي تنفق لمكافحتها، إلا أنه كلما تم سد منفذ يفتح ألف غيره لترويجها، لذا فلابد من تكاتف جميع الجهود المجتمعية للمواجهة والتصدي، كون اليد الواحدة لا تصفق .

الأيدي خفية

أما المحامي سعيد سليم فقال: في الحقيقة يعود انتشار أقراص الترامادول بين طلبة المدارس، إلى أيد خفية، تحاول التربح تارة، وتدمير الأسر تارة أخرى، وغالباً يكون الطلبة المهملون من قبل أسرهم، والبعيدون عن الدين، هم من يتورطون في التعاطي، لضعف الوازع الديني لديهم، ولقد استطاعت الجهات الأمنية ضبط العديد من هؤلاء الطلبة، وردعهم والسيطرة على الوضع نسبياً، وتقليص هذه الظاهرة إلى حد ما، خاصة في أوساط الجامعات، عقب التوعية بأضرارها .
وحتى يتم تقليص هذه الظاهرة إلى الحدود الدنيا، لابد من تشديد العقوبات على المروجين والمتعاطين .

***

ونترك الأبناء، لننتقل إلى السؤال المحوري إلى حد كبير في تحقيقنا، ألا وهو هل أصبحت بعض البيئات المدرسية أرضاً خصبة أو سبيلاً يجد فيه عدد من الطلبة مبتغاهم من الانحراف بالسلوك، بافتعال الشغب، والتطاول على المعلمين، والتغيب من دون إذن، وعدم الاكتراث باستيعاب الدروس، والأهم تعاطي المؤثرات العقلية من أقراص الترامادول، وغيرها؟

اعتراض

اعترضت شريفة موسى مديرة إدارة الأنشطة التربوية في وزارة التربية والتعليم على المزاعم التي يسوقها الأبناء من الطلبة الذين تورطوا في تعاطي المؤثرات العقلية، والتي تتضمن اتهامات ضمنية للمعلمين والمدارس، وقالت: لقد مارست جميع المهام المدرسية بدءاً من التدريس إلى القيام بمسؤولية إدارة إحدى المدارس وخلافه، فضلاً عن كوني أماً أقوم على عدد من الأبناء، لذا فليس هناك أي نوع من الملل في اليوم الدراسي، الذي أصبح أكثر ديناميكية، وتنوعاً وجاذبية، فضلاً عن عدم استطاعة أي معلم توبيخ أي طالب بقسوة أو عنف، أو تهديده بالرسوب وخلافه، لذا فما يردده الطلبة من المتعاطين عبارة عن شماعة يعلقون عليها فشلهم وانحرافهم .
ومن أحد أسباب مشكلة تعاطي بعض الطلبة الصغار سناً، تأثرهم في أقرانهم من الطلبة كبار السن متكرري الرسوب الموجودين داخل المدارس، الذين لديهم تصرفات شاذة وخاطئة، جراء اختلاطهم بعينات قلة فاسدة في المجتمع، فيما يعد التفكك الاسري من أكبر المشكلات التي تسهم في انحراف الأبناء، حيث يؤثر عدم استقرار الأسرة في أطفالها، الذين بالتالي يقلدون الأكبر سناً منهم مع احتكاكهم بهم، علاوة على أسلوب التربية الخاطئ الذي تتبعه بعض الأسر مع الأبناء، عند منح الأبناء مصروفاً كبيراً، إلى جانب رغبة كثير من الصغار في تجربة ما يجهلونه من الأمور، وهناك أيضاً الإعلام المفتوح الذي يستطيع الابن من خلاله الاطلاع على ما لا يجب، في ضوء عدم وجود متابع أو حسيب أو رقيب عليه، ولا يمكن أن نغفل كذلك أن انشغال الأبوين عن الأبناء له دور في انجرافهم في ارتكاب أفعال غير سليمة .

