تخصيب اليورانيوم بين كيري وظريف

آراء

بعد جهود مضنية من المفاوضات بين إيران و«5+1»، توصل الطرفان إلى اتفاق جاء بوصفه «اتفاقا على خطة عمل»، تستمر إلى فترة ستة أشهر يليها الوصول إلى اتفاق نهائي مرهون بما ستتمخض عنه فترة الأشهر الستة المقبلة.

يرى كل من الطرفين أنه حقق النصر في هذه المباحثات. وتأتي قضية تخصيب اليورانيوم لتكون المحك الرئيس في تصريحات كلا الطرفين التي خلقت معها ضبابية لدى المتلقي لتلك التصريحات. ففي الوقت الذي جاء فيه تصريح وزير الخارجية الأميركي أن الاتفاق لا يتضمن أي اعتراف «بحق» إيران في تخصيب اليورانيوم، أكد وزير الخارجية الإيراني أن حق إيران في تخصيب اليورانيوم جاء في موضوعين في هذا الاتفاق.

والسؤال الذي يتبادر حاليا إلى ذهن القارئ: أي التصريحين صحيح، ويجب أن يعتد به؟

وتأتي الإجابة لنقول إن كليهما صحيح لنزيد من حيرة القارئ. ولكن نمضي معه لنتتبع السطور القادمة علها تبعد الحيرة وتزيل الضبابية.

بداية وفي الوقت الذي يأتي هذا الاتفاق بين «5+1» وإيران بوصفه «اتفاقا على خطة عمل»، يأتي وزير الخارجية الإيراني ليعطي ما جرى التوصل إليه في جنيف بعدا آخر. فبعد انتهاء المفاوضات صرح ظريف قائلا: «نعتقد أن هذا الاتفاق وخطة العمل..».. ويلاحظ القارئ هنا أن وزير الخارجية الإيراني فصل بين الاتفاق وخطة العمل بإضافة حرف الواو، فبدلا من أن يكون «الاتفاق على خطة العمل» جاء من المنظور الإيراني «الاتفاق وخطة العمل».

هذا التوصيف لا شك أنه في غاية الأهمية للنظام الإيراني، وخصوصا في ما يتعلق بمسألة تخصيب اليورانيوم. فحين يؤكد وزير الخارجية الإيراني أن الاعتراف بحق إيران في التخصيب قد جرى في موضعين في هذا الاتفاق، فإن توصيف ما تمخضت عنه تلك الاجتماعات والمباحثات بأنه «اتفاق» يعطي زخما وقوة أكبر من مجرد أن يأتي في «اتفاق على خطة عمل».

إذن فمن المنظور الإيراني يأتي تخصيب اليورانيوم بوصفه حقا جرى التأكيد عليه ضمن ذلك الاتفاق. ونؤكد هنا أنه «اتفاق» من المنظور الإيراني وليس مجرد اتفاق على خطة عمل. وبذلك تصبح تصريحات جواد ظريف وفقا لمنظور النظام الإيراني لنتائج تلك المباحثات صحيحة.

وإذا كان الأمر على هذه الشاكلة من المنظور الإيراني، فكيف هو ذلك المنظور على الجانب الآخر؟

وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون تعلن بعد انتهاء المفاوضات أنه جرى التوصل إلى «اتفاقا على خطة عمل». وبذلك فإن توصيف «5+1» لما تمخضت عنه تلك النتائج يغاير منظور النظام الإيراني. ويأتي بعدها جون كيري ليركز على النقطة الجوهرية للنظام الإيراني، وهي عملية التخصيب، ليؤكد أنه لم يجرِ تضمين أي اعتراف «بحق» إيران في تخصيب اليورانيوم.

وبنظرة حيادية للأمر، نرى بداية أن هذا الاتفاق، وبالإضافة إلى أنه اتفاق مبدئي هو في الحقيقة اصطفاف من كلا الطرفين وفق فترة زمنية تمتد إلى ستة أشهر تكون عين الرقيب حاضرة بين كليهما للتأكد من سير خطة العمل وفق ما رسمت له، علها تنتقل بخطة العمل هذه إلى اتفاق نهائي يؤكد كلا الطرفين على حقوق الآخر.

