توصية بتجريم العنف بالمدارس وخبراء لتطوير الذات

أخبار

أوصى مجلس رمضاني نظمته «البيان» عن «العنف السري» ضد الأطفال والنساء وكبار السن، بالتدخل المبكر عبر اللجوء إلى المختصين لتقديم الرعاية اللازمة، وزيادة برامج التوعية الخاصة بأولياء الأمور لوقاية المجتمع من بعض السلوكيات السيئة، وتكثيف حملات التوعية التي تعزز القيم الأخلاقية والإنسانية، وتطوير المناهج، وتعيين خبراء لتطوير الذات إلى جانب الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين في مدارس الدولة وتجريم العنف في المدارس وإشراك ولي الأمر في المسؤولية الجنائية.

وأكد المشاركون في المجلس الذي استضافه مجلس «البيت متوحد» في إمارة رأس الخيمة، أنه يجب على الأسرة مراقبة أبنائها لوضع شروط تضمن حمايتهم من مخاطر العنف، إضافة إلى استثمار الشخصيات المؤثرة في توجيه الشباب.

وشدد المجلس على أهمية تضافر جميع جهود مؤسسات الدولة للقضاء على العنف في المجتمع ووضع استراتيجية كاملة، ومشاركة وسائل الإعلام في إيجاد الحلول لبعض الظواهر السلبية، والاستفادة من نظام الاقتراحات الخاص بوزارة الداخلية.

واستضاف مجلس «البيان» كلاً من مريم الشحي رئيسة مفوضية مرشدات رأس الخيمة، التي أدارت المجلس، وعائشة إبراهيم اليعقوبي رئيس فريق الرقابة والجودة في وزارة التربية والتعليم، ووفاء أحمد الشحي مديرة مركز تنمية «جلفار»، والملازم أول موزة راشد الخابوري مديرة فرع البرامج المجتمعية بالشرطة المجتمعية والدعم الاجتماعي في رأس الخيمة، وعاصم العلي مهندس تقني، وعبدالله الهدية الشحي مدير مدرسة سابق، ولطيفة سالم حلوكة معلمة رياض أطفال، وعلياء الزعابي منفذ نشاط مجتمعي في الدعم الاجتماعي، وعائشة المسافري اختصاصية اجتماعية، وخديجة الطنيجي كاتبة في وسائل التواصل الاجتماعي.

وطرح المشاركون في المجلس محاور عدة على بساط البحث، مشيرين إلى أن أبرز أسباب «العنف السري» الجهل بالقانون عند اقترافه وافتقاد بعض الشباب القدوة المؤثرة.. وإلى تفاصيل المجلس:

تكاتف المجتمع

في البداية، وجهت مريم الشحي الشكر لـ«البيان» على تنظيم مثل هذه المجالس الهادفة، وقالت: إن أول ما نؤسس له في مجلسنا هذا التأكيد أن العنف لا يمكن تصنيفه بالظاهرة، لافتة إلى أنه موجود منذ بداية الخليقة مثلما حدث بين هابيل وقابيل، وأينما وجد الإنسان وجدت الجريمة.

وأضافت إن قضايا العنف بجميع أشكالها الجسدية واللفظية، ترجع أسبابها لـ«العنف السري» ضد الأطفال والنساء وكبار السن، في حين أنه لا ينحصر تحت بند فئة معينة من المجتمع دون أخرى، مشيرة إلى أنه خلال الأيام الماضية اهتز المجتمع الإماراتي بحادثة الطفل المغدور به من قبل صديق والده، وكان الأب سيغادر الدولة قبل أن يعود في قراره بعد زيارة شيوخنا ووقوف القيادة الرشيدة بجانب الأسرة المكلومة، ما اضطره للعدول عن قراره.

وبينت الشحي أن «العنف السري» هو العقاب بجميع أشكاله خلف الأبواب المغلقة، وقد يكتشفها المعلم والشرطة المجتمعية وجهات الاختصاص من خلال قضايا الطلاب وخاصة مشاجرات السلاح الأبيض، إضافة إلى التعصب ما يؤدي إلى العنف، مشيرة إلى أن القانون الصادر أخيراً بوضع عقوبة ضد الأشخاص الذين يستخدمون العنصرية والتمييز في تعاملاتهم مع الآخرين، ساهم في الحفاظ على لحمة المجتمع التاريخية وقطع الطريق أمام تجار الأزمات، لضمان مستقبل الأجيال القادمة عنوانه الطمأنينة والسلام.

