عبدالرحمن الخطيب
عبدالرحمن الخطيب
باحث في الشؤون الإسلامية.

حتى اسم المرأة بات عورة!

آراء

في العيد خرجت مع أسرتي لأتناول طعام العشاء في أحد المطاعم في السعودية. كان المطعم مزدحماً جداً، لذا تعالت الأصوات. لكن أشد ما لفت نظري هناك هو مناداة الرجال لنسائهم بأسماء ما أنزل بها من سلطان. فمنهم من استدعى زوجته بقوله: (يا ولد)، ومنهم من ناداها (بابا). الغريب أيضاً أن إحداهن كانت قد حجزت طاولة باسم رجل، وحين نادوا على اسم الرجل ليجلس على طاولته تبين أن الزبائن كن نساء فقط. ويكأن إعطاء اسم أنثى وهمي لعامل الحجز يعد حراماً أو عيباً.

إن قضية الاستعارة والخجل من ذكر أسماء النساء قضية يظن بعضهم أن لها أصلاً في الدين والشرع. وهذا أمر مجانب للصواب، وفهم سقيم، وأحكام مغلوطة. ومحط الغرابة والاستفهام أن وزارة التربية والتعليم تشارك أيضاً في الحط والانتقاص من قيمة المرأة المسلمة. فهي بدل أن تسمي مدارس البنات الحكومية تيمناً بأسماء الصحابيات، والعالمات، والفقيهات، والفضليات المشهورات، تسميها بأرقام فقط. بل إنه حين ينادي الآباء أو السائقون على الطالبات الصغيرات ليخرجن من المدرسة يعتبرون المناداة بأسمائهن عيباً وعاراً. أما الأزواج فهم حين يأتون على ذكر اسم زوجاتهم، فإن آحادهم غالباً ما يتحرج من ذلك. فيقول: (البيت)، أو (الأهل)، أو (أم الأولاد)، أو (أم المؤمنين)، أو (العيال)، أو (وزارة الداخلية)… الأنكى من ذلك أنه في بعض بطاقات الدعوة لحفلات الزفاف لا يُذكر اسم العروس ويتم الاكتفاء بذكر بعبارة كريمة فلان. الأمر ذاته في بعض حالات العزاء يذكرون أن التي توفيّت هي أم فلان بنت فلان من دون التطرق إلى اسمها، وكأن معرفة الآخرين لاسم الزوجة أو الأم أو البنت أو الأخت يعدّ في نظرهم عاراً ما بعده عار، ودونه خرط القتاد. وهنا يُلاحظ أن العادات الجاهلية والعقدة الدونية حاضرتان وبقوة.

السؤال الذي يجدر أن يثار: هل يظن أحدهم نفسه أنه أغير من رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ فالرسول، عليه الصلاة والسلام، كان ينادي زوجاته وبناته بأسمائهن أمام الملأ، ولم يكن يستحي من ذلك. بل كان ينادي أي امرأة تأتي إليه أو يصادفها باسمها. فعن عبدالله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، أنه قال: «قبرنا مع رسول الله… فقال، صلى الله عليه وسلم: يا فاطمة من أين جئت؟». بل إن الصحابة كانوا ينادون أمهات المؤمنين وبنات الرسول، صلى الله عليه وسلم، بأسمائهن في الطرقات. وحديث عمر، رضي الله عنه، مشهور معروف، حين قال: «ألا قد عرفناك يا سودة». فهل أنتم أغير من الصحابة أيضاً؟

ثمة أمر آخر يدعو للعجب وهو أن اسم الأم لم يكن يذكر في جوازات السفر قبل عقد من الزمن. وتعرض الكثير من مواطني المملكة إلى التوقيف في بعض المطارات، بسبب الاشتباه في تشابه الأسماء، المدونة على قائمة المطلوبين، حتى اسم الجد؛ بسبب أن بعض القبائل في السعودية اعتادت على تسمية أبنائها الذكور تيمناً بأسماء آبائهم وأجدادهم؛ وهو ما أدى كثيراً إلى تشابه الأسماء والألقاب. فكانت سلطات المطارات الغربية، آنذاك، تطلب من الموقوف قيد الاشتباه إثباتات رسمية تفيد باسم أمه، لإزالة اللبس في تشابه الأسماء. وكان من الصعوبة بمكان تحقيق مثل هذا الأمر على وجه السرعة. وبسبب مثل تلك الحوادث الفردية أضيف، فيما بعد، اسم الأم في جواز السفر، وبقيت البطاقة الشخصية خالية من اسم الأم.

