الوطنية وسبل تعزيزها

آراء

«إذا كنا في هذه الدولة نستقل سفينة واحدة هي سفينة الاتحاد، فعلينا جميعاً أن نعمل على تحقيق سلامتها حتى تستمر مسيرتها وتصل إلى بر الأمان».

تصريح مضى عليه سنوات طوال، وكأن قائله يستقرئ المستقبل ويدرك مدى أهمية تعزيز الوطنية وتقوية النسيج المجتمعي.

«الوطنية»، ما أحوجنا إلى هذا المفهوم في ظل الأمواج المتلاطمة من النعرات الطائفية والعرقية التي تعصف بالعالم العربي، تدفع بدورها بسفينة الأوطان والنسيج المجتمعي إلى بحر لجي تغشاه ظلمات فوقها ظلمات، لترسو في نهاية المطاف في ساحل لا يعرف للاستقرار والتنمية سبيلاً.
ولكي نسير مع القارئ بعيداً في تناول مفهوم الوطنية وسبل تعزيزها، نطرح عدداً من التساؤلات التي من شأن الإجابة عليها أن تعطي صورة أوضح في هذا الشأن. وتأتي التساؤلات على النحو التالي:

1- ما هو مفهوم الوطنية؟

2- ما هو دور الهُوية الوطنية في مقابل الهُويات الأخرى؟

3- ما هي العوامل التي تلعب سواء دوراً سلبياً أو إيجابياً في تعزيز الوطنية؟

4- كيف يمكن تعزيز الوطنية في المجتمع؟

يرى سليمان الطماوي في كتابه الوحدة الوطنية، أن الوطنية هي انتماء الإنسان إلى دولة معينة يحمل جنسيتها ويدين بالولاء لها، على اعتبار أن الدولة ما هي سوى جماعة من الناس تستقر في إقليم محدد وتخضع لحكومة منظمة. إذن تتلخص الوطنية في مفهومي الولاء والانتماء، بحيث يأتي الإنسان هنا في ولائه مجرداً من أي اعتبارات أخرى.

ولعل تساؤلاً يتبادر إلى ذهن القارئ مفاده هو هل إن هذا الأمر يعني أن ينسلخ الإنسان من هُوياته الأخرى؟

على العكس تماماً، بل لابد ومن منطلق تعزيز الوطنية أن يُظهر الإنسان اعتزازه وانتماءه لهويته سواء هُوية اللغة أو الدين أو العرق أو غير ذلك. وتأتي الهُوية الوطنية معززة لبقية الهُويات ومُهيئة لبيئة من التآلف داخل المجتمع خاصة في ذلك المجتمع الذي يحمل بين جنباته مزيجاً من هُويات مختلفة باختلاف الأعراق والأديان واللغات.

وتأتي السلطة الحاكمة والشعب بوصفهما ضلعي العامل الداخلي لتعزيز الوطنية في مقابل العامل الخارجي.

إن السلطة الحاكمة التي تلقى استحسان الشعب وتصبح جزءاً لا يتجزأ منه، تصبح عاملاً رئيساً في تعزيز الوطنية، وذلك عن طريق توظيفها لجميع الوسائل لتحقيق ذلك الأمر. فالتأكيد على حقوق الشعب وتوفير الحرية والمساواة والضمانات الدستورية، بالإضافة إلى السعي الدائم لتحقيق التنمية المستدامة، ونشر روح الوسطية في المجتمع، هي عناصر مهمة يجب أن تضطلع بها السلطة الحاكمة لتعزيز الوطنية.

كما أن التوظيف الصحيح لوسائل الإعلام بحيث تعكس الرؤية الصحيحة لاحتياجات المجتمع للسلطة الحاكمة، وتعزيز الوطنية في المناهج الدراسية، واستغلال المناسبات الوطنية لإبراز القواسم المشتركة للمجتمع من خلال تاريخ الوطن والشخصيات الوطنية ورموز المجتمع، لاشك أنها وسائل تساعد السلطة الحاكمة في الدفع باتجاه تعزيز النسيج المجتمعي، فالقواسم التاريخية المشتركة تُعد عاملاً قوياً لانصهار المجتمع وتآلفه.

