السعودية: الأراضي الملغاة صكوكها تكفي لإسكان 15 مليون مواطن وقيمتها 1.8 تريليون

أخبار

الأراضي الملغاة

توسعت دائرة الركود التي شهدتها السوق العقارية المحلية طوال الأشهر والأسابيع الأخيرة لتشمل هذه المرة قيم الصفقات وأعداد العقارات، ولتسجل معدلات انخفاض جديدة قياسية لم تشهدها السوق طوال تسعة أعوام مضت، كان من أبرزها تسجيل المعدل الأسبوعي لبيع الفلل السكنية معدلا أسبوعيا منخفضا لم يتجاوز بيع 41 فيلا خلال الأسبوع الماضي، وهو المعدل الأدنى الجديد طوال الأعوام التسعة الماضية، كما أنه المعدل الأدنى من مثيله الذي تم تسجيله قبل نحو أسبوعين فقط، والذي بلغ 43 فيلا بنهاية الأسبوع الأول من الشهر الجاري.

حسبما توضح البيانات الأسبوعية للسوق أظهرت تراجع قيمة الصفقات الأسبوعية بنحو 17.3 في المائة، كما سجلت تراجعها الأسبوعي الثاني على التوالي في أعداد العقارات السكنية المبيعة بنحو 1.0 في المائة، وهذه الدلالات لمؤشرات أداء السوق العقارية لا تعتبر جديدة، كون اتجاهات التراجع فيها قد بدأ منذ مطلع تشرين الأول “أكتوبر” الماضي، وظلت دائرتها تتوسع أسبوعا بعد أسبوع، وهو ما قام برصده “مؤشر الاقتصادية العقاري” طوال تلك الفترة حتى تاريخه، الذي استهدف تقديم معلوماته أولا بأول إلى القارئ الكريم، وكما يبدو أن ارتفاع مستوى الشفافية حول أداء السوق العقارية، وتوافر المعلومات لدى أغلب أفراد المجتمع قد أسهم كثيرا في رفع مستوى وعيهم ومعرفتهم بمجريات السوق العقارية، التي كانت شبه غائبة بالكامل عنهم طوال الأعوام الماضية، الذي بدوره أسهم في إضافة الكثير من الحيثيات المتعلقة بقراراتهم شراء وبيعا في السوق، وهو طبعا الهدف المنشود من إعداد وتقديم هذا “المؤشر العقاري” المنفرد في الصحافة المحلية.

الأداء الأسبوعي

سجلت الصفقات الأسبوعية للسوق العقارية السعودية انخفاضا في إجمالي قيمتها بنهاية الأسبوع الماضي، متراجعة بنسبة بلغت 37.3 في المائة، لتستقر عند 9.3 مليار ريال، مقارنة بقيمتها نهاية الأسبوع السابق 11.2 مليار ريال، ويعزى هذا الانخفاض إلى تراجع قيمة الصفقات المنفذة على القطاع التجاري بنسبة 40.7 في المائة، مقارنة بارتفاع قيمة صفقاته خلال الأسبوع الأسبق بنسبة قياسية بلغت 102.6 في المائة، وانخفضت تلك القيمة إلى 3.2 مليار ريال مقابل 5.4 مليار ريال، بينما ارتفعت قيمة الصفقات الأسبوعية على القطاع السكني بنسبة 4.1 في المائة، لترتفع من 5.8 مليار ريال إلى 6.1 مليار ريال.

أما على مستوى مبيعات العقارات السكنية، فقد واصلت وتيرة انخفاضها بعد للأسبوع الثاني على التوالي، والخامس باستثناء الارتفاع الطفيف قبل أسبوعين من تاريخه، حيث سجلت نسبة انخفاض بلغت 1.0 في المائة، لتستقر عند مستوى 5658 عقارا مبيعا خلال الأسبوع، مقارنة بنحو 5715 عقارا مبيعا خلال الأسبوع الأسبق، وأتى أيضا هذا المعدل المتحقق لمبيعات الأسبوع أدنى من المتوسط الأسبوعي لعام 2014 البالغ 5773 عقارا بنسبة انخفاض بلغت 2.0 في المائة، ونتج هذا التراجع في أعداد العقارات المبيعة للقطاع السكني من التراجعات التي شملت العقارات السكنية المنقولة بيعا “البيوت، الفلل، قطع الأراضي”، مقابل ارتفاع أعداد العقارات الأخرى “الأراضي الزراعية، الشقق، العمائر”.

جاءت تطورات العقارات المرتفعة أعدادها كالتالي: ارتفاع مبيعات الأراضي الزراعية إلى 165 أرضا زراعية بنسبة ارتفاع بلغت 10.0 في المائة، وارتفاع مبيعات الشقق السكنية إلى 367 شقة سكنية بنسبة ارتفاع بلغت 2.8 في المائة، وارتفاع مبيعات العمائر السكنية إلى 36 عمارة سكنية بنسبة ارتفاع بلغت 63.6 في المائة.