ضعف الإدارة

وعلى نقيض الاعتراض السابق، جاء تأييد إبراهيم المحرزي رئيس مجلس إدارة مجموعة من المدارس الخاصة، في أن بعض المدارس تعد أرضاً خصبة لانحراف عدد من الطلبة ضعاف الإرادة، وفي ذلك قال: نعم، بعض البيئات المدرسية ساحة خصبة لانحراف من يريد من الطلبة، بسبب ضعف الإدارة فيها، وعدم وجود استراتيجية توازي بين التربية والتعليم، فالتربية تعني الأخلاق، والحزم، والتعليم يحتاج إلى منهجية، وخريطة طريق مستدامة، وكل منهما يكمل بعضه بعضاً، فإذا اختل جناح واحد، فشلت المسيرة، خاصة في ضوء أن بعض المدارس الخاصة تنظر إلى الطالب على أنه استثمار؟ وهنا على التربية السلام، أما إذا كانت تنظر إلى أنه أمانة، يتطلب توفير التربية والتعليم له، فيمكن هنا أن نبارك لهذه الإدارة .
وحتى يمكن مواجهة هذه المشكلة، لابد أن يترفع أولياء الأمور عن قضية الدلال الزائد للأبناء، وأن يتعاونوا مع المدرسة في تربيتهم، وتصحيح سلوكياتهم الخاطئة أولاً بأول، ومن الضرورة بمكان أن تثير المناطق التعليمية مثل هذه الظواهر السلبية، على مستوى علمي، وأن تعقد اجتماعات لمناقشتها بمشاركة خبراء في علم النفس، واجتماعيين، ورجال تربية وتعليم، لاستئصال هذه الظاهرة من جذورها في المدارس التي تتفشى فيها، والتي تفتقد إلى الخبرة في التعامل معها، فيما هذه الظاهرة بأكملها أمنية بحتة، لأننا مستهدفون وأطفالنا، وبالتالي يجب على الجهات المعنية استنفار عقولها لوضع حلول جذرية لها .

فوزية طارش: الفجوة في العلاقات الأسرية دمرت الأبناء

قالت فوزية طارش مديرة إدارة التنمية الأسرية في وزارة الشؤون الاجتماعية:
هناك فجوة كبيرة في العلاقات، والتقارب اليومي بين أفراد الأسرة الواحدة، وقد بدا ذلك ملحوظاً بخروج الأمهات للعمل، فضلاً عن الطغيان المفاجئ للأجهزة التكنولوجية على الأسرة ككل، فمن الأبناء من أصبحوا يتحدثون مع أسرهم بالهواتف المتحركة، والأجهزة التكنولوجية، وهم داخل البيت الواحد، حيث غابت لغة الحديث المباشر، والتلاقي وجهاً لوجه، والمؤسف أن الأسر لم تستشعر خطورة ذلك، وبالتالي فالأبناء الذين افتقدوا الرقابة، وجدوا الأرض خصبة لممارسة بعض السلوكيات المنحرفة، التي اكتسبوها من أصدقائهم دونما رقيب أو حسيب، علاوة على تواصل عدد كبير من الأبناء عبر أجهزة ال”آي باد” في وجود أسرهم، وفي غفلة وعدم انتباه منهم، مع الكثير من غريبي الأطوار، ومنحرفي السلوك، وغير ذلك، حيث من الممكن أن يتبادلوا معهم معلومات وأحاديث عن المواد المخدرة وغيرها، كالصور اللاأخلاقية وهكذا .
والمحزن أن الخطر لم يعد محيقاً بالأبناء خارج البيت، وإنما أصبح يأتي اليهم داخله، عبر الأجهزة التكنولوجية الحديثة، والجاذبة للهلاك، بما يتطلب أن يوثق الآباء والأمهات علاقاتهم بالأبناء، وأن يعودوهم منذ البداية على المصارحة .

محمد رمضان: الطبيعة السيكولوجية

عن طبيعة التكوين السيكولوجي للشاب الذي يمكن أن ينجرف بسهولة في هاوية تعاطي المخدرات، أو ارتكاب أفعال خاطئة، قال د . محمد رمضان رئيس قسم علم النفس في أكاديمية شرطة دبي: يبدأ الشاب في التعاطي نتيجة ضعف التكوين النفسي، جراء ضعف التكوين الإيماني لديه، وتعاطي المخدرات وإدمانها انما هو محاولة فاشلة للتغلب على الواقع المحبط المعاش، ولخلق حالة من السعادة الوهمية المؤقتة، والتي تنتهي بزوال أثر المخدر .
ويرجع بعض العلماء الإدمان إلى ضخامة حجم الإحباط من ناحية، وضعف الذات وهشاشتها من ناحية اخرى، أي أنه هروب إلى التخييل، فمتعاطي الحشيش شخصية تخيلية، والكحول شخصية عدوانية تفعيلية، وتعود جميع أنواع الإدمان إلى عدم قدرة الذات على حل المشكلات الحياتية حلاً مناسباً .
ويتوهم الطالب من متعاطي الأقراص أن القضاء على مشاعر الخوف من الامتحانات لايتأتى بالمذاكرة، وإنما بقرص من تلك السموم، ولأنه لا يستطيع أن يرى نفسه فاشلاً في عالم اليقظة، نجده يرجع فشله لاحقاً حين ضبطه، إلى الإدمان، ويتوهم أن المخدر هو السبب، حيث يسعى إلى (عقلنة) فشله الدراسي، من دون أن يعترف بأن تقاعسه عن الاستذكار، وتكاسلة، ولامبالاته السبب .

