خليل علي حيدر
خليل علي حيدر
كاتب كويتي

المرأة السعودية… في الصناعة والتجارة

آراء

منحت «شركة آرنست أنديونج» عام 2008، السيدة «نادية خالد الدوسري»، جائزة تفوق على مستوى الشرق الأوسط، بعد أن أجرت دراسة عن المملكة العربية السعودية آنذاك، واختارت «شركة السيل الشرقية للحديد والصلب» التي ترأس سيدة الأعمال السعودية مجلس إدارتها، كنموذج لتحفيز الاقتصاد الوطني.

وتقول الإعلامية «سهام حرب» في مقابلة أجرتها معها لصحيفة “القبس” الكويتية، إن السيدة السعودية، «كانت المرأة الوحيدة بين عدد من رجال الأعمال الذين نالوا تلك الجائزة، حتى أن إحدى المجلات أطلقت على الدوسري لقب المرأة الحديدية».

والواقع أن الدوسري كانت في المقابلة أبعد ما تكون عن الحديد بسبب هواياتها الفنية في مجال الرسم والموسيقى، و«اقتحامي عالم الأعمال جاء مصادفة وليس بناء على تخطيط مسبق». فقد تعرض زوجها لحادث أدى إلى دخوله في غيبوبة استمرت ثلاثة أشهر تلتها سنتان تأهيل. «مما اضطرني إلى أن استلم مقود القيادة في الشركة».

انحدرت السيدة الدوسري من أسرة في مجال الأعمال والاستثمار ووجدت نفسها باستمرار أمام قرارات مفصلية في مجال عملها، ولاشك أن هذه الشريحة من نساء المملكة أمام مسؤوليات اجتماعية واقتصادية كبيرة، مع كل هذه التحولات الجارية هناك، وبخاصة دخول المرأة السعودية الحياة العملية والإنتاجية على نطاق عريض: «المرأة السعودية من أقوى النساء في المنطقة، نظراً إلى كل ما تتعرض له من ضغوط اجتماعية، حيث لكل فعل رد فعل له مساو له بالقوة». وسيدة الأعمال السعودية، تضيف الدوسري، «لديها مشاركة كبيرة في مختلف قطاعات الأعمال، لكنها غالباً لا تكون في الواجهة، ولذلك فإننا على ثقة بأن مشاركة المرأة السعودية في التنمية كبيرة ولا يستهان بها، والكثيرون يراهنون على تعاظم دور المرأة السعودية في قطاعات الأعمال، لأنها لا تشكو كثيراً وتعمل بجد وتحرص على إثبات كفاءتها».

سيدة الأعمال السعودية «ألفت قباني»، نائب رئيس اللجنة الصناعية بغرفة جدة للتجارة والصناعة، تحدثت للشرق الأوسط 2012/2/11، عن تجربة مماثلة: «أحمد الله أنني تربيت في أسرة لا تفرق بين المرأة والرجل وتعطي للفتاة كامل حقوقها. كانت خطواتي الأولى عبر شركات العائلة التي تعلمت منها أصول وتقاليد التجارة والصناعة، ومنها دخلت إلى عالم الصناعة عبر شركات متخصصة في الصناعات التحويلية والعطور والبلاستيك».

وسألتها الصحيفة: أليس غريباً أن تدخلي مجال الصناعة قبل عقدين، في الوقت الذي كانت فيه معظم النساء مشغولات بفتح المشاغل وصالونات التجميل؟ فأجابت: «أستغرب أن ينحصر اهتمام المرأة بمجالات محددة في حين أن جميع المجالات، خصوصاً القطاع الصناعي مفتوحة أمامها، للأسف الشديد، نسبة مشاركة المرأة في القطاع الصناعي لا تتجاوز 2 في المائة رغم أن المرأة تشكل 51 في المئة من حجم السكان في السعودية».