وحين نقول إن تصريحات وزير الخارجية الإيراني صحيحة، فإن هذا الأمر يأتي من منطلق تضمين بنود في «اتفاق خطة العمل» الذي يراه بدوره أنه «اتفاق»، باستمرار إيران في عملية التخصيب بشرط أن لا تزيد عن نسبة 5%.

مفترق الطرق هنا وما يحاول النظام الإيراني والإعلام الإيراني تغافله، والإعلان بأن إيران حققت نصرا في هذه المباحثات، أن السماح بعملية التخصيب والاستمرار به تأتي في فترة زمنية محددة تستمر ستة شهور، بالإضافة إلى أنها مرهونة بمدى التزام النظام الإيراني ببقية البنود، وأنه في حال الإخلال بأي من بنود «اتفاق خطة العمل» يصبح هذا الاتفاق لاغيا، وبالتالي يصبح ما يراه النظام الإيراني اعترافا بحق التخصيب غير موجود.

إذن على الجانب الآخر يصبح تصريح جون كيري هو الآخر صحيحا، فاستمرار إيران بالتخصيب في هذه الفترة هو أمر وقتي مرهون بمدى الالتزام ببنود اتفاق خطة العمل.

وبنظرة أكثر شمولية، فإنه يمكن القول إن إيران حققت بالفعل الجزء المهم مما تصبو إليه، وهو عملية الاستمرار في تخصيب اليورانيوم، ولن يجد الطرف الآخر أي وسيلة للتراجع في الاتفاق النهائي عن الاعتراف بهذا الأمر إذا التزم النظام الإيراني ببنود اتفاق خطة العمل.

الطريق شائك وصعب، وتباين التفسير للبنود وطرق تطبيقها قد يمثل إشكالية قد تعيق اتفاق خطة العمل، وبالتالي قد تمتد إلى أكثر من ستة أشهر للتأكد من تطبيق جميع بنودها. ولعل الطرفين قد أدركا هذا الأمر مبكرا، ولذلك أعلنا أنه سيجري تشكيل لجنة مشتركة بين الطرفين للتأكد من ذلك، وقد يجري عقد جلسة طارئة بين الأطراف المعنية في حال وجود مثل تلك الإشكاليات. الحالة الكورية الشمالية تعطي مؤشرا على أن مثل هذا الاتفاق محفوف بالكثير من الصعوبات، ويتبقى الدور على الطرفين لإنجاح هذا الأمر.

دول الخليج العربي رحبت بهذا الاتفاق من منطلق مبادئها الثابتة، التي تؤكد دعمها للاستقرار والسلام في المنطقة، وهو أمر ليس وليد اللحظة، وإنما جرى التأكيد عليه من خلال البيانات الختامية لقمم مجلس التعاون الخليجي.

الكثير من المحللين يرى مثل هذا الاتفاق نظرة تشاؤم وأنه في نهاية المطاف سيكون على حساب دول الخليج العربي. من وجهة نظري الشخصية، فإن التشاؤم والتفاؤل حول اتفاق خطة العمل بين إيران و«5+1» هو مسألة نسبية. وإن انعكاسه سلبيا أو إيجابيا على دول الخليج يعتمد بالدرجة الأولى على دول الخليج نفسها، وليس على الطرف الآخر، الذي لن يتوانى عن وضع مصلحته نصب عينيه في هذا الأمر وغيره.

ويأتي دور دول الخليج العربي للظهور بسياسة موحدة، وتوظيف أدواتها بالصورة الصحيحة، لتكون نظرة الآخر لمصالحه مرهونة بمرورها من خلال الرؤية الواضحة لموقف هذه الدول واحترام مصالحها، التي تؤكد وبلا شك على تحقيق السلام والاستقرار للمنطقة.

المصدر: الشرق الأوسط