عدنان حمد: أصبح واقعاً

قال الإعلامي عدنان حمد نائب رئيس المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة: لابد أن نطرح بدءاً تساؤلاً مهماً وغائباً عن الجميع، ألا وهو لماذا أصبحت الأغلبية العظمى من طلبة المدارس تكره الذهاب إليها؟ ومن وراء الإجابة نستطيع قياس جميع الظواهر اللاأخلاقية المتعلقة بهم، كتعاطيهم المخدرات، أو اتباع التقليعات المخلة بالآداب، أو الشغب، وتكوين عصابات، أو التطاول على المعلمين، وغيرذلك .
الحقيقة، لو كانت المدارس بيئة جاذبة ومشجعة للطلاب والطالبات، لما انتشرت هذه الظواهر التي نعانيها اليوم، فيما أصبح تعاطي بعض الطلبة لأقراص الترامادول، واقعاً نعانيه، سواء شئنا الاعتراف بذلك أم أبينا، وإن كان بنسبة أقل بكثير مما هو عليه في بقية الدول المجاورة، وذلك بفضل التقنيات الأمنية الحديثة في البحث، والتحري، والتفتيش، باعتبار أن الدولة تأتي في مصاف الدول الرائدة في مجال تأمين المنافذ البحرية، والجوية، والبرية .
ويرجع العامل الأول في بروز ظاهرة تعاطي الشباب للأقراص المؤثرة عقلياً، إلى فقدان الرقابة الأسرية عليهم، كون الأمهات والآباء الأدرى بنفسية، وطباع، وعادات وسلوكيات الأبناء، وهم الأقدر على استشعار أي تغييرات غير طبيعية في سلوكياتهم، لذا فالعلاج والتقويم يبدأ منهم أولاً، ومن ثم يمتد إلى المدرسة، لاسيما المعلمين والاختصاصيين الاجتماعيين، فيما اقترح في ضوء المعاناة من تفشي هذه الظاهرة المؤسفة، أن تمنح كل مدرسة حوافز للطلبة الأسوياء، نظير مراقبة سلوكيات زملائهم ممن سقطوا في فخ التعاطي وإبلاغ الاختصاصيين الاجتماعيين سراً عنهم، لتضييق الخناق على هذه الظاهرة .
ومن الواجب أن تكون هناك وقاية، بتبصير الشباب بمخاطر السلوكيات السيئة، وبما ينتظرهم حال ارتكابها، وتوعيتهم برفض ابتلاع أي أقراص يقدمها لهم زملاؤهم، بزعم فعاليتها في تخفيف حدة آلام الصداع .

الترامادول

الترامادول هو أحد مشتقات المورفين، يستخدم مسكناً في حالات الآلام الحادة والمزمنة، مثل آلام ما بعد الجراحة، والآلام السرطانية، ويسبب تعاطيه هلوسة، وآرقاً وقلقاً، وغثياناً وقيئاً، واكتئاباً ورغبة في الانتحار، وإيذاء الغير، فيما من أضراره الخطيرة التشنجات، وصعوبة التنفس، وخلل وظائف الكبد، وبعد الإدمان عليه يحدث تلف في خلايا المخ، وفي وظائف الكلى، وفي الرؤية، مع فقدان الشهية، والضعف الجنسي الحاد الذي يصعب علاجه، والخمول وعدم القدرة على العمل أو المذاكرة .
وتتمثل الأعراض التي تبدو على متعاطي الترامادول في الآتي:
احمرار خفيف إلى متوسط في العينين، وشبه مغلقتين .
الترنح أثناء المشي، أو السير بسحب القدم (تشحيط) .
الأكل الدائم والشرب الدائم والأكثر من المعتاد، لأن الترامادول أو المخدرات تشعر متعاطيها بالجوع والعطش .
التحدث بلسان ملوي أو ثقيل، وتأتأة في الكلام .

المصدر: الخليج