جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

«الشقيقة» إيران والرئيس اللطيف روحاني

آراء

ينتابنا الهلع كلما لاحت في أفق السياسة مصالحة أميركية – إيرانية، مثلما هو حاصل هذه الأيام في نيويورك، حيث يتقاطع الرئيسان الإيراني حسن روحاني ونظيره الأميركي باراك أوباما في أروقة مبنى الأمم المتحدة ولكن لا يلتقيان، بعضنا يذهب إلى حد «المؤامرة»، فهو مقتنع أن ثمة حلفاً خفياً وتعاوناً بين الطرفين ولن يلبث إن يصعد إلى السطح، ويعلن رسمياً الحلف الأميركي – الإيراني الجديد على حسابنا نحن في السعودية والخليج، لنسقط من «الحجر» الأميركي بعدما يتربع عليه الإيراني، فندفع الثمن غالياً من مصالحنا وحقوقنا.

أعتقد أننا جميعاً بحاجة إلى جلسات علاج نفسي، ودورات في علم «السياسة الحقيقية» حتى نستعيد ثقتنا بأنفسنا، وأننا أقوى مما نعتقد، وأستعير عبارة رئيس الاستخبارات السعودية السفير السابق الأمير تركي الفيصل أن «إيران نمر من ورق»، فقط نحتاج إلى بعض من التركيز والتخطيط لنحدد من هم حلفاؤنا الاستراتيجيون، وما هي مصالحنا الثابتة، وأن الشرق الأوسط الذي استوعب يوماً «القوى العظمى» مملكة فارس والروم، ثم وجد عرب الصحراء مكاناً لهم في التاريخ بينهما، بل أكثر، يستطيع أن يستوعب كل دول المنطقة بما فيها إيران وتركيا، وأن ندرك أن المصالحة مع إيران هي مصلحة للجميع، وأننا يجب أن نسعى إليها أكثر مما يسعى إليها الأميركيون، ولكننا نحتاج إلى تشكيل جبهة من حلفاء لا تغيرهم مصالح ضيقة، وإنما يشاركوننا رؤية أننا «أمة»، هذا المصطلح العظيم الذي يسعى البعض إلى تدميره لرؤيته الضيقة على حساب مصلحة أكبر.

يجب أن نلقي بقواعد «الاشتباك القديمة» التي سادت المنطقة حتى نهاية السبعينات الميلادية بعيداً عن طاولة التحليل السياسي المعاصر، مثل مصطلح «شرطي المنطقة»، فلم تعد ثمة حاجة إلى هذه الوظيفة التي كان ينافس عليها شاه إيران محمد رضا بهلوي أو إسرائيل، وذلك بعدما تغير وضع المنطقة السياسي والأمني على طريقة «إذا حضر الماء بطل التيمم»، والماء هنا الولايات المتحدة وأساطيلها وقواعدها المنتشرة على الساحل العربي من الخليج، وهو ما تطالب إيران دوماً بإزالته لشعورها بأن هذا الوجود يهددها، والذي يشكر أو يعاتب على الحضور الأميركي هو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي قلب قواعد الأخلاقيات القومية العربية بغزوه للكويت، فعرض العقل العربي الخليجي لصدمة لم يتعافَ منها بعد، فرحب بالوجود العسكري الأميركي في المنطقة بعدما كان يرفضه هو وبقية العرب.

القاعدة الأخرى التي يجب أن نلغيها، هي أن الصراع الإيراني – العربي حتمي، بعضنا يذهب بعيداً فيطوئفه (يضفي عليه سمة طائفية) متحدثاً عن صراع سني – شيعي، فيغرف من التاريخ حقائق المواجهات الصفوية – العثمانية، ومكائد الشيعة في قصور العباسيين، وصراعهم مع صلاح الدين، بينما مكان كل هذا كتب التاريخ وأبحاثه وليس عالمنا السياسي المعاصر، والحق أن إيران تتحمل مسؤولية ذلك أكثر من غيرها، فهي التي ميزت نفسها منذ انتصار ثورتها بدستور «طائفي»، وهي التي تمددت للعطف على «المستضعفين» الشيعة في عالمنا العربي، وكانت مستعدة من دون أي تردد ولا تزال لمحاربة «المستضعفين» السنة إذا ما ثاروا على نظام قمعي علماني بعثي مثل دولة «الأسد» في سورية منذ ثورة الإخوان عليها في الثمانينات حتى الآن، في موقف «طائفي» ثابت لا يتزحزح.

