العَلمانيّة بُعبُع «الإخوان»

آراء

كحال بقية الناس من حولي، كُلَّما سمعت كلمة «العَلمانيّة» أحسستُ وكأنني تعرضت لصعقة كهربائية عالية الشدة ترتعد منها فرائصي، عقود طويلة شعرتُ فيها بالرهبة لمجرد سماعها، حتى من دون أن أفطن لمعناها، فمن المسؤول الأول عن هذه الصورة الذهنية في عقولنا؟! «العلمانيون والإسلام» هو كتاب للمفكر الإخونجي محمد قطب، وكتاب آخر بعنوان «الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه» للإخونجي يوسف القرضاوي، كلا الكتابين يشن هجوماً شرساً على العَلمانيّة، ومراجعة سريعة لكتاب القرضاوي تبدأ من العنوان الذي يتجرأ ويفاضل بين الإسلام وفكرة ثقافية، موحياً بأن العلمانية هي بديل للإسلام، وأنها حرب عليه، على غلاف الكتاب رُسمتَ صورة أفْعَى تسعى، ومثل هذه الأغلفة الصحوجية تُنبئك مقدماً بأنك مقبلٌ على صفحات من التُرَّهات، ومع كل صفحة تجد أن العَلمانيّة هي اللادينية، وأن الخلاص والفلاح في مكتب إرشاد جماعة الإخوان.

أولى المغالطات عند الحديث عن العَلمانيّة تتمثل في اِستعراض معناها من سياقات تاريخية وثقافية لا تنتمي أصلاً لمجتمعنا، ولو كان القرضاوي منصفاً لطرحها ضمن سياقها الثقافي العربي، والذي يعني: أن العَلمانيّة تعترف بالدين مكوناً ثقافياً، وأن المؤسسات الدينية ليست السلطة العليا في الدولة، كما هو الحال في إيران ومبدأ «الولي الفقيه»، بل الدولة – حصراً – هي من تُسيّر مختلف المؤسسات الدينية وتشملها برعايتها، كما أن العَلمانيّة لا تعتمد على الدين في المفاضلة بين المواطنين أو التمييز بينهم، فالأطباء والمهندسون وعلماء الدين كلهم سواسية أمام الدولة والقانون، لما لهم من فضلٍ في خدمة المجتمع، وخيرهم خيرهم لوطنه، ولو دققنا في مفهوم العَلمانيّة وفق هذا المعنى سيتكشف لنا سبب الحملة الإخونجية عليها.

وقبل أن يُنظر الغرب لمفهوم العَلمانيّة، نجد في فكر سلف هذه الأمة من الفلاسفة والمؤرخين من فصَّلَ في شأن الدُّنْيَوِيَّة المرتبطة بالتطور البشري، وأن الإسلام ذاته يتمتع بمرونة التكيف مع التطورات الحياتية، بشكل يضمن تعايش مختلف وجهات النظر، ويصون التنوع الثقافي والاجتماعي، من منظور الحسنة في الدنيا والآخرة، وبهذا يكون الفصل بين الدين والدنيا فصلاً لا يستقيم إلا بالتكامل بينهما، باعتبار أن الدين يحض على العطاء الدُنيوي، مثلما يحض على العمل الأخروي.

وأخيراً، لست مع القائلين بأن «العَلمانيّة هي الحل» لاعتبارات عدة، أولهما أنني لا أقبل الطرح الشمولي للحلول المختزلة، فالتجربة الإنسانية بطبيعتها تتطور مع مرور الزمن، وثانياً أنني أرفض استخدام المنطلقات الإخونجية في غلق الأبواب أمام خيارات الدول والمجتمعات، ولأن العَلمانيّة هي واقع سواء اعترفنا بذلك أم أنكرنا، وتتجذر مع الوقت في مجتمعاتنا الوطنية الواعية بشكل سليم وصحي.

المصدر: الإمارات اليوم