عبدالله النعيمي
عبدالله النعيمي
كاتب وروائي إماراتي

اليأس الإيجابي

آراء

قد يستغرب القارئ الكريم من وصف شعور سلبي مثل اليأس بالإيجابية، وهو استغراب مبرر طبعاً، ولكن الغموض سينجلي من تلقاء نفسه، عندما نلمس فعالية هذا الشعور في علاج حالات غير صحية، يمكن أن نطلق عليها مسمى «الأمل الكاذب».

فالإنسان في مراحل استثنائية من حياته، وتحت وطأة ظروف معينة، يرى الوهم في صورة أمل، فيتشبث به، تشبث الغريق بطوق نجاته، ويمارس مع نفسه كل الحيل اللاشعورية، لإقناعها بمنطقية أحلامه، لكن مع مرور الأيام وتكرار خيبات الأمل، تسطع شمس الحقيقة في وجهه، وكلما تأخر وقت السطوع كانت الخسارة أكبر.

فلاعب الكرة صاحب القدرات المتواضعة، عندما يحلم باللعب في صفوف ناد عالمي، فهو في واقع الأمر يتمسك بأمل كاذب، غير قابل للتحقق في الظروف الطبيعية، وبالتالي يكون في حاجة ماسة للاستيقاظ من هذا الوهم، لإعادة توجيه بوصلته نحو حلم آخر، أكثر توافقاً مع قدراته.

والأمر نفسه ينطبق على المشاعر، فالفتاة التي تتشبث بأمل الارتباط بشاب لم يضعها يوماً في حسبانه، هي في واقع الأمر ترتكب جريمة في حق نفسها، وتهدر على نفسها الكثير من الفرص، وقد يأتي عليها يوم، تندم فيه على كل دقيقة أضاعتها في انتظار سراب كاذب.

قبل أيام التقيت بفنان قديم، قليل الظهور حالياً، وأثناء حديثي معه، سألته عن أسباب ابتعاده عن التمثيل، فأجابني قائلاً «ضللت لسنوات طويلة أحلم بالنجومية، وبذلت الغالي والنفيس للوصول إليها، ولكن السنوات كانت تمر من دون أن أتقدم خطوة واحدة باتجاهها، ورغم أني كنت أكثر أبناء جيلي التزاماً واجتهاداً، إلا أنني كنت أقلهم حظاً في النجاح والشهرة.

وبمرور الوقت، وجدت نفسي خارج دائرة اهتمام المخرجين والمنتجين، فتسلل اليأس إلى نفسي، ولكنه كان يأساً إيجابياً، أيقظني من سباتي الطويل، ودفعني إلى إعادة توجيه بوصلتي تجاه آمال جديدة، أكثر واقعية، وها أنا ذا أحقق نجاحات لافتة في مجالات أخرى، ملأت علي حياتي، وأعادت لي ثقتي بنفسي، وأسهمت في تصحيح الكثير من أخطائي السابقة».

بمجرد انتهائه من سرد حكايته، تبلورت في ذهني فكرة هذا المقال، وبدأت في القراءة عن اليأس الإيجابي، فوجدته مناقضاً تماماً لمفهوم اليأس المتعارف عليه، فإذا كان الثاني مرضاً، فالأول شفاء، وإذا كان الثاني غيبوبة، فالأول استفاقة، وإذا كان الثاني عتمة، فالأول ضياء ونور.

وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال عميق يقول «كم شخصاً منا لديه الرغبة في اليأس من أمل كاذب يستوطن عقله وفؤاده؟».

سأترك الإجابة لكم، ولكن من المهم أن أشير في هذا الصدد إلى أن الرغبة في الشيء هي المولدة للقدرة عليه، ومن دونها سيبقى الإنسان أسيراً لأوهامه، وعاجزاً عن تصحيح مساره.

المصدر: الرؤية