ويأتي دور الشعب هنا ليكون عاملاً رئيسياً في تعزيز الوحدة الوطنية، فتقبل الآخر ومعرفة الخط الرفيع بين الاعتزاز بالهوية سواء هُوية اللغة أو الدين أو العرق، وبين الهُوية الوطنية، هو أمر غاية في الأهمية يجب أن يدركه الشعب ويسعى لتعزيزه لينعكس بدوره إيجابياً على المجتمع.

وحين تُستخدم عبارة «الشعب» دون تصنيفات داخلية فإن لها دلالاتها التي تسير باتجاه النسيج المجتمعي ككتلة واحدة. ففي الوقت الذي يأتي فيه الدستور ليؤكد على التنوع داخل المجتمع وضمان الحريات للجميع، لا يعني هذا أن يأتي هذا التصنيف على حساب التكامل في المجتمع. ولذا يتوجب أن تأتي عبارات من قبيل الشعب أو المواطنين أو غيرها دون تفصيلات داخلية لتكون تعبيراً حقيقياً للإرادة الحقيقية لمختلف الأطياف والأعراق في الدولة الواحدة للوصول بالتالي إلى تفاهمات تعزز بدورها الوحدة الوطنية وتعلي كعب مصلحة الوطن على ما سواه.

ويأتي الشعب ليضطلع بدوره الحيوي والمهم في تحقيق الوحدة الوطنية. فكفل الحريات للشعب لا يعني أن يأتي هذا الأمر على حساب المصلحة الوطنية وأمن الوطن، بل يجب توظيف مثل هذه الحريات للتأكيد على الوحدة الوطنية وضمان التماسك الاجتماعي للحفاظ على هذه المكتسبات وضمان استمراريتها.

أما العامل الخارجي فيمكن تلخيصه في أن جميع الدول تسعى في سبيل تحقيق مصالحها إلى تبني العديد من الاستراتيجيات، منها ما يأتي حتى على حساب دول أخرى واستقرارها. ويعتبر البعد الديني أو المذهبي أو العرقي، من أخطر الوسائل التي تسعى الدول لتوظيفها خدمة لتحقيق مصالحها. فقد شهد العالم العربي في الفترة الأخيرة تصاعداً للاستقطاب المذهبي ولم يكن العامل الخارجي ببعيد عن ذلك المشهد، بل أصبح عنصراً فعالاً في تأجيج مثل تلك النعرات التي دفعت بدورها إلى إحداث أضرار جسيمة بالنسيج المجتمعي ولا تزال الشواهد حاضرة حتى يومنا هذا ومرشحة للتصعيد في حال انكشاف تلك الدول على العامل الخارجي الذي لن يتوانى في استغلال هذا الأمر لخدمة مصالحه.

ولنعلم يقيناً أن العامل الخارجي يأتي على الدوام باحثاً عن تحقيق مصالحه. وحتى إذا ما وجدنا سعياً من قبل العامل الخارجي لتهدئة الوضع في دولة ما من خلال توظيف أدواته للتأثير على طائفة أو عرق معين، فإن هذا الأمر قد جاء لأنه يتوافق مع مصالحه بالدرجة الأولى.

التأكيد على الوحدة الوطنية وتغليبها على الولاءات العابرة للحدود، سيبقى الطريق الوحيدة نحو التنمية وتحقيق رغبات الشعوب التي فجرت تلك الثورات، التي أصبحت وبالاً عليها نتيجة تغليب المصالح الشخصية على مصلحة الوطن ونبذ الآخر.

«وكيف هي الوطنية وسبل تعزيزها في دولة الإمارات العربية المتحدة؟» يتساءل القارئ.

ونجيب: ألا تعلم أن قائل التصريح الذي بدأنا به هذا المقال هو حكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- وألا تعلم أننا على خطاه ومن وراء قيادتنا سائرون؟

«إننا أبناء زايد، وزايد هُوية وطن».

المصدر: صحيفة الاتحاد