فهد الدغيثر
فهد الدغيثر
كاتب سعودي

بعد التوقيع.. هل ستتغير إيران؟

آراء

أخيراً توصلت إيران والقوى الكبرى الست بعد مفاوضات ماراثونية في لوزان السويسرية إلى اتفاق أولي؛ ليكون أساساً لاتفاق نووي نهائي في نهاية حزيران (يونيو) المقبل. بعضهم قد يراه انتصاراً للديبلوماسية الإيرانية، لكن الواقع أن إيران قد “انبطحت” في النهاية لشروط الدول العظمى، فقد وافقت بموجب الاتفاق المبدئي على تقليص مخزون اليورانيوم منخفض التخصيب البالغ 10000 كيلوغرام إلى 300 كيلوغرام. كما تضمن الاتفاق موافقة طهران على عدم تخصيب اليورانيوم فوق معدل 3.67 في المئة لمدة 15 عاماً على الأقل، على أن يتواصل التخصيب بموقع “نطنز” وليس في “فوردو”. وتضمن الاتفاق، وهذا مهم جداً إلى استمرار عمليات التفتيش المشددة لسلسلة إمداد اليورانيوم في إيران لمدة 25 عاماً. وتعهدت إيران بموجب هذا الاتفاق على عدم تصنيع البلوتونيوم بدرجة تسمح باستخدامه في صنع الأسلحة النووية في مفاعل آراك. كما تم الاتفاق على أن تقوم إيران بخفض عدد أجهزة الطرد المركزي لديها من 19 ألف جهاز إلى 6 آلاف في موقع “فوردو” النووي.

في المقابل تعهدت القوى الكبرى الست برفع العقوبات الاقتصادية ورفع الحظر على صادرات النفط الإيراني تدريجياً، وبحسب مدى التزام طهران بالشروط.

هذا هو الاتفاق الأولي، وسيتبعه وضع ملاحق قانونية؛ لتوضيح البنود المحددة بشكل مفصل، مشتملاً على التواريخ والأرقام والتفاصيل الدقيقة. كل ذلك يفترض أن ينتهي كما أشرت في نهاية يونيو من هذا العام.

من جهة أخرى، أصرت أميركا ودول الاتحاد الأوروبي على أن العقوبات الأميركية على إيران والمرتبطة بدعمها للإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان في الداخل الإيراني والصواريخ طويلة المدى ستبقى ولن تتغير بسبب التوقيع على الاتفاق النووي إن تم الاتفاق عليه، في نهاية يونيو. وفي هذا السياق علق أحد محللي محطة “سي إن إن” الأميركية على هذا الاتفاق بأنه مجرد تعهدات قدمتها إيران؛ في محاولة لفك عزلتها عن العالم وإن أي خرق لهذه الشروط سيعيد إيران إلى المكان الذي كانت به قبل الاتفاق.

إسرائيل أبدت قلقها فجر الجمعة، وأعلنت أنها تحتفظ بالحق في التعامل مع الخطر الذي قد يأتيها من إيران بكل الوسائل بما فيها القوة العسكرية. أوباما من جهته، وقد حقق واحدة من أهم الإنجازات في فترتي رئاسته، طمأن الكونغرس والشعب الأميركي بسلامة هذه الخطوة، كما بادر بالاتصال بالملك سلمان بن عبدالعزيز لشرح الاتفاق وأهدافه البعيدة المدى، وينوي دعوة زعماء الخليج إلى البيت الأبيض للسبب ذاته، أو الأسباب. لكن عدداً من أعضاء الكونغرس الجمهوريين يصرون، وحتى كتابة هذه الأسطر على حصول البيت الأبيض على موافقة الكونغرس قبل المضي قدماً بإلغاء العقوبات، إن أصبح ذلك ممكناً، بحسب بنود الاتفاق، ولذا فالكثير من الجدل لا يزال قائماً ولم يحلَّ.

