محمد النغيمش
محمد النغيمش
كاتب متخصص في الإدارة

«الضِلْع الأعوَج»

آراء

عندما تهزم المرأة نظيراتها في ميادين الحياة ربما تنعتها الخاسرات بأي صفة، لكن أن يتهمنها بأن فوزها كان بسبب «صفاتها الذكورية»؛ فهذا آخر ما يمكن تخيله! ولو قالها رجل ضد امرأة لقامت الدنيا ولم تقعد. غير أن هذا هو ما حدث مع العدّاءة الجنوب أفريقية كاستر سامينيا عندما فاجأت الجميع باختراق المركز الأول لمرات كثيرة أذهلت الناس؛ الأمر الذي دفع بكثير من الرياضيين إلى التحفظ على انضمام كاستر لبطولات عالمية، بعدما صارت تتفوق بصورة حيرت الجميع كما ذكرت «بي بي سي» في تقرير لها الأسبوع الماضي.

وبصرف النظر عن حقيقة مزاعم البعض بأن كاستر لديها هرمون ذكوري مرتفع عن المعدل الطبيعي، يبقى التساؤل الملح: لماذا نشكك أصلاً في المرأة فور تحقيقها إنجازاً لم نألفه أو لم نتوقعه؟ ومثلما نبرر لمعشر الرجال إنجازاتهم «المذهلة»؛ فلماذا لا نفعل الأمر نفسه للمرأة ونقول إن فلانة موهوبة أو عبقرية؟

كل عام أنظر إلى نسبة خريجات الجامعات العربية لأجد النساء يناهزن الرجال من ناحية عدد الخريجين، وهن ما زلن يشكلن في بلدان كثيرة نحو نصف القوى العاملة. غير أن المشكلة تبرز عندما يقتربن من المناصب القيادية؛ إذ هنا تبدأ أسماء النساء في التناقص، وهي مشكلة عالمية؛ وليست عربية فقط. فما زالت النساء يشكلن ما دون 12 في المائة من مجالس الإدارة العربية (بحسب ذاكرتي)، و30 في المائة عالمياً؛ بحسب منظمة العمل الدولية التي لاحظت أن النساء في مجالس الإدارة يعتبرن «الكتلة الحرجة» لما لها من آثار إيجابية على النتائج، كالتحاق عدد كبير من النساء بالإدارة العليا والوسطي بفضلهن، علاوة على المساهمة في تحقيق مكاسب في الابتكار والإبداع والسمعة.

ولا يتجاوز معدل النساء 25 في المائة من النواب في البرلمانات… هذا إذا كنّ جميعهن منتخبات أصلاً ولسن «كوتة» إجبارية محجوزة للنساء، بحسب تقرير الاتحاد البرلماني الدولي عام 2019. والدولة الوحيدة التي فيها أعلى نسبة من النساء (44 في المائة) من دون حصة «الكوتة» القانونية هي السويد؛ بحسب تقرير البنك الدولي. وفي الكويت كتبت 4 نساء تاريخ العمل البرلماني بأحرف من نور عندما اختارهن الناخبون من دوائر متعددة من دون «كوتة». غير أن المفارقة كانت عندما تراجع عددهن تدريجياً في الانتخابات التالية إلى مرشحة واحدة فقط من أصل 50 نائباً في مجلس الأمة! وهو تراجع يطرح علامات استفهام تستحق التأمل.

التحدي الآخر الذي يواجه النساء هو نظرة المجتمع الذي يحاول أن «يعفيها» من مهام محددة وإن كانت تحرص عليها. فما زلت أتذكر جيداً مداهمتين في لندن كانت فيهما «الشرطة النسائية» البريطانية في الصفوف الخلفية يرقبن عن بُعد لحظات المداهمة والاعتقال، وبعضهن اكتفين بدور المراقبة من دورية الشرطة. في مجتمعنا، أتذكر قصة أخرى تلخص نظرة كثيرين للمرأة، وهي عن ذلك الراكب الذي فتح حزام المقعد استعداداً للنزول من الطائرة فور سماع قائدة الطائرة وهي تعلن عن تشرفها بالإقلاع في أول رحلة نسائية في تاريخ خطوط طيرانها. حاول طاقم الطائرة إقناعه بصعوبة بالبقاء. وبعد هبوط الطائرة توجهت عدسات الإعلام إليه، وإلى ركاب آخرين، فسألته عن دوافع سلوكه، الذي برره بأنه لم يكن يتوقع أن للمرأة، عموماً، مقدرة على التحليق بطائرة بهذا الحجم! ولو أنه ركب مع النساء اللاتي التحقن بمقاتلات سلاح الجو العربي لربما باغتته سكتة قلبية!

هناك من يفسر حديث المرأة التي «خلقت من ضلع أعوج» بحسب أهوائه، وينسى أو يتناسى أن هذه الاختلافات البيولوجية والنفسية إنما خلقت لتكمل الرجل لا أن يتخذها مسوّغاً للتهكم أو مصادرة حقها في الاختيار.

المصدر: الشرق الأوسط