رسمت السيدة قباني صورة غير متداولة كثيراً عن الوجه الصناعي والإنتاجي للمملكة: «لقد انتقلت الاستثمارات الصناعية في المملكة من خانة المليارات إلى التريليونات.. وحسب التقديرات الأخيرة فقد اقتربت من تريليوني ريال سعودي، منها نحو 214,5 مليار ريال استمارات أجنبية، وبالنسبة لعدد المصانع، فحسب إحصائية وزارة العمل فقد قفزت المنتجة منها في كافة مناطق المملكة إلى أكثر من خمسة آلاف مصنع، يعمل بها ما يقرب من 600 ألف عامل ومهندس وموظف أغلبهم من الرجال، حيث لا تتجاوز نسبة النساء بينهم 2 في المائة فقط. هناك 26 مدينة صناعية، بينها 14 تم الانتهاء من تطويرها، والبقية سيأتي عليها الدور».

وتجابه القطاع الصناعي السعودي عقبات وتحديات أكبرها، تقول السيدة قباني: «إقامة مناطق صناعية جديدة تستوعب الطلب المتزايد للصُناع. وهناك خطة طويلة المدى للجنة الصناعية بأن يجري توفير ما يقرب من 200 مليون متر مربع خلال السنوات العشر المقبلة.. وهناك أمور مهمة تحتاج إليها سيدات الأعمال للاتي يعملن في المجال الصناعي، منها تبسيط الإجراءات وإزالة الروتين.. مع وجود الحافز لمسألة التوظيف النسائي، ونشر ثقافة عمل المرأة، خصوصاً في القطاع الصناعي، وتغيير المفاهيم السائدة عن عمل الفتيات في المصانع، والارتقاء بنوعية وأساليب التدريب، وإقامة مشاريع صناعية تعمل فيها نساء يتم تجهيزها بالبنية التحتية والمرافق العامة، وحل مشكلة النقل والمواصلات وتأمين حاضنات أطفال بشكل مجاني أو بتكاليف رمزية في المناطق الصناعية».

وفي حديث للصحيفة أوضحت رئيسة قطاع سيدات الأعمال السعوديات في مجلس الغرف السعودية، أن عدد المشاريع الاستثمارية التي تمتلكها سيدات أعمال سعوديات تجاوز المائة ألف مشروع، يتجاوز حجمها الثلاثمائة مليار ريال، أي نحو 80 مليار دولار، كما بلغ عدد المنتسبات للغرف التجارية السعودية نحو أربعين ألف سيدة، أو 38750 سيدة. وقالت «هدى الجريسي»، رئيسة اللجنة الوطنية النسائية بمجلس الغرف السعودية للصحيفة إن «سيدات الأعمال السعوديات أصبحن رقماً لا يمكن تجاوزه، سواء من حيث عدد مشاريعهن أو حجم مقدرات هذه المشاريع، والتي أصبحت جزءاً أصيلاً في الاقتصاد الوطني».

قطاع الأغذية بات واحداً من القطاعات الجاذبة للاستثمارات النسائية في السعودية، بالنظر إلى تزايد عدد المطاعم والمقاهي ومتاجر الأغذية المملوكة لمستثمرات سعوديات في الآونة الأخيرة، في حين تكشف «هناء الزهير»، وهي نائب أمين عام صندوق الأمير سلطان بن عبدالعزيز لتنمية المرأة، أن نصيب المرأة في هذا القطاع تجاوز 12 في المئة، بحسب تقديرات المختصين».

وجاء في الصحيفة نفسها أن العمل جار حالياً على إنشاء أول «جمعية نسائية عقارية»، تتخذ من مدينة جدة مقراً لها، وتضم الجمعية في لجنتها التأسيسية 12 سيدة من المستثمرات في المدن الثلاث الرياض وجدة والدمام، بهدف النهوض بالحركة العقارية النسائية، حيث تتجه 50 في المئة من سيدات الأعمال للاستثمار في القطاع العقاري.

