د. علي الطراح
د. علي الطراح
حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة متشجن الأميركية في عام 1984 . عمل مستشاراً ورئيساً للمكتب الثقافي لسفارة دولة الكويت في واشنطن 1989-1992 ومستشاراً إعلامياً ورئيس للمكتب الإعلامي في سفارة دولة الكويت في واشنطن 1992 - 1995 . عميد كلية العلوم الاجتماعية، وأستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت .

الحوار الياباني الإسلامي

آراء

يبدو أن مسلسل نحر الرهائن سيستمر للأسف، ولا يبدو أن المواجهات الجارية قادرة على وقف تهور تنظيم «داعش» الإرهابي. وبعد مقتل الرهينة الياباني الثاني، الذي أصاب العالم بذهول للوحشية التي تثير كثيراً من التساؤلات حول أهدافها المنحرفة، وكيفية مواجهة هذا التنظيم ومن يقف معه، أعدت التفكير في علاقاتنا باليابان وهي دولة مسالمة تتسم بجدية في فتح قنوات الحوار مع كل الثقافات، وما يحدث اليوم يشكل أحد أهم التحديات الكبيرة التي تواجهها.

وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر شكلت اليابان لجنة حوار يابانية إسلامية، وعقدت اللجنة عدة اجتماعات في البحرين، وحضرتها مجموعة من المفكرين من الجانبين، وكان الحضور الخليجي والمصري تحديداً هو الركيزة في قيادة الحوار مع مفكري اليابان من أساتذة وأكاديميين، واستمر الحوار حول كيفية ترسيخ الفهم المشترك لكي تنأى اليابان بنفسها عن أية تهديدات إرهابية مثل ما حدث في الولايات المتحدة. وقد كنت أحد المشاركين في الحوار الياباني الإسلامي، وكنا ندفع نحو فتح قنوات الحوار لكون اليابان تحمل تجربة ثقافية توافقية بين الحداثة التي تمثل الغرب، والأصالة الآسيوية التي نجحت في تقديمها للعالم، حيث إن تلك الدولة احتفظت بهويتها الخاصة وحققت تجربة تحديث رائدة، بينما الإشكالية الكبيرة في العالم الإسلامي تتمثل في غياب المنهج في دمج الحداثة الغربية مع الأصالة والهوية الإسلامية، مما نتج عنه كثير من التتناقضات الاجتماعية والثقافية والنفسية بين قطاعات واسعة من الناس في المجتمعات الإسلامية.

وبكل تأكيد فإن إحدى أكبر الإشكاليات التي نعاني منها هي التعثر في التوفيق بين هويتنا الثقافية الإسلامية وبين قيم الحداثة، وهي إشكالية تاريخية لم نولها الأهمية التي تستحقها، ولم تستطع مناهجنا التعليمية معالجتها، لأن كثيراً منها يفتقد النظرة العميقة للتعليم في تكوين الشخصية، مما أدى إلى حدوث ضياع أحياناً كثيرة، وفي أحيان أخرى أدى الفصام بين الأصالة والحداثة إلى صراع ثقافي قاد الى سلوكيات اتسمت بالانحراف في أشكاله المختلفة.

وفي لقاء مع رئيس وزراء ماليزيا الأسبق الدكتور مهاتير محمد الذي قاد بلاده إلى اللحاق بعالم الدول الصناعية، تحدث عن تجربة هذه المجموعة من الدول التي تسمى «النمور الآسيوية»، مؤكداً أنها شقت طريقها عبر رؤية عقلانية جمعت بين الهوية الخاصة والهويات العالمية، أو ما نطلق عليه الآن ثقافة العولمة. وفي ذلك اللقاء كان لي حوار مع مهاتير محمد، وهو يرى أننا دول فاشلة، وفق قوله، لأننا ببساطة ضيّعنا فرصاً ذهبية، واتجهنا غرباً ونسينا الشرق الذي يشكل أحد أهم مكونات تاريخنا. وقال لي: إنكم فقدتم طريقكم فلا الغرب قبلكم ولا الشرق نجحتم في التعامل معه، وهذا ما يشكل أهم المآزق التي وقعت فيها المنطقة العربية. وقال مهاتير: إننا في ماليزيا ذقنا الأمرّين من اليابانيين إلا أن مرارة التاريخ لم تمنعنا من إعادة قنوات التواصل معهم، فاليابان تقع ضمن الإقليم الذي نعيش فيه، وقد استفدنا من تجربتها، فلم يكن الماضي الأليم حاجزاً دون انفتاحنا، ولم نكن أسارى للماضي، بينما أنتم في البلاد العربية المسلمة بقيتم تبكون الماضي، وكأنكم تريدون العودة إليه.

وفي لقاءات مختلفة في اليابان أيضاً كنت أنصح بالنظر إلى المسألة باعتبارها إشكالية ثقافية، واليابان تملك تجربة غنية قد تساعدنا في فتح قنوات الحوار مع الغرب ومع أنفسنا. فالمعركة ثقافية بالدرجة الأولى، وعلى عالمنا الإسلامي أن يعيد بناء خطابه دون تردد، وأن يعترف بأخطاء الماضي لكي نتمكن من فهم ما حدث لنا، وكيف تأتّى لجماعات إرهابية اختطاف الإسلام موهمة بعض قاصري الوعي والعقل بأنها هي من يتحدث باسمه، بينما لا نملك سوى الشجب ونحن نرى فظاعات تلك الجماعات الإرهابية المقيتة.

* سفير الكويت لدى اليونسكو – باريس

المصدر: الاتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=83366