عبدالله الشويخ
عبدالله الشويخ
كاتب إماراتي

«جاري يا حمودة.. !»

آراء

تذكّر قليلاً «فريج» أيام ما قبل «البليب»!

كنت تعرفُ أسماء جميع البيوت الموجودة في الشارع على أقل تقدير، وتعرف الكثير من التفاصيل.. تعرفُ أي منزل عيالهم «يدوخون»، وأي منزل يربون حماماً على سطحهم.

كنتَ تحفظ الأسماء الثلاثية لجميع الجيران، وتعرف قصة كل منزل، ومن أين هم، وأبناء مَن، وأنساب مَن، واسم الناقة التي ارتحلوا عليها، أو ربما حتى رقم «اللنش» الذي جاؤوا فيه.

دارت الدنيا دورتها، وأصبح لـ«البريستيج» ضرورة، وهي ترك «الفريج» بما فيه، ومَن فيه، أو بالأصح بما فيه وما فيه، فـ«مَن»، التي يقول أهل اللغة إنها تطلق على العاقل، لم يعد لها من داعٍ، فالعاقل في عرف «البريستيج» الجديد، لن يرضى السكن في «الفرجان» القديمة، هناك أسماء جديدة ورنانة، يكفي، يا أخي، أن تنظر إلى الفرق الموسيقي بين كلمة «الورقا» أو «البرشا»، وبين كلمة على غرار «هور العنز»! حين أسمع «برشا»، أتخيل فتاة جميلة تتقن استخدام «الميك أب». أما بعض التسميات فلا يمكنك منع صورة «زكية زكريا» من القفز إلى مخيلتك حين تقولها!

حدثت الهجرة الجماعية، وذهبنا إلى «البرشا»، حيث الجميع لا يعرف الجميع، «وين البيت»؟ هذا البيت! تخرج في كل يوم وأنت تحمل طبقاً من «الهريس»، في محاولة لكسر الحاجز فقط، لتعرف مَن هم جيرانك الجدد، تبدأ بضرب الجرس، تراقبك الكاميرا الإلكترونية، تخيس وتحس بالحكة تحت إبطيك، تعود لتستحم.. لا أحد يفتح الباب!

في اليوم التالي، تعاود الكرّة، فتجد لوحة فوق جرس الجيران مكتوب عليها «الجارااس خارباان»، تكرار الألِف في اللوحة يوحي بأن أحدهم يصرخ! كيف عرفتم إذاً أنني ضغطت الجرس! «إنت فكر أنا ما في معلوم!»، تترحم على «فريجك» السابق، لكن فضولك لا يسكت، من حقي كمنتمٍ إلى ما يُطلق عليه «مَن» وليس «ما»، أن أعرف مَن هم جيراني!

أقترح، وقبل أن أقترح، فأنا أتنازل عن قيمة جائزة الاقتراح، في حال فوزي بأفضل اقتراح هذا العام، إلى صندوق «تحيا مصر»، أقترح على دائرة الأراضي والأملاك، أن تمنح أي متسلّم ملكية جديدة، ورقة بسيطة تبدأ بفقرة تُذكِر بالجار وحقوقه، وفيها خريطة «سكيتش» بسيط، مكتوب فيها بدلاً من الأرقام المجهولة، أسماء، الأرض التي فوقك يسكنها أو يملكها فلان، وإلى يمينك فلان، وإلى يسارك فلان، بل حتى المستأجر يحصل على الورقة ذاتها، حين يصدّق عقده في البلدية أو سواها، جميل أن أعرف مَن الذي ينام بجواري، مَن الذي يمكن أن أتصل به في حال الضرورة، مَن الذي أءتمن طابقه الثاني على «حوشي»!

من أجمل الأسماء التي كان أهلنا يسمونها سابقاً «جار الله»، وفي ثقافة إخواننا السودانيين هناك اسم «جار النبي»، قولوا آمين!

المصدر: الإمارات اليوم
http://www.emaratalyoum.com/opinion/2014-08-26-1.704092