فيما جاءت تطورات العقارات المنخفضة أعدادها على النحو التالي: انخفاض مبيعات البيوت السكنية من 41 بيتا سكنيا إلى 40 بيتا سكنيا بنسبة انخفاض بلغت 2.4 في المائة، انخفاض مبيعات الفلل السكنية من 48 فيلا سكنية إلى 41 فيلا بنسبة انخفاض بلغت 14.6 في المائة “المعدل الأسبوعي الأدنى في منظور تسعة أعوام مضت”، وانخفاض مبيعات قطع الأراضي السكنية من 5082 قطعة أرض سكنية إلى 4991 قطعة أرض سكنية بنسبة انخفاض بلغت 1.8 في المائة، وهذه المرة الأولى منذ فصل الصيف للعام الجاري التي يُسجل فيها المعدل الأسبوعي معدلا أدنى من المتوسط الأسبوعي لمبيعات قطع الأراضي خلال العام الجاري.

أما على مستوى متوسط أسعار العقارات السكنية خلال الأسبوع، فقد سجلت متوسطات الأسعار لكل أنواع العقارات انخفاضا أسبوعيا باستثناء قطع الأراضي، التي ارتفع متوسط سعر مترها المربع إلى نحو 898 ريالا للمتر المربع بنهاية الأسبوع.

فيما أتت التراجعات في متوسطات أسعار بقية أنواع العقارات السكنية على النحو التالي: انخفض متوسط سعر المتر المربع للأراضي الزراعية إلى 4.5 ريال للمتر المربع بنسبة انخفاض 77.0 في المائة، وانخفض متوسط قيمة البيوت إلى 296.7 ألف ريال للبيت الواحد بنسبة انخفاض 16.8 في المائة، وانخفض متوسط قيمة الشقق السكنية إلى نحو 592.9 ألف ريال للشقة الواحدة بنسبة انخفاض 1.3 في المائة، وانخفض متوسط قيمة العمارة السكنية إلى 1.2 مليون ريال للعمارة الواحدة بنسبة انخفاض 51.8 في المائة، وانخفض متوسط قيمة الفيلا السكنية إلى 1.4 مليون ريال للفيلا الواحدة بنسبة انخفاض 29.3 في المائة.

الصكوك الملغاة وبرامج الإسكان ورسوم الأراضي تحدد مستقبل سوق العقار

تتلمس السوق العقارية والإسكان يوما بعد يوم تقدم إجراءات وخطوات إصلاح وتطويرها، وظهور نتائجها المبشرة بقرب انفراج الأزمة المفتعلة التي عانتها السوق العقارية، وتخلصها من تلك التشوهات الخطيرة، التي صنعت منها حجر عثرة في طريق التنمية المستدامة للبلاد والعباد، وأدت بتشوهاتها تلك إلى تفاقم عديد من الآثار السلبية في الاقتصاد الوطني والمجتمع السعودي بالقدر من الأضرار، سواء عن طريق تضخم أسعار الأصول العقارية على مختلف أنواعها، وبلوغها مستويات لا علاقة لها بأي عامل من العوامل الاقتصادية والمالية، إلا أنها كانت نتيجة وحيدة للكثير من التشوهات وأشكال الاحتكار وسرقة الأراضي كما كشفت عنه البيانات الرسمية الأخيرة لوزارة العدل.

وبما أن الطريق الذي غذى تلك التشوهات الخطيرة قد انقطع تماما، وبدأت معالجته بصورة جادة وصارمة من قبل وزارة العدل، التي قامت أخيرا بجهود عملاقة سيسجلها التاريخ لها طوال العقود المقبلة، المتمثلة في إلغاء الصكوك وحجج الاستحكام المزورة على مساحات شاسعة من الأراضي يقع أغلبها داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات، حيث توضح بيانات وزارة العدل الأخيرة المحدثة حتى نهاية الشهر الماضي قيامها بإلغاء نحو 1371 صكا مزورا “الرياض، جدة، الدمام، المدينة المنورة، محافظة القطيف، بريدة، عرعر، الزلفي، الجفر”، وصل مجموع مساحاتها إلى 1.97 مليار متر مربع، قُدرت قيمتها السوقية وفقا لمستويات الأسعار الجارية في السوق العقارية بنحو 1.8 تريليون ريال “60.2 في المائة من إلى إجمالي الناتج المحلي لعام 2014”.