وتحدثت الشحي عن برامج تعزيز الوطنية ونبذ الطائفية والعنصرية في المدارس بين الطلبة، مؤكدة أن المغالاة في الشدة مع الأبناء أو التهاون والتساهل سلاح يدفع إلى ممارسة السلوك العدواني، مشددة على أهمية الاعتدال في التعامل والتحلي بالحكمة والصبر وحسن التصرف.

عنف الكلمة

من جانبها، أكدت عائشة إبراهيم اليعقوبي أن أي اعتداء على النفس البشرية هو عنف، فالكلمة تعتبر عنفاً، والادعاءات تعتبر عنفاً، مشيرة إلى أن الظواهر السلبية موجودة في جميع المراحل الدراسية، نتيجة لاستخدام التقنيات الإلكترونية الحديثة التي تسبب الكثير من المشكلات الأسرية، وتؤدي إلى ارتكاب الشباب المراهقين سلوكيات خاطئة.

ولفتت إلى أن الدراسات العالمية تؤكد أن النساء والأطفال هم الفئة الأكثر عرضة للعنف السري، من خلال الآباء الذين يزرعون أو يفرغون العنف في أبنائهم عبر عدم التسامح عند مخالفة أوامرهم وتوجيهاتهم داخل المنزل، إلى جانب طبيعة التنشئة الاجتماعية التي يمارسها أفراد الأسر ضد أطفالهم، والتي تتسم في الغالب بالمبالغة في القسوة والتهديد أو العكس، بالإضافة إلى ممارسة النساء العنف السري ضد الأطفال.

وأفادت اليعقوبي أن الأسرة هي أساس العنف وتغيير المفاهيم والسلوكيات بالنسبة إلى الأجيال الحديثة من أبرز أسبابه، وعلى سبيل المثال في شراء الأسرة للهواتف الحديثة للتخلص من إزعاج أطفالهم دون التأكد من المواقع التي يتصفحونها وخصوصاً ألعاب العنف.

زراعة العنف

وتحدث عاصم العلي عن العنف الإلكتروني، من خلال واقع وتأثير برامج «السوشيل ميديا» في زرع العنف عند المتلقي وخاصة صغار السن وأيضاً حول أثر الألعاب الإلكترونية والفيديو، وتطرق إلى أهمية التركيز على مخاطر العنف الإلكتروني، كونه يعد من أخطر أنواع العنف لكون المصدر مجهولاً وغير ملموس.

وتابع إن أغلب الحالات التي تعرضت للعنف الإلكتروني لا يملكون الأدوات والمعرفة للخطوات الواجب اتباعها لمواجهة هذه الاعتداءات الإلكترونية ووقفها وملاحقة مرتكبيها، وذلك يعود إلى وجود آباء يزرعون في أبنائهم العنف منذ الصغر نتيجة لتلبية رغباتهم الفورية في استخدام هذه الوسائل دون رقيب أو حتى تذكيرهم بأهمية قراءة الشروط والضوابط التي تحفظ حقوقهم القانونية دون تجاوزها واختراقها بتصرفات لا مسؤولة ما يعني الفهم الخاطئ للحرية التي تعد في مقدمة أسباب العنف الإلكتروني.

وأكد العلي عدم استطاعة أحد إيقاف كل برامج التواصل الاجتماعي، في ظل بحث الأطفال عن البرامج التي تخترق كل المواقع، مشدداً على سبل مواجهة استخدام الإنترنت في نشر ثقافة العنف عبر ضرورة الاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة وتطبيقاتها الآمنة ما يضمن مزيداً من الوقاية والمراقبة بكل يسر وسهولة، مشيراً إلى أن أولياء الأمور مطالبون بتتبع أبنائهم ومعرفة أصدقائهم والحرص على معرفة تحركاتهم.

تطوير الذات

وطالب عبدالله الهدية بتعيين خبراء في تطوير الذات بمدارس الدولة ووضع برامج توعية خاصة بالأسر، وإنشاء مجالس في مناطق الأحياء بالدولة لإحياء جهود حماية شرائح المجتمع من العنف ومناقشة الأمور اليومية، لافتاً إلى أن الجهود ليست في المدارس فقط، فالسلوكيات والقيم هي تطبع نتيجة لثقافة الأب والأم التي تقود للسلوك السلبي من خلال مطالبة الطفل بضرب أو سب شخص آخر كمزاح ما يؤدي إلى خضوعه للفكرة وترسيخ السلوك الذي نحتاج لأعوام لتعديله.

