«المضاربة» على المشاريع تزيد من تسرب المقاولين وترفع تكلفة البناء في السعودية

أخبار

المشاريع العقارية

تسبّب عدد من العاملين في مجال الإنشاءات في تأخير إقامة كثير من المشاريع، ورفع أسعار المقاولين، وتعطيل بناء بعض المنشآت التي تجري إقامتها، وذلك بطريقة غير مباشرة، كما تسبّبوا بالمقام الأول في إيقاع القطاع الإنشائي في عمليات المضاربة بأسعار المقاولين الذين أصبحوا يتنقلون من مشروع إلى آخر باتباع قانون من يدفع لهم أكثر، رغم عدم إتمامهم المشروع الأصلي الذي تعاقدوا معه، بعد أن أصبحوا عملة نادرة في وجه التوسع العمراني الكبير الذي تشهده البلاد، في ظل غياب الرقابة الحكومية التي تردعهم عن ذلك.

كما أن لعدم سن القوانين الصارمة في وجه من يحاول تعطيل المشاريع، أمرا آخر أسهم في تفشي الظاهرة بشكل كبير بحسب تأكيدات عدد من المهتمين بالمجال العقاري، الذين أضافوا أن المقاولين أصبحوا يتركون المشاريع قبل إتمامها رغم ارتباطهم بعقود سابقة، الأمر الذي تسبب في رفع أسعارهم لأكثر من 10 في المائة على أقل تقدير، وهو الأمر الذي تسبب فيه أصحاب المشاريع أنفسهم بعد أن يقوموا بإغراء المقاول بأسعار أعلى من المشروع الذي يقيمه في الوقت الحالي.

وقال عبد الرحمن الموسى، المستثمر العقاري، إن بعض المستثمرين العقاريين تسببوا بشكل غير متعمد أو حتى متعمد، في رفع أجور المقاولين الذين يشهدون ضغطا كبيرا في الطلب نتيجة ندرتهم، في الوقت الذي تشهد فيه السوق العقارية إقامة مزيد من المشاريع العقارية التي تحتاج إلى أعداد أكبر من المقاولين، موضحا أن ظاهرة ترك المقاولين للمشاريع التي يعملون عليها والذهاب إلى مشاريع أخرى، انتشرت بشكل لا يمكن التغافل عنه، وهنا الحديث عن تكتلات المشاريع الحكومية التي تسحب أعدادا كبيرة من المقاولين، وأن لهذه العملية انعكاسا سلبيا يكبد صاحب المشروع خسائر مالية كبيرة من جراء التوقف المفاجئ.

وأضاف «المشكلة الأخرى التي تعد القاصمة أن بعض المقاولين يرفض استلام المشروع بعد أن يقوم بتركه المقاول الأساسي، لاختلاف طريقة البناء أو عدم ملاءمة نوعية البناء مع قدرات المقاول الجديد، الذي يفضل بناء المشروع من الخطوة الأولى حتى الانتهاء منه، لتحصيل أكبر فائدة ممكنة»، موضحا أن بعض ملاك المنشأة يقوم بتقبيلها عند توقف المقاول عن البناء وتوجهه إلى منشأة أخرى دفعت أكثر من العقد السابق.

وتشهد السوق العقارية السعودية حركة عمرانية كبيرة، وتعد من أكثر الأسواق نشاطا على مستوى الشرق الأوسط، وتنشط في الوقت الحالي الكثير من المشاريع العقارية الضخمة التي ستسهم بشكل مباشر في تقليص أزمة الإسكان التي تعانيها السعودية، وأقرت الدولة رزمة من القرارات العاجلة للمساهمة في احتواء الأزمة بأسرع وقت ممكن، في الوقت الذي يشهد فيه الطلب نموا كبيرا.

وفي الاتجاه نفسه، كشف إبراهيم العبيد، صاحب مكتب متخصص في الإنشاءات العقارية، عن أن السبب الرئيس في رفع المقاولين أسعارهم هو أصحاب القطاعات العقارية تحت الإنشاء أنفسهم، حيث بدأوا يضاربون من أجل الظفر بخدمات المقاولين، وبدأوا المزايدة في الأسعار، حتى رفع المقاولون الحد الأدنى في السعر، وبدأوا عملية عدم احترام العقود لعلمهم بأن هناك مشاريع أخرى تنتظرهم فور عزوفهم عن العقد الذي حرّروه على أنفسهم، خصوصا في المشاريع الصغرى التي تحتوي غالبا على ثغرات في العقد الذي وقعه صاحب المنشأة مع المقاول.

