عبدالله النعيمي
عبدالله النعيمي
كاتب وروائي إماراتي

هل سقطت الأندلس فعلاً؟

آراء

هذا السؤال تبادر إلى ذهني للمرة الأولى، وأنا أتابع مراسم تتويج المنتخب الإسباني بطلاً لكأس العالم بعد فوزه على منتخب هولندا في نهائي مونديال 2010 الذي أقيم في العاصمة الجنوب أفريقية جوهانسبيرغ.

وازداد إلحاحاً بعد اطلاعي على ملامح النهضة الشاملة التي شهدتها إسبانيا في القرن المنصرم، والتي جعلت منها قبلة للسياح المتعطشين لمشاهدة الفنون، وتذوق الأدب، ومتابعة الرياضة.

ولا يخفى على القارئ الكريم بأن ما يعرف اليوم بشبه الجزيرة الإيبيرية، والتي تتكون من مملكتي إسبانيا والبرتغال حالياً، هي نفسها بلاد الأندلس التي حكمها المسلمون قروناً طويلة، ووصلوا فيها إلى ذروة نهضتهم ومجدهم، وخسروها بعد تنازل أبي عبدالله الصغير عن حكم غرناطة، آخر معاقل المسلمين فيها، وتسلميها طوعاً لفرينانديو وإيزابيلا، في مشهد درامتيكي حزين، قالت على إثره والدته الأميرة عائشة الحرة مقولتها الشهيرة «ابكِ كالنساء ملكاً مضاعاً، لم تحافظ عليه مثل الرجال».

نعم، لقد سقطت الأندلس بمعاييرنا نحن كمسلمين، فالخروج من ملة الإسلام سقوط عقائدي ما بعده سقوط، ولكن ماذا عن معايير الأمم الأخرى التي تركز على مؤشرات البناء والتنمية، والتي تنظر لخروج بلاد الأندلس من عباءة الحكم الإسلامي على أنه طوق نجاة ساعدها على اللحاق بركب النهضة الشاملة التي عمت أوروبا بعد خروجها من عصور الظلام؟
فالواقع يقول إن وضع إسبانيا اليوم أفضل بمراحل من معظم الدول العربية والإسلامية، حتى، وهي تعاني حالياً من أزمة اقتصادية خانقة، ومعدلات بطالة مرتفعة.

تفسير هذه الحالة ليس شائكاً، كما يظن البعض، فالخلل لم يكن يوماً في الإسلام كدين سماوي عظيم، ارتضاه الخالق، عز وجل، لنا وأسهم في إخراج أجدادنا الأوائل من جاهلية البسوس إلى نور وهدي محمد، صلى الله عليه وسلم، بل في ممارسات من ارتدوا لباس الدين، لتحقيق مصالحهم الشخصية، وجعلوا منه مطية يمتطونها للوصول إلى مآربهم الدنيوية، والتي تسيء إلى الدين، ولا تضيف له شيئاً.

فالعلوم الإسلامية تضررت كثيراً عندما زندقت أفكار العلماء التطبيقيين من أمثال: الرازي والفارابي وابن سينا، والفكر الإسلامي أصيب في مقتل، عندما أحرقت كتب الفلاسفة، وفي مقدمتهم ابن رشد، ذلك الفيلسوف المسلم الذي ما زالت مؤلفاته تدرس في جامعات الولايات المتحدة وأوروبا، والذي احتفت به شركة غوغل من خلال وضع صورته على محرك بحثها، قبل أن تحتفي به أي شركة عربية أو إسلامية أخرى.

كل هذه الخيبات ما كانت لتحدث لأمتنا الإسلامية لو ركزت على العلوم التطبيقية والبحث العلمي والدراسات الفلسفية، جنباً إلى جنب مع العلوم الشرعية، فالحياة أشبه بعربة محمولة على عجلات، يجرها الإيمان من الأمام، ويدفعها العلم من الخلف، ولو توقف أحدهما عن القيام بدوره، تباطأت حركتها وتعطلت عن العمل.

المصدر: الرؤية