ووفقا لما يجري العمل عليه الآن من قبل وزارة العدل؛ ستواصل الوزارة جهودها تنفيذا للتوجيهات والمتابعة المستمرة من خادم الحرمين الشريفين مباشرة، العمل على فحص ودراسة أوضاع جميع الصكوك وحجج الاستحكام على كل الأراضي، وحسبما أفادت وزارة العدل ممثلة في وزيرها الشيخ محمد العيسى، أن التقديرات الراهنة من خلال العمل الذي تقوم به الوزارة تشير إلى احتمال ارتفاع غلة المسترد من أراضي الدولة التي تم الاستيلاء عليها دون وجه حق، وعبر ممارسات مخالفة شرعا نتج عنها صدور صكوك وحجج مزورة، أنه قد يرتفع بالمساحات الإجمالية إلى نحو أربعة مليارات متر مربع، بما فيها ما تم استرداده حتى نهاية الشهر الماضي!

إننا والحالة الكبيرة من التوجهات الإصلاحية تلك؛ نقف جميعا كأفراد مجتمع مؤيدين وممتنين لما تقوم به وزارة العدل في هذا الخصوص، وقبل ذلك لخادم الحرمين الشريفين، الذي أطلق قراراته الإصلاحية في كل اتجاه من حياة بلاده وأهلها.

فإذا كانت تلك المخالفات الخطيرة جدا التي حدثت في أعوام مضت، وأدى تراكمها وتفاقمها عبر عقود مضت إلى تشحيح المعروض من الأراضي الصالحة للسكن بهذه المساحات الشاسعة، التي تجاوزت مساحات أكبر المدن الرئيسة في البلاد، وتسببها في ارتفاع مستويات الأسعار بنسب مجنونة خرجت عن سيطرة كل السياسات الاقتصادية، أؤكد أنها وهي اليوم تواجه مقبرة دفنها مجتمعة في الجهود الصارمة التي أظهرتها وزارة العدل، فإنه دون أدنى شك كما أن تفاقم تلك الجرائم قد أدى إلى ارتفاع أسعار الأراضي بصورته الخطيرة التي نشهدها اليوم، سيؤدي حتما مع استعادتها وتوجيهها بكامل مساحاتها كما يتفق مع توجيهات خادم الحرمين الشريفين إلى وزارة الإسكان، وليس إلى أملاك الدولة! أؤكد أنه سيعيد تلك الأسعار إلى المستويات العادلة تماما، والمتفقة مع قوى العرض والطلب في السوق، وهو ما يعني تنفيس مستويات الأسعار بما لا يقل عن 90 في المائة من مستوياتها الراهنة المبالغ فيها إلى حدود الجنون! كما ستتيح تلك الثروة من الأراضي المستردة والموجهة كما يؤمل إلى وزارة الإسكان، إمكانية توفير متطلبات الإسكان لنحو ثلاثة ملايين أسرة على أقل تقدير “نحو 15 مليون نسمة بمعدل إعالة خمسة أفراد لكل أسرة”، هذا فقط بما تم استرداده حتى تاريخه، وهو ما سيمكّن وزارة الإسكان مستقبلا من تلبية متطلبات المجتمع السعودي من الإسكان لعدة أجيال قادمة، وليس الجيل الحالي فقط.

أمام هذه التطورات اللافتة، التي يُضاف إليها التقدم من قبل وزارة الإسكان في نشاطها المتمثل في إعلانها الأخير عن العدد النهائي لمستحقي الدعم السكني البالغ 754570 مستحقا في جميع مناطق المملكة، أي ما نسبته 78.6 في المائة من إجمالي عدد المتقدمين لبوابة إسكان في بداية التقديم البالغ عددهم 960397 متقدما.


ومن جانب آخر؛ ترقب صدور الموافقة قريبا على قرار فرض الرسوم على الأراضي داخل المدن والمحافظات، الذي يُتوقع أن يؤدي لوحده لتصحيح مستويات الأسعار بما لا يقل عن 30 في المائة دون النظر إلى بقية المؤثرات الأخرى.

كل هذا يضاف إلى بقية التطورات الأخرى من تراجع لأسعار النفط، والتشدد الإيجابي الذي أظهرته مؤسسة النقد تجاه ضوابط منح التمويل العقاري، وأخيرا بدء تطبيق الزكاة على الأوعية العقارية المدرة للدخل، والموضوعة بهدف التجارة، كل تلك التطورات ستؤدي مجتمعة ـــ بمشيئة الله ـــ إلى تصحيح كبير في مستويات الأسعار المتضخمة، والتي سيكون له آثار إيجابية تنعكس على الأداء الاقتصادي المحلي، على عكس ما يروج له عديد من الأطراف ذات المصلحة الضيقة، والمستفيدة حصريا من التشوهات الراهنة في السوق! وذلك لسبب بسيط جدا؛ أن ذلك التضخم في الأسعار نتج عن تشوهات محضة، ولم ينتج أبدا عن حالة تعاف للاقتصاد أو نمو في دخل الأفراد أو نمو في نشاط التطوير والتعمير، بل كان كما أثبتته البيانات الرسمية لنشاط السوق؛ ناتجا فقط عن مضاربات محمومة استحوذت على 94 في المائة من السيولة المدارة في السوق ولا غير ذلك.

المصدر: الاقتصادية