الوطنية قبل الحياد

آراء

هذه هي الحرب فلا تستغربوا تضارب الأخبار واختلاف الروايات، فكل الأطراف في المواجهات المباشرة لا تقول الحقيقة، وأقصد هنا الحقيقة المحايدة والمجردة من العواطف، ولا يمكن أن تطالب بذلك، لأنها تنطلق من رؤية وطنية لحدث مصيري، حيث يصطف الجميع خلف جيش بلادهم، ويدعمون مواقف قياداتهم، دون أن يناقشوا الخطأ والصواب، فتلك «السفسطات» يحين وقتها بعد أن تعود الأسلحة إلى مخازنها والجنود إلى ثكناتهم.

أوروبا تريد من «روسيا اليوم» و«سبوتنيك» أن تكونا محايدتين في حرب أوكرانيا وألا تنحازا لبلادهما، وهذا طلب يثير الدهشة، فأوروبا هي أول من اخترع فنون استخدام الإعلام في المعركة كما يقولون، وكان الراديو فاعلاً في الحرب العالمية الثانية، منها كان يستقي الناس تطورات الأحداث ومتغيراتها، ويستمعون إلى تطمينات القادة، ويتابعون تراجعات الأعداء وهزائمهم في الجبهات، سواء كان ذلك واقعاً أو من نسج خيال معد التقارير الجالس خلف مكتبه في الإذاعة، وفي المقابل كان «غوبلز» وزير الدعاية النازية وصاحب قواعد التأثير النفسي للإعلام خلال الحرب يواجه بقية أوروبا بإذاعات ناطقة بكل اللغات تستقطب المتعاونين والمتعاطفين حول العالم، ولهذا بدأت أوروبا قراراتها بمقاطعة روسيا بإدراج وسائل إعلامها لمنعها من الوصول إلى الرأي العام الغربي، وقطع بث تلك الوسائل، وفي المقابل قرر بوتين أن يسكت الإعلام الأوكراني، فأنذر ثم نفذ بقصف طال مبنى التلفزيون بقذائف مدمرة يوم الثلاثاء، والمبرر أن تلك الوسائل الإعلامية منحازة لبلادها!

هذه هي الحرب، وفي الحرب يباح القتل وتدمير المدن والبنى التحتية، ومن بعد ذلك لا توجد محظورات لأنها لا ترقى إلى مستوى الموت، فتبدأ الإشاعات والأقاويل المخادعة، ثم تلحق بها البيانات الرسمية بمعلوماتها المزيفة، وتتبعها التقارير الإعلامية المحبطة لمعنويات الخصوم، والهادفة إلى إحداث إرباك بين صفوفهم، وفي النهاية يقع اللوم على الإعلام لأنه وقف في صف بلاده، ويجازى بحجبه أو تدميره.

المصدر: البيان