مسؤولية مشتركة

ذكرت لطيفة سالم حلوكة أن العنف سلوك إنساني شأنه شأن جميع سلوكياتنا ومن عظيم الخطأ أن نحاول أن نعزو أي سلوك لعامل أو مسبب واحد، فالسلوكيات هي الجزء المعلن والمرئي والمترجم لخلفياتنا الثقافية والاجتماعية والأيديولوجية وهو التعبير الظاهر عن رغبات ومخاوف ومطالب يجهل العديد منا التعبير عنها بالسبل الإيجابية والمثمرة والمتقبلة اجتماعياً وتبعاً لذلك فإنه من الصعب تحديد المسؤولية المطلقة لإحدى الجهات.

وشددت على أن المسؤولية مشتركة حتماً ولكنها بدرجات متفاوتة حسب مرتكبي العنف وملابسات الوقائع، فالأسرة مسؤولة عن تشكيل الأساس الأخلاقي لشخصية الطفل منذ نعومة أظافره وتأتي المدرسة لتعزز أو تطفئ جزءاً من ذلك الكيان الأخلاقي سلباً أو إيجاباً.

تربية

مطالبة بتطوير التشريعات وتغليظ العقوبات

أوضحت علياء سعيد الزعابي أن الإشكالية تبدأ من الأسرة التي عليها الدور الأكبر في التنشئة الاجتماعية للأبناء وتربيتهم بطريقة صالحة بعيدة كل البعد عن استخدام العنف.

وتابعت «هناك آباء يتبعون أسلوباً عنيفاً في التربية، وهذا الأمر خاطئ، خصوصاً أثناء التفكك الأسري وانفصال الوالدين، فعلى سبيل المثال هناك حالة لخالة مارست التعذيب وأشكال العنف السري مع ابن شقيقتها منذ أن كان عمره صغيراً، حتى تم اكتشاف حروق على يده في المدرسة نتيجة لاستخدام ملعقة ساخنة، وبعد البحث لمعرفة أسبابها ومصدرها، وجد أن خالته هي من قامت بذلك نتيجة لانفصال الأب والأم عن بعضهما».

من ناحية أخرى، قالت الزعابي إن العقوبة الجزائية على أولياء الأمور الذين يمارسون العنف ضد أبنائهم لم تكن رادعة ولم يتم عقابهم باعتبار أن ما يقومون به هو من باب التأديب إلا أن الواقع مغاير لذلك تماماً، فبعض الحالات تصل إلى التعذيب الجسدي والنفسي، معربة عن تفاؤلها بـ «قانون وديمة»، مطالبة بتطوير التشريعات من أجل إيجاد حل جذري لمشكلة العنف.

وأكدت أن تسليط الضوء على الأثر القانوني لتلك الجرائم سيكون أكبر رادع للمجرمين وممارسي العنف، مشددة على أهمية تغليظ العقوبات لتكون رادعاً لكل من تسول له نفسه في ممارسة العنف للقضاء على تلك السلوكيات.

تعاون

تفعيل التدخل المبكر في الإبلاغ والرعاية

أشارت عائشة المسافري أخصائية اجتماعية إلى ضرورة التعاون بين الأسرة والمدرسة وجميع مؤسسات الدولة من خلال تفعيل التدخل المبكر في الإبلاغ والرعاية لتحقيق مبدأ أن التربية مسؤولية مشتركة.

وطالبت المسافري بالتركيز على جانب التوعية وتدريب الأطفال في مراحل الحضانة على التعامل مع أشكال العنف وتدريبهم على كيفية التعامل مع هذه الحالات الخطرة، وسبل الوقاية منها لتقليل السلوك العدواني لديهم، وحمايتهم من الثقافات الخارجية والدخيلة الضارة، فضلاً عن اكتشاف الطلبة ذوي الشخصيات القيادية وتدريبهم ضمن برامج خاصة على كيفية مساعدة زملائهم في حل المشكلات عن طريق الحوار.

وشددت على أهمية تدريب الطلبة على احترام الرأي والرأي الآخر بأسلوب يكفل حق الجميع، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن عدم حضور الأطفال لمجالس الكبار أضعف شخصيتهم، بالإضافة إلى الاتكال على تربية الأطفال من قبل الخدم، فاليوم أصبحنا معلمين للتعليم وليس للتأديب، وكنا في السابق نرى سابع جار يؤدب أبناء الفريج، أما الآن فالأطفال فقدوا القدوة بعد وضعهم في قوالب معينة.