ماذا عن المرأة في مجال المقاولات والإنشاءات؟ إذ يلاحظ أن المرأة السعودية، كما سأل السيدة «أُلفت القباني» مندوب الصحيفة في نفس المقابلة التي أشرنا إليها، وحتى صاحبات الأسماء البارزة محدودة النشاط في مجال الإنشاء، «ولا تتعدى المنشآت الصغيرة».. فما السبب؟ وكان جواب السيدة قباني «إن عامل الخوف يعتبر أحد الأسباب الرئيسية في عدم إٍقدام المرأة على إنشاء مشاريع عملاقة».

وأضافت أن «الأرصدة النسائية المجمدة في البنوك التي تتجاوز 70 مليار ريال تكفي لبناء عشرين مدينة صناعية متكاملة والدخول في استثمارات متنوعة وإطلاق شركات كبيرة.. لكن البعض لا يزال يؤمن بأن «رأس المال جبان»، كما يقول المثل القديم.

ورغم ثقة السيدة قباني في المرأة السعودية داخل مجلس الشورى ودورها المأمول في صياغة القوانين واللوائح، إلا أنها بدت متخوفة من التحديات التي تجابه المرأة السعودية كي تنجح في الوصول إلى الوزارة. «فالدعم السياسي» قالت: «موجود على أعلى مستوى، لكن هناك ثلاث خطوات مهمة من وجهة نظري، تنقص المرأة السعودية لشغل هذه الوظائف، أولاها: امتلاك الخبرة والمعرفة والأدوات في مجال العمل العام، والثانية: الحصول على مساندة ودعم المجتمع بكل شرائحه وتصنيفاته، والخطوة الثالثة إتاحة الفرصة لها لتثبت وجودها».

ولا يختلف المتابعون للقضايا التنموية في السعودية أن نجاح المرأة في مختلف المجالات العامة بحاجة ماسة إلى الجهد العام والخاص، ولا يمكن للمرأة وحدها أن تتصدى لكل العوائق. ويبدو أن بعض الشركات الكبرى باتت تعي هذا الدور، حيث كشف مسؤول رفيع المستوى في مارس 2012 عن عزم «شركة سابك» إحدى أكبر شركات المملكة في المجال الصناعي، بالتوسع في توظيف المرأة السعودية خلال الفترة المقبلة، في ظلال تدني معدلات توظيف العنصر النسائي في الشركة مقارنة بالموظفين الشباب. وصرح نائب رئيس الشركة في الرياض أن «سياسة الشركة هي الاستثمار في الموارد البشرية، والنساء عنصر مهم في عملية التنمية لذلك الشركة تدري بجدية عملية التوسع في توظيفهن خلال الفترة المقبلة».

وبما أن المشاريع الصغيرة تلعب دوراً أساسياً في إدخال نساء المملكة إلى مجالات الانتاج، فقد أظهرت ندوة اقتصادية في أبريل 2012، أن الإجراءات والأنظمة تقف حائلاً أمام استمرارية 45 في المائة من المشاريع الصغيرة في السعودية. وبينت الندوة التي عقدت في مدينة «الخبر» شرقي المملكة أن إشكالية التمويل تأتي في المقام الثاني ضمن المعوقات بنسبة 35 في المئة، ثم صعوبات التسويق بنسبة 20 في المئة، ثم مشكلات العمالة وصعوبة الحصول على التأشيرات بنسبة 44 في المئة، ثم الصعوبات التقنية والمشاكل الإدارية، وأخيراً إشكالية توفر المعلومات وصعوبة الحصول عليها.

نجاحات المرأة السعودية وإخفاقاتها في مجال الاستثمار التجاري والصناعي هي بلاشك امتداد طبيعي للدور الجديد الذي باتت تقوم به وسط تحديات لا تحصى، تعيشها كل يوم الموظفات والشرائح المتوسطة والشعبية في المجتمع السعودي المتحول، ولاشك أنها قادرة على مجابهة هذه التحديات كما سنرى في مقالات قادمة.

المصدر: صحيفة الاتحاد