د. عبدالله المدني
د. عبدالله المدني
أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين

الموقف الهندي من الأزمة السورية

آراء

منذ بدء الأزمة السورية، وإنطلاق حرب نظام الأسد ضد شعبه الأعزل ظل الموقف الرسمي للحكومة الهندية أقرب إلى تأييد الأسد منه إلى الوقوف على الحياد على الأقل الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات، خصوصا وأن الهند تعتبر نفسها رمزاً للسلام واللاعنف، ونصيرة للشعوب الباحثة عن الحرية والديمقراطية.
يمكن اختصار الموقف الهندي بالقول أنه موقف يعارض التدخل العسكري الخارجي في الصراع من قبل القوى الغربية مما يجعله متناغما مع الموقفين الروسي والإيراني وأيضا مع الموقف الصيني، ويرى أن حل الصراع غير ممكن بالقوة وإنما عبر الحوار (تصريح مسؤول في الخارجية الهندية في عام 2013) ويرفض تقسيم الإرهاب في سوريا إلى حميد وخبيث (تصريح رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي).
بعض المراقبين الهنود يرى في مواقف بلاده هذه مواقف واقعية وإنعكاسا لسياسة التزمت بها نيودلهي طويلا وهي سياسة عدم إقحام نفسها في الشؤون والنزاعات الداخلية للدول الأخرى، إلا إذا تعرضت مصالح الهند الاستراتيجية للتهديد. وهكذا فطالما أن سوريا بعيدة عن الهند جغرافيا ولا يشكل ما يجري فيها خطراً عليها في هذه المرحلة، فإن الأفضل النأي بالنفس عن أزمتها مع الاحتفاظ بحق التحرك إذا ما تطورت الأمور ونجحت القوى المتطرفة في الوصول إلى السلطة في دمشق وقررت مد أبصارها إلى منطقة الخليج التي تُعتبر بالنسبة للهند مصدرا للطاقة والتحويلات المالية وسوقا معتبرا للصادرات الهندية (قال وزير الشؤون الخارجية الهندي السابق سلمان خورشيد شيئاً من هذا في أكتوبر 2013 على هامش مشاركته في مفاوضات جنيف 2 لحل الأزمة السورية ثم كرره في مقابلة مع رئيس تحرير مجلة المجلة السعودية في فبراير 2014).
أما البعض الآخر فيرى أن الهند الطامحة لدخول مجلس الأمن كعضو دائم العضوية، عليها أن تثبت من الآن جدارتها للجلوس بين الكبار، وذلك بلعب دور دبلوماسي بناء يؤدي إلى إيقاف النزيف والدمار المستمرين في سوريا منذ أربع سنوات، وذلك عبر استخدام علاقاتها الجيدة مع الدولتين المنخرطتين في الصراع السوري وهما إيران وروسيا، ناهيك عن علاقاتها الجيدة مع القطب الامريكي وروابطها القديمة مع نظام الأسد، وألا تضحي بعلاقاتها ومصالحها مع العالم العربي الأوسع من أجل نظام منتهي الصلاحية.
والحقيقة أن الفرصة كانت سانحة للهند للعب مثل هذا الدور يوم أن إتفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الهندي السابق مانموهان سينغ في موسكو في اكتوبر 2013 على ترشيح الهند للمشاركة في مفاوضات جنيف 2، لكنها لم تستغل تلك الفرصة، بل استبقتها باستقبال بثينة شعبان المستشارة الاعلامية للأسد على أراضيها، فيما ظلت علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق قائمة وسفارتها في الاخيرة مفتوحة وتعمل من خلال قائم بالأعمال أي على العكس من دول أخرى كثيرة قررت إغلاق سفاراتها في العاصمة السورية احتجاجاً واستنكارا للممارسات الاجرامية للنظام.
ما سبق يؤكد ويدلل على ان الموقف الهندي أقرب إلى موالاة النظام الأسدي منه إلى تأييد الثورة السورية أو على الأقل اتخاذ موقف محايد في الصراع. لكن ماهي الأسباب التي تجعل كبرى ديمقراطيات العالم تتبنى مثل هذه السياسة يا تُرى؟.