تصادف مع صعود الأصولية الشيعية صعود سلفية أصولية مماثلة، وهي تيار إسلامي غارق هو الآخر في التاريخ وصراعات السنة والشيعة، فتداخلت هاتان الحالتان الفكرية أو الذهنية مع السياسة الحقيقية فتعقدت العلاقات أكثر، ولكن كانت هناك دوماً مساحة للعقلاء مثل العاهل السعودي الملك عبدالله الذي طبع العلاقة مع إيران أثناء رئاسة عاقل آخر هو رفسنجاني، ثم انتكست العلاقة بصعود الرئيس الأصولي أحمدي نجاد الغارق هو الآخر في ثارات التاريخ وأوهام الأساطير، وعلى رغم ذلك حاول الملك السعودي تقريبه للعقل والمنطق ولكن من دون جدوى.

إذاً فإن السعي لتطبيع العلاقات مع إيران هو «سياسة حقيقية» مطلوبة لمصلحة المملكة، وتحصل كل يوم، جربتها السعودية مرات عدة، وتمارسها الإمارات حتى الآن بعلاقات اقتصادية هائلة على رغم موقفها الثابت المطالب باستعادة جزرها الثلاث المحتلة من إيران، وفعلته عُمان بزيارة رسمية من السلطان قابوس مستفتحاً بها عهد الرئيس الإيراني «الإصلاحي» روحاني، وقيل إن ثمة رسائل نقلت عبره من الولايات المتحدة.

القاعدة الثالثة وهي الأهم، أن أميركا والغرب تغيروا، لم تعد هناك أميركا العدوانية المستعدة أن تكلف وكالة استخباراتها للتآمر وإسقاط رئيس وزراء منتخب مثلما فعلت في الخمسينات في ملحمة الدكتور مصدق الشهيرة، التي شكلت أرضية الكراهية بين إيران الخميني والشيطان الأكبر، أميركا والغرب تخلوا عن طبائعهم «الاستعمارية» وشعورهم أنهم بوليس العالم الذي يتدخل لتغييره من الفيليبين حتى بنما مروراً بالعراق وأفغانستان ولبنان والخليج أيضاً، من سوء حظ السوريين أن لحظة التطهر هذه أصابت العالم الإمبريالي القديم، بينما هم في أمسّ الحاجة إلى «تدخل إمبريالي سافر» يخلصهم من طاغية مستعد أن يقتلهم بسلاح كيماوي.

لذلك فإن عقد مصالحة «وليس صفقة فهذه كلمة إمبريالية» مع إيران بات ممكناً أكثر من أي لحظة سياسية سبقت، ولكن المشكلة هي إيران، فالإيرانيون هم الوحيدون الذين لا يريدون أن يتغيروا، إنهم يريدون أن يوظفوا كل المتغيرات السابقة لمصلحة سياستهم، فالتفاوض على مشروعهم النووي يعني أن نستمر بالتفاوض ويستمر المشروع، والسعي لحل سلمي في سورية يعني أن يتوقف السعوديون والأتراك عن دعم المعارضة، بينما يستمرون هم في إرسال أطنان الأسلحة وآلاف الرجال ومعهم قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الحاج قاسم سليماني لحماية مقام السيدة زينب! وبينما يقومون بهذه المهمة «المقدسة» يبقون بشار أيضاً في الحكم، وليذهب كل الشعب السوري «التكفيري» إلى الجحيم.

مع رئيس مثل باراك أوباما يمكن للإيرانيين، بابتسامتهم العريضة، والطبطبة على الأكتاف، ومقالات الرئيس «اللطيف» روحاني ووعوده الحسنة في الصحف الأميركية، يمكن لهم أن يدخلوا الأميركيين في جو «تفاهم» مجرد تفاهم لأجل سلام دائم في المنطقة وليس صفقة، خلال تلك الأثناء يستمرون في إكمال مشاريع أحمدي نجاد ومن قبله المرشد الأعلى في المنطقة، ولكن بلطف ودماثة الشيخ روحاني.

المصدر: صحيفة الحياة