عبدالله الشويخ
عبدالله الشويخ
كاتب إماراتي

«.. ثمّ الجهاد في سبيل الله!»

آراء

كان طفلاً جميلاً في إحدى الفعاليات المدرسية التي كانت تقام بمناسبة ما، جيء به ليعتلي المنصة ويرتل بضع آيات من الذكر الحكيم. الحق أنني وصاحبي ذهلنا من طريقته الجميلة في الإلقاء، وسماحة وجهه، وإتقان المخارج الذي لا يتناسب مع صغر سنه، انتهت الفقرة والكثيرون يدعون له، ودعا صاحبي له من قلبه: الله يحفظه ويبعده عن الجهاد والمجاهدين!

كان صديقي صادقاً في محبته ودعائه من القلب، لكن يبدو أنه شاهد آثار الصدمة على وجهي، فأوضح موقفه: أنت تعرف أنني لا أقصد أن يبتعد عن جهاد المال، كوموون! لايزال وجهي بلاستيكياً، ولا أستطيع التخلص من تعبير القرف، وصديقي يكرر: هيا أيها الأحمق، هل قال لك أحدهم إنني أراك جميلاً، ومستعد لـ«البحلقة» في وجهك أكثر من هذا؟! أنت تعلم أنني أقصد أن يبعده الله عن الإرهاب!

أعلم! لكنك استخدمت مصطلحاً يخصنا نحن، لا الإرهابيين، غداً ستدعو له بالبعد عن الصلاة والحج والزكاة! يجيبني وهو يشير إلى البطاقة التي تحمل صورتي، وأنا أنظر برومانسية إلى العدسة، وتحتها كلمة «إعلامي»: إنها مشكلتكم أنتم يا بتوع الجرايد، نحن نكرر ما تقولونه.. حركات جهادية.. مجاهدون.. جهاديون.. لوموا أنفسكم، ويمكنك الآن الجلوس وفك التعبير الأبله.. لن تؤثر عليّ!

لقد كان صديقي صريحاً إلى حد الجرح، لكنه صادق جداً، فنحن المسؤولون، وبغفلتنا وحماقتنا سببنا ضرراً كبيراً لهذا المصطلح الراقي، حتى إنه أصبح صنواً لكل عمل كريه، وبربطنا هذا المصطلح بالأعمال التي لا تليق به فنحن نهدم تاريخنا الماضي دون أن نشعر، لأن تاريخنا وقرآننا وتراثنا مملوء بهذه المصطلحات، إذاً فالمشكلة لن تحل ما لم نستخدمها بالطريقة الصحيحة، وننزهها عما علق بها ــ باطلاً ــ من أعمال، نختلف في درجة إدانتنا لها، لكننا جميعاً نعلم أنها ليست منا!

قبل أشهر انطلق أول عمل عسكري، لا نقول عربي ، بل إسلامي، في واحدة من المرات القليلة في التاريخ الحديث التي اجتمعت فيها كل دول الخليج، جنباً إلى جنب مع مصر والأردن والمغرب وباكستان، واستعدادات تركيا وماليزيا وغيرها، إضافة إلى قلوب جميع المسلمين الذين تعرضوا لظلم وقذارة الأحقاد السوداء، من بغداد إلى بيروت، ومن القدس إلى نواكشوط.. ترى هذا الشعور المشترك لدى الجميع، إذاً فهي فرصة ذهبية لتنظيف مصطلح الجهاد، ووضعه في طريقه الصحيح، لماذا أسمي العسكري الذي يقتل عندي شهيداً بعد موته، ولا اسميه مجاهداً أثناء وجوده في ساحة المعركة!

لماذا أبخل بالمصطلح على قواتي العسكرية، وأنعم به على أحمق، يقوم بعمل أهوج في دولة هي غالباً تشكل ما كان يشكله النجاشي لأجدادنا الذين هربوا من الظلم!

حتى أحد هؤلاء الشباب الصغار الموجودين في ساحات التدريب الخاصة بالخدمة الوطنية، هل سيكون شعوره واحداً حين أسميه «مجنداً» وحين أسميه «مجاهداً»؟

جاءت الفرصة لنا اليوم كي نعيد إلباس المصطلح ما يليق به، فلنغتنمها مرة واحدة!

المصدر: الإمارات اليوم
http://www.emaratalyoum.com/opinion/2015-04-02-1.770888