بعض الإجابة نجده في ارتباط البلدين منذ نيلهما الإستقلال بعلاقات ود وتعاون وتنسيق وطيدة ومتواصلة، تتوجت في الخمسينات بتبادل الزيارات الرسمية بين بطلي الاستقلال في البلدين، جواهر لال نهرو وشكري القوتلي. هذه العلاقات سرعان ما تعززت بدخول سوريا في اتحاد فيدرالي مع مصر تحت قيادة الرئيس عبدالناصر الذي كان صديقا شخصيا لنهرو وشريكا له في اطلاق حركة عدم الانحياز.
وحتى بعد مجيء عائلة الأسد إلى السلطة وشروعها في تأسيس حكم دكتاتوري، ظلت العلاقات الهندية السورية وطيدة ومتنامية بدليل قيام الأسد الأب بزيارتين رسميتين إلى نيودلهي في عامي 1978 و1983 وقيام الأسد الإبن بزيارة مماثلة في عام 2008، ناهيك عن زيارة رئيس الحكومة الهندية الأسبق أتال بيهاري فاجبايي إلى دمشق في عام، وزيارة رئيسة الجمهورية الهندية براتيبا باتيل إليها في عام 2010.
ويمكن القول إن ثلاثة عوامل لعبت دوراً في تمتع الطرفين بعلاقات متميزة طيلة هذه السنوات. أولها: مواقف الأنظمة والحكومات السورية المتعاقبة المؤيدة للهند في ما يتعلق بقضية كشمير التي تعتبر قضية هندية مركزية، مقابل مواقف الهند المشرفة إجمالا من قضية الصراع العربي  الإسرائيلي. وثانيها: ارتباط كلا البلدين على مدى عقود بروابط استراتيجية مع موسكو في مواجهةالنفوذ الغربي في منطقتي الشرق الاوسط وجنوب آسيا. وثالثها: نظر كل منهما إلى الآخر كدولة تجسد الفكر العلماني في محيطها. وإذا كان هذا التجسيد في الحالة السورية قد شابه التشوه بتوجهات وسياسات بشار الأسد الحمقاء من اجل البقاء في السلطة، فإنه في الحالة الهندية باقية وصامدة كعنصر جوهري من عناصر استمرارية الكيان الهندي متعدد الأعراق والثقافات والديانات.
ويتبين لنا أسباب الموقف الهندي بصورة أجلى إذا ما أضفنا إلى ما سبق بيانه حقيقة أن الهند قلقة من احتمالات صعود الإسلام السياسي المتطرف إلى السلطة في دمشق كبديل لنظام الأسد. ذلك أن نيودلهي تتملكها حساسية مفرطة من حركات الإسلام السياسي على نحو ما ظهر في مواقفها من حركة طالبان الأفغانية والتنظيمات المتحالفة مع الأخيرة في جنوب ووسط وجنوب شرق آسيا، فما بالك حينما تكون هذه الحركات ذات أجندة إرهابية ووحشية كما هو الحال مع تنظيمي داعش والنصرة في سوريا اللتين هما نسخة طبق الأصل من تنظيم القاعدة الذي سبق له، على لسان زعيمه أيمن الظواهري، أن هدد الهند صراحة في سبتمبر 2014.
وإذا كان هذا هو الموقف الرسمي الهندي فإن الموقف الشعبي مختلف تماماً وتجسده التعليقات والأعمدة التي تظهر في الصحافة الهندية الحرة، وكلها تنتقد الممارسات الوحشية لنظام الأسد، خصوصا بعدما شاعت في وسائل الإعلام التقليدية والحديثة صورة الطفل الكردي الغريق إيلان، ومشاهد تدفق اللاجئين السوريين على اوروبا، وارتكاب الدواعش لجرائم دموية وحشية، وآثار القصف الجوي المتواصل على المدن والبلدات والمدنيين العزل. بل أن مسؤولين هنود سابقين من أمثال سفير الهند الأسبق في دمشق ما بين عامي 1992 1996، ووكيل خارجيتها ما بين 2001  2004 راجيندرا أبينكار قال لصحيفة «وول ستريت جورنال» ان بلاده ملزمة انسانياً واخلاقياً القيام بدور في الازمة السورية بعدما نصحت نظام الاسد مراراً بضرورة التخلي عن النهج الديكتاتوري والقمعي والاستماع الى رغبات شعبه، فلم يصغ الى نصائحها.

المصدر: صحيفة الأيام