لكنْ، ولنفترض أن ذلك الجدل قد حُسم.. فهل نستطيع القول إن الكرة الآن أصبحت في ملعب إيران؟ هل نتفاءل ونقول إن إيران ستنفِّذ هذه الالتزامات؟ أتساءل لأن تنفيذها يعني بلغة أخرى الانضمام إلى العالم المعاصر.. فهل ستنضم هذه “الجمهورية الإسلامية” أخيراً إلى العالم المتحضر في التنافس الخلاق والإبداع وتبدأ بمحاربة الشر والقتل والتنكيل والإجرام وكثير منه مع الأسف يقع باسم الإسلام وأحياناً بدعم من إيران نفسها تحت مظلة ما يسمى «تصدير الثورة». هل ستتوقف إيران عن دعم بشار الأسد مثلاً وتساعد على إيجاد مخارج سياسية سلمية للأزمة السورية، ولا سيما وقد أصبحت طرفاً بها؟ هل ستتوقف عن التدخل في شؤون غيرها، كاليمن ولبنان والعراق، وتصب كل قواها واستراتيجيتها نحو إيران نفسها؟

أي متابع للشأن الإيراني سيفيدك، عزيزي القارئ، بأن هناك ٤٠ مليون إيراني بلا عمل ونسبة حملة البكالوريوس والماجستير في أرقام عدد العاطلين تشكل ٣٠ في المئة. هناك في شرق إيران يقطن نحو عشرة ملايين إيراني، وهؤلاء من الطائفة الشيعية بالمناسبة، في أوضاع مأسوية من الفقر والجوع والجهل والأمراض. أفضل ما قدمته الدولة لهم هو برنامج رعاية اجتماعية متهالك قيمته ١٤ دولاراً أميركياً في الشهر للفرد. في مناطق الأهواز يصطف أكثر من 120 ألف مواطن على حافة الموت؛ بسبب امتناعهم عن العمل بلا أجور في مصنع للأنابيب. هذه انتهاكات خطيرة وغير مسبوقة في هذا العصر لحقوق الإنسان. جميع هذه الأسئلة يطرحها العالم ليس اليوم بل منذ عقود.

شخصياً لديَّ شكوك كثيرة في عودة إيران إلى المجتمع الدولي؛ لأن هذه الحكومة الخاضعة لسلطة رجل واحد لم ينتخبه أحد وغارق في الأدلجة الفكرية والتطرف وحلم “الإمبراطورية”، من مثله لا يمكن أن يكون قادراً على بناء الكيانات المتمدنة العصرية. المؤسسات المحيطة بصناعة القرار في طهران تجهل متطلبات التنمية الحديثة، وقد لا تلجأ إلى طلب المساعدة ممن هم خارج هذه الدائرة. من الجهة الأخرى تورط إيران العميق في العراق ولبنان وسورية سيجعل الخروج من هذه البؤر مكلفاً وخسراناً مبيناً لهذا النظام، على رغم أنني لا أرى أصلاً أي مكتسبات قادمة حتى مع بقاء هذا التغلغل. إيران دخلت مناطق الصراع هذه من دون أن تضع لنفسها استراتيجية للخروج.

إذاً فالاتفاق المبدئي الموقع قبل يومين لا يحمل إلا هذه المضامين. إيران تعود أو لا تعود. إن عادت فستنهمر عليها البلايين لاستثمار موجوداتها الطبيعية وقدرات شعبها الخلاق الذي استطاع عبر فنه وذوقه المميز ومهارته اليدوية صناعة أفضل وأغلى أنواع السجاد في العالم، إضافة إلى العديد من المنتجات الإيرانية النادرة الوجود. صحيح أن مثل هذه الاستثمارات ومعظمهما ربما سيتوجه لإعادة البنى التحتية، ستأخذ وقتها الطبيعي لتنعكس النتائج على الفرد هناك، لكن ذلك لن يكون أسوأ من تجاهلها وعدم الاكتراث بها. أما إن قررت استمرار اللعب والترنح ومناوشة الغير وإبقاء البلاد في حال مستمرة من الأحكام العرفية والتوجس فستبقى في عزلتها إلى أن يشاء الله.

الحقيقة التي لا غبار عليها أنه لا يمكن لأي نظام يسعى إلى بسط النفوذ والتأثير في غيره أن ينجح في تحقيق مثل هذه الأهداف ونصف شعبه يئن تحت وطأة الجريمة والبطالة والفقر. إن لم تكن قوياً في الداخل فلا قيمة لك خارجياً ولن تثير الاهتمام ولن يفكر أحد بالعيش في بلادك. وإلا لو أن ذلك ممكن لأصبحت كل دول العالم الفقيرة دول مؤثرة. هذه هي الحقيقة التي لا غبار عليها وإن علت أصوات الأبواق وتلونت أشكالها وتزخرفت ألوانها.

المصدر: الحياة

http://alhayat.com/Opinion/Fahad-Al-Dgheter/8397655/