د. علي الطراح
د. علي الطراح
حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة متشجن الأميركية في عام 1984 . عمل مستشاراً ورئيساً للمكتب الثقافي لسفارة دولة الكويت في واشنطن 1989-1992 ومستشاراً إعلامياً ورئيس للمكتب الإعلامي في سفارة دولة الكويت في واشنطن 1992 - 1995 . عميد كلية العلوم الاجتماعية، وأستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت .

العنف الأسري.. ظاهرة عالمية

آراء

هل فكرنا يوماً في ظاهرة العنف ضد الرجال؟ الكل يتكلم عن العنف ضد المرأة بينما عنف المرأة ضد الرجل لا وجود له في صحافة اليوم. المرأة هي المخلوق الوديع والكل يعرف معنى ووجوب الرفق بالقوارير، بينما لا رفق بالرجال، في تصور البعض، على أساس أنهم غالباً في خانة الظالم للمرأة وحقوقها. غير أن العنف ظاهرة بشرية، لم يحدد لها جنس أو نوع، وإن كان الذكور، بطبيعة الحال، يحتلون مرتبة عالية في سجلات العنف، إلا أن ذلك لا يعني أن المرأة قد لا تقترب هي أيضاً من العنف. لقد احتفظت ببعض السجلات حول بعض قضايا العنف ضد الرجل، ووقعت عيناي على عناوين في بعض الصحف وهي تكتب: زوجة تجبر زوجها المسن على الإدمان لتخونه! وزوجة تحرق زوجها بالزيت! وما شابه هذا من عناوين ملفتة للانتباه فيما يتعلق بعنف المرأة أحياناً ضد الرجل. وتقول الإحصائيات في مصر مثلاً إن نسبة عنف المرأة ضد الرجل تقترب من 40 في المئة وفق أبحاث المركز القومي للبحوث الاجتماعية!

نحن نعرف أن العنف الأسري، وبالطبع منه العنف الموجه ضد المرأة، هو إحدى أهم المشاكل الاجتماعية، إلا أن الرجل كذلك أصبح له نصيبه من العنف الذي قد تمارسه المرأة ضده. وتقول صحيفة مغربية إن أحد المواقع المختصة بالدفاع عن الرجال حصر ما يقرب من 750 بلاغاً عن عنف من المرأة ضد الرجل الزوج، مما يؤكد انتشار ظاهرة عنف المرأة بشكل محسوس. وتقول بعض الدراسات إن عنف المرأة ضد الرجل غير مرتبط بشرائح اجتماعية معينة، بل يشمل مختلف الشرائح مما يعني أننا قد نجده في الطبقات الميسورة، والطبقات الفقيرة، وحتى الشرائح المتعلمة. كما تشير الدراسات أيضاً إلى أن بعض الرجال قد يمتازون بقوة الشخصية خارج محيط الأسرة، ولكنهم في الوقت نفسه في موقع ضعف في البيت. ويبدو أن التفسير النفسي والاجتماعي يتلاقى هنا أحياناً مع ما تعانيه المرأة في الأسرة العربية حيث عندما يمارس الرجل العنف ضدها، فقد تكون لديه معاناته النفسية في الصغر التي قد تترجم في سلوك العنف، بينما المرأة التي تمارس العنف ضد الرجل، هي غالباً ما تكون مصابة ببعض الاضطرابات النفسية التي قد تعود لعوامل التنشئة الاجتماعية، وأحياناً يأتي العنف لإشباع رغبات مريضة قد تكون لدى الرجل أو المرأة على السواء. وعلى كل حال، إن العنف بأشكاله المختلفة يعتبر إحدى الظواهر المنتشرة في العالم، وليس فقط كما يشاع منتشراً في المجتمعات التي تعتبر أقل تقدماً، ذلك أن المجتمعات التي توصف بالتقدم أو بالتحضر نجد أن حالات العنف في المحيط الأسري فيها تشكل إحدى أهم الظواهر الاجتماعية التي تسترعي الانتباه.

أما موضوع الأنوثة وارتباطها بالضعف فهو أيضاً ربما يكون بحاجة إلى مراجعة، مما يعني أنه ليس هناك طرف يمثل القوة والآخر يمثل الضعف. فظاهرة العنف الأسري بمفهومها العام سواء كانت ضد الأطفال أو النساء أو الرجال هي تعبير عن ضيق مساحة الحوار، وقد ترتبط أيضاً بجوانب نفسية في تكوين الشخصية. وأعتقد أن على الجمعيات النسائية المدافعة عن حقوق المرأة أن تعيد النظر في بعض المفاهيم التي قد يكون فيها تمييز ضد المرأة نفسها. فاليوم نعيش عالماً تمارس فيه الجريمة التي لا ترتبط بالنوع ولا حتى بالعمر، فجرائم العنف المختلفة تنتشر بفعل تطور تقنية الإنترنت والأفلام المختلفة التي تزيد من تفشي سلوك ومظاهر العنف.

المصدر: الإتحاد