د. شملان يوسف العيسى
د. شملان يوسف العيسى
حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية جامعة تافت بولاية ماسيشوست عام 1978

الخيارات الصعبة في الخليج

آراء

تراهن كثير من الدول العربية على تحصين نفسها من ظاهرة التطرف والطائفية والإرهاب الذي انتشر في بلداننا من خلال تبني أفكار واستراتيجيات حكومية جديدة تعتمد في أساسها على تكثيف المنظور الأمني لمحاربة الإرهاب وإعادة النظر في مناهج التعليم ومراقبة دور العبادة وخطب أئمة المساجد المتطرفين.

السؤال: هل هذه السياسة ستقود للقضاء على التطرف والطائفية والإرهاب في بلداننا العربية والخليجية الآن بعد أن انتشرت هذه الظاهرة ومزقت أكثر من بلد عربي مثل العراق وسوريا ولبنان وليببا واليمن؟

دول الخليج العربية بادر بعضها بسن قوانين واتخاذ إجراءات قوية لمحاربة الإرهاب والفتن الطائفية وبدأت ببعض المراجعات الجادة لمناهج التعليم ومراقبة دور العبادة لمنع خطب التحريض الطائفي والديني.. هل هذه الخطوات المهمة كافية للقضاء على كل هذه الظواهر السلبية في مجتمعاتنا؟

الحقيقة التي لا يريد أحد الاعتراف أو الإقرار بها هي أننا حتى الآن لم نحقق النتائج المرجوة من كل ما اتخذ من خطوات على الرغم من دخولنا مع تحالف دولي لمحاربة الإرهاب والحد من توسع نفوذه، إلا أن بعض شبابنا الخليجي العربي ما زال منخرطًا في هذا التنظيم الإرهابي، والدليل على ذلك اكتشاف الخلايا الإرهابية النائمة في كل من السعودية والبحرين والكويت ومعهم أسلحتهم ومتفجراتهم.. أيضًا خطباء المساجد في أكثر من دولة خليجية لا يزالون يثيرون الشحن الطائفي بين المصلين.

من الخطأ الاعتقاد بأن ظاهرة الإسلام السياسي كآيديولوجيا صاعدة يمكن محاربتها وتقليص نفوذها من خلال الحملات الدولية على الإرهاب أو إعادة النظر في قضايا التعليم ودور العبادة.

علينا أن نقر ونعترف بأن ظاهرة التطرف الديني والطائفية والإرهاب موجودة في مجتمعاتنا ودولنا لأسباب كثيرة من أهمها أن الأنظمة العربية لا تؤمن ولا تعترف بمفهوم التعددية عمليًا وفعليًا.. فمعظم دولنا العربية لا تعترف بالحريات الدينية ولا بالتعددية الفكرية على الرغم من أن حقيقة دساتيرها تنص على ذلك. إن مفهوم العدالة والمساواة الكاملة على أساس القانون والمواطنة لم يطبق ولا يمارس.. حتى الحركات السياسية الإسلامية الموجودة في بلداننا لا تعترف بالتعددية، وكل جماعة دينية سواء كانت سنية أم شيعية لديها تصورها الخاص لطبيعة دولتهم الدينية القادمة. فهذه الجماعات تريد إعادة تشكيل الانتماء أو الهوية على أسس دينية تحقق طموحاتهم لتشكيل دولة دينية.. هذه التنظيمات الإسلامية السنية منها والشيعية لديها جماهير واسعة في بلداننا التي ترفض التعددية الدينية أو الإثنية وهم يرفضون مفهوم الانتماء الوطني.

السؤال مرة أخرى: هل مكتوب علينا نحن العرب انتظار معجزة إلهية ببروز دولة عربية قوية تتصدى لحالة التمزق والضياع كما يتمنى إخواننا القوميون العرب؟ هذه الدولة لم ترَ النور رغم ضياع أكثر من نصف قرن من المطالبة بها.. هل علينا انتظار بروز دولة أو دويلات إسلامية طائفية قوية تقضي على بقية الفصائل الإسلامية وتضمها حتى لوأدها؟

ما مستقبل هذه المنطقة إذا استمرت حالة الحروب الأهلية الطائفية في أكثر من بلد عربي؟ هل نحن في الخليج محصنون من الطائفية والإرهاب الذي ينتشر في بلدان الجوار العربي؟ ألا يحق لنا كمواطنين عرب أن نؤمن بالتعددية الدينية والفكرية والوسطية والاعتدال الديني والحرية وأن نطالب دولنا بدخول عصر الحداثة والمدنية ونبتعد عن زج الدين بالسياسة ونركز كل طاقاتنا في إعادة بناء الوطن وتنميته وازدهاره الاقتصادي والاجتماعي في ظل أنظمة سياسية مستقرة تبتعد عن تسييس الدين وزجه في الصراعات الدنيوية واستثماره في تأييد طرف ضد الطرف الآخر مما أفقد الدين حياديته وروحانيته.

رجل الدين الشيعي العراقي جعفر الإبراهيمي كان محقًا عندما حذر من أن الطائفية هي أسوأ من القنبلة النووية بالأضرار الناجمة عن انتشار معضلات الطائفية في العالمين العربي والإسلامي لن تقف حدوده العالمين، كما يظن مروجو الطائفية في العالمين بل ستمتد ليصل لظاها إلى العالم بأسره لتشيع حروبًا إثنية دينية تعيد التاريخ إلى الوراء.

الدول المدنية الموجودة في الدول الغربية المستقرة لا تهتم بمفهوم مزج الدين بالدولة.. فالدولة المدنية التي نطمح لرؤيتها تحترم كل الأديان وتقف على الحياد ولا تتبنى دينًا محددًا.. بل إنها تعترف بالحرية الدينية الكاملة وهذا هو جوهر الديمقراطية بمفهومها الواسع.

المصدر: الشرق الأوسط