ويزيد العبيد أن نسبة ارتفاع أسعار المقاولين بسبب هذه العملية تلامس الـ10 في المائة، وهي نسبة كبيرة نظرا لضخامة المبلغ المدفوع الذي وصفه بأنه دفع من دون وجه حق، مبينا أن نسبة تسرب المقاولين من المشاريع ارتفعت إلى مستويات لا يمكن تجاهلها، موضحا أنه يجب وضع حد لهذه المضاربات، لأن الجميع بدأ يشعر بارتفاع الأسعار إلى مبالغ كبيرة استفاد منها المقاول، وهذه العملية أثرت بشكل مباشر على ارتفاع أسعار العقار بشكل عام في السعودية.

يشار إلى أن قطاع المقاولات في السعودية يعاني نقصا كبيرا في العمالة المنتمين إليه، نظرا للتوسع الكبير في المشاريع، خصوصا الحكومية، التي تسحب أعدادا كبيرة من العمالة، في الوقت الذي بقيت فيه أعداد العمالة على ما هي عليه، بل إنها تناقصت بفضل المهلة التي فرضتها سابقا وزارة العمل، والتي ألزمت بتصحيح الأوضاع، الأمر الذي دفع قطاع المقاولات إلى تحقيق عجز كبير في مجاراة المشاريع القائمة وتلبية الطلب عليها، أو حتى الاعتماد عليها، باعتبارها غير قادرة على تلبية جميع الطلبات التي ستنهال عليها في المستقبل، بل إنها لم توفر حتى الحجم الحالي للقطاع.

وفي صلب الموضوع، كشف ياسر المريشد، مستثمر عقاري، عن أن بعض المستثمرين يفسد بعضهم على بعض ويعطل بعضهم مشاريع بعض، باستقطاب المقاولين من مشاريع أخرى لم تنتهِ بعد، وذلك بإقناع المقاول بترك المشروع للقيام بمشاريعهم الخاصة مقابل رفع السعر، خصوصا إذا كان المقاول ذا سمعة ممتازة ومهارة عالية، موضحا أن عدم وجود قوانين رادعة جعل التنقل بين المنشآت قبل الانتهاء منها أمرا منتشرا في القطاع العقاري، في ظل النهضة العمرانية التي يشهدها القطاع.

ويضيف المريشد أن نسبة تسرب المقاولين من المشاريع تتجاوز الـ20 في المائة، وأن بعضهم يقوم بمماطلة صاحب العقد الأول حتى يستغني عنه دون أن يلحق المقاول أي جزاء، وأن بعضهم يقوم بالانسحاب مباشرة بعد أن يقوم بقبض الدفعة الأولى من المبلغ المتفق عليه بعد أن يقوم ببناء المرحلة الأولى، ومن ثم يعتذر لصاحب المشروع بأن التكلفة تفوق قيمة العرض، فهو بالخيار إما أن يزيد المبلغ أو يفض العقد، وهي جميعا تقع في مصلحة المقاول الذي يتنقل بين المشاريع باحثا عن مصلحته، تاركا المشاريع التي يتركها متعطلة، متسببا بذلك في خسارة اقتصادية تنعكس تبعاتها على القطاع الاقتصادي ككل.

يشار إلى أن السعودية سمحت أخيرا بدخول شركات المقاولات الأجنبية المعروفة للعمل في المملكة، من دون الحاجة لإخضاعها للإجراءات المعمول بها في وكالة تصنيف المقاولين، في الوقت الذي يشهد فيه القطاع انخفاضا كبيرا في أعداد شركات المقاولات إلى مستويات لا تلائم النهضة العمرانية التي تعيشها البلاد. كما أن لقرار وزارة العمل تنظيم العمالة الذي أتمته نهاية العام الهجري الماضي، دورا في تقليص أعداد عمالة المقاولات، ما يعني أن القرار جاء في الوقت الذي تعيش فيه السوق أزمة حقيقية في نقص المقاولين، ما يفتح المجال لأن تسد هذه الشركات العجز الموجود حاليا في قطاع المقاولات.

المصدر: الرياض: عبد الإله الشديد – الشرق الأوسط