عبدالله النعيمي
عبدالله النعيمي
كاتب وروائي إماراتي

حكمة هندية!

آراء

عندما عاد الطفل الهندي إلى أمه باكياً وشاكياً إليها تعرضه للضرب المبرح من أفراد ينتمون إلى طائفة دينية أخرى, ومتوعداً بأن ينتقم من جميع أفراد تلك الطائفة, لاحظت الأم الذكية صفة التعميم التي تصاحب حديث طفلها, فخافت منها, وحرصت على أن تجتثها من ذهنه الصغير والنقي وغير الملوث.

فرسمت له خطاً عمودياً مستقيماً, كتبت على يمينه الأخيار, وكتبت على يساره الأشرار, لتوضح له حقيقة مهمة, مفادها أن الأخيار موجودين في كل مجتمع, بغض النظر عن جنسيته أو ديانته, وأن الأشرار أيضاً موجودين في كل مجتمع, مهما كانت جنسيته أو ديانته. وعليه, فيجب أن يدرك صغيرها بأن السلوك الصحيح, هو التصدي للأشرار حيثما وجدوا, أما الأخيار فهم جديرون جداً بالاحترام في أي مجتمعٍ كانوا.

هذا المشهد تضمن واحدة من أهم وأعمق الرسائل الأخلاقية التي أراد المخرج الهندي جوهر كاران تمريرها إلى المشاهدين عبر عمله السينمائي الخالد My name is khan , الذي أنتجته بوليود في 12 فبراير 2010 , وحقق حينها إيرادات تجاوزت 37 مليون دولار.

وفي تاريخنا الإسلامي الجميل ظهروا أخياراً كُثر خدموا البشرية وساهموا في نهضتها ورفعة شأنها, ابتداءً بخير البشر سيدنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) , الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة, وانتهاءً بطفلٍ صغير يميط الأذى من الطريق امتثالاً لتعاليم دينه. وفي الأمم الأخرى كذلك ظهروا أخياراً كُثر خدموا البشرية وساهموا في رفعة شأنها, كل في مجالة, سواء كان علمياً أو فكرياً أو فنياً.

وفي المقابل ظهر الكثير من الأشرار في مختلف المجتمعات والأمم, ولم ينحصر وجودهم في مجتمع دون غيره. فرأينا زعماء المافيا يستوطنون صقلية, وينشرون الرعب والفساد في مشارق الأرض ومغاربها, ورأينا كذلك أفراد تنظيم القاعدة يدكون أبراج التجارة في منهاتن, ويتسببون في مآسي وويلات أعطت ذريعة للغرب لضرب دول إسلامية بأكملها, وتشريد شعوبها وتبديد مواردها.

هنا تظهر خطورة التعميم, فعندما دُكت أبراج التجارة في منهاتن, كان المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة أول المتضررين, وكم من طالب علم اضطر لقطع دراسته, وكم من مريض اضطر لقطع علاجه, وكم من تاجر اضطر لتصفية تجارته, كل ذلك خوفاً من موجة الكراهية التي سادت في المجتمع الأمريكي حينها ضد المسلمين, الذين كانوا ضحية لتعميم جائر وغير منصف, ألصق تهمة الإرهاب بهم جميعهم بغض النظر عن خلفياتهم الفكرية والأخلاقية, في حين أن الحقيقة الدامغة تشير وبوضوح إلى أن الإرهاب ظهر من فئة شريرة, من الممكن أن تظهر في أي مجتمع, ولا تمثل بالضرورة أخلاقيات جميع أفراده.

من وجهة نظري الشخصية, أرى أنه من الضروري جداً أن نرسم نفس الخط الذي رسمته تلك الأم الهندية الخائفة على طفلها, وأن نفرق ما بين الأخيار والأشرار في كل مجتمع, دون الوقوع في خطيئة التعميم, لعل وعسى أن تستيقظ الإنسانية من سباتها الطويل, وأن تسود ثقافة التسامح بين مختلف الثقافات والأديان, وأن تتوحد جهود أخيار العالم لمواجهة مكائد صُناع الموت وأعداء الحياة.

المصدر: صحيفة الرؤية