الأب والأم سلاح الوطن ضد السلوك السلبي

أكدت الملازم أول موزة راشد الخابوري أن للأسرة دوراً مهماً وأيضاً التنشئة الاجتماعية والبيئة المدرسية والأصدقاء، موضحة أن العنف قد يكون لفظياً أو بدنياً أو رمزياً مثل «العناد والتمرد».

ولفتت إلى أن الأب والأم هما سلاح الوطن ضد العنف والسلوك السلبي، من خلال إيجاد لغة الحوار مع أطفالهم داخل المنزل، فافتقاد لغة النقاش والتحاور مع الطفل يدفعه للعناد وافتعال المشكلات.

وأضافت أن السلوكيات المكتسبة والمؤثرات الخارجية مثل افتقاد القدوة الصالحة وفقدان التواصل بين الناس وعدم التسامح، قد يكون السبب الأقوى في تولد الرغبة في العنف لدى النشء والأطفال، وأيضاً دلال الأم أو الأب لأطفالهم يقودهم إلى استخدام العنف ضد محيطهم والاعتداء على الآخرين.

وتطرقت الخابوري للحديث عن القوانين، موضحة أن القانون لا يمكن أن يهذب السلوك الإنساني، وأن الكثير من المجتمعات قد تكون قوانينها غير رادعة بالشكل الكبير لكي يسود فيها الوئام والاحترام.

وذكرت أن الموضوع أخلاقي أكثر من كونه قانونياً، ويكفي أن وزارة الداخلية احتضنت مشكلات المجتمع ومعالجتها لحماية الأسر من خلال الحملات المستمرة وبرامج التوعية، إضافة لتقديم الخط الساخن للتبليغ عن حالات الاشتباه بإساءة معاملة الأطفال أو إهمالهم، وحمايتهم من أشكال العنف، بالتواصل وتقديم المشورة واتخاذ الإجراءات اللازمة، بما يوفر السلامة والأمن لجميع شرائح المجتمع.

عنف المسنين

وأكدت وفاء أحمد الشحي أن العنف السري يشمل جميع شرائح المجتمع ومنهم فئة كبار السن والتي تعد من أخطر مظاهر العنف السري، حيث يمتنع المسن عن الإبلاغ عما يرتكب بحقه من جرائم خوفاً من فقدان مصدر رعايته والذي يعتمد عليه بشكل أساسي، والتي تكون من أقرب الناس له سواء من الأبناء أو الخدم، أو باعتقاده أنه لا جدوى من شكواه، فنجد بعض الأبناء يسيئون إلى والديهم بالضرب أو اللفظ مما يحط من كرامتهم ويعرضهم لمشكلات نفسية وصحية تجعله يشعر بضعف والخوف والقلق من التعامل مع المجتمع الخارجي.

وأفادت الشحي بأن أشد أنواع العنف هو وضع الأب في دور المسنين أو المستشفى بالإضافة إلى حالات من كبار السن الذين يتركون تحت رعاية الخدم ويكونون أكثر عرضة للعنف من غيرهم الذين يتلقون الرعاية من أقربائهم.

وأوضحت خديجة الطنيجي أن الزيادة الحقيقية للحالات المسجلة انعكاس للتطور الحاصل في سرعة نقل الأخبار وتداولها على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة والتي تتضاعف حجماً ونوعاً وتأثيراً حينما يتناقلها الجميع في جلساتهم العائلية ولقاءاتهم اليومية ونقاشاتهم بالمدونات وكذلك في اللقاءات الثقافية.

خوف

قالت خديجة الطنيجي إن وسائل التواصل الاجتماعي تعتبر نعمة ونقمة في الوقت نفسه فقد ساهمت في إظهار الحقائق وإيصال المعلومات بأسرع وقت ولكن في الوقت نفسه قد يكون ما يتم تداوله وتناقله مجرد إشاعات لا أساس لها من الصحة، لافتة إلى أن خوف الأهالي من الفضيحة، قد يجعلهم سبباً في موت أبنائهم مما يعانونه من سلوكيات خاطئة، بدلاً من البحث عن حلول لمعالجتها مما يعد أحد أساليب العنف السري ضد الأبناء.

المصدر: البيان