إن التشريع الإسلامي لا يحتوي في نصوصه ما يحرّم ذكر اسم المرأة، ولا يحرم وضع اسم الأم بجانب اسم الأب. وإن وضع اسم الأم بجانب اسم الأب لا يعدّ انتساباً لها بقدر ما يعدّ براً بها. فالإسلام فضّل البر بالأم على البر بالأب أضعافاً مضاعفة. فعندما جاء أحد الصحابة إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، وسأله: من أحق الناس بصحبتي؟ أجابه الرسول، صلى الله عليه وسلم،: «أمك، وكررها ثلاثاً، ثم قال: أبوك».

إذا أردنا الحديث عمن اشتهروا بأسماء أمهاتهم في العصور الإسلامية السالفة فهم كثيرون، أشهرهم: ابن أم مكتوم صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومؤذن المدينة، حيث كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، يستخلفه على المدينة المنورة ويصلي بالمسلمين، وقاتل في معركة القادسية وهو ضرير، ومعه راية سوداء. وشيخ الإسلام ابن تيمية؛ وتيمية هي أم جدّه الرابع. وآل ظهيرة القرشيون مؤرخو مكة، يعود انتسابهم لجدتهم ظهيرة.

كما روت كتب السير والتاريخ عن الكثير ممن عُرف واشتهر بنسبته إلى أمه، ولم يعرف باسمه الحقيقي، مثال ذلك: عمرو بن كلثوم، وعمرو بن هند، وابن حُنينة، وابن حِنزابة، وابن سهية، وابن العنقاء، وابن ميناس. ومنهم من عرف بنسبته إلى أمه كما عرف باسمه الحقيقي، مثال ذلك: ابن أم بلال، وابن دومة، وابن زبيبة، وابن العجلى، وابن سمية. ومنهم من نسب إلى كنية أمه كابن أم أصرم، وابن أم بُرثن، وابن أم الحكم، وابن أم دينار. ومنهم من نسب إلى لقب أمه كابن آكلة الأكباد، وابن البيضاء، وابن الطلاية، وابن القعواء. ومنهم من نسب إلى قومية أمه أو عرقها أو قبيلتها كابن الجَرمية، وابن الحُداية، وابن الحنفية، وابن الكردية. ومنهم من نسب إلى نسبة أمه كابن بنت الأعز، وابن بنت السكري، وابن بنت العراقي. ومنهم من نسب إلى صفات أمه الخُلقية أو الخَلقية كابن الزاهدة، وابن البرصاء، وابن السوداء.

كان معاوية بن أبي سفيان يقول، وهو يفتخر بنسبه لأمه: «أنا ابن هند، أطلقت عقال الحرب، فأكلت السنام، وشربت العنفوان المكرع». وعبد الملك بن مروان الذي قال ابن قيس الرقيات في فضل أمه عائشة بنت معاوية بن المغيرة:

«أنت ابن عائشة التي فضَلَتْ أَرُوم نسائها».

ومن الذين انتسبوا إلى أمهاتهم أيضاً ابن غانية، القائد المتغلب المتملك، وابن عائشة العالم الشاعر، وبنو سوط النساء القادة الأبطال الذين ذكرهم ابن خلدون في (تاريخه) وسمّى أمهم بـ«شمس». وكان ابن ذئبة يفتخر بنسبه إلى أمه قائلاً:

إني لمن أنكرني ابن الذيبة كريمة عفيفة منسوبة

إن عدم ذكر اسم المرأة وعدّه عيباً عند الكثير من رجال بعض القبائل في الجزيرة العربية، بل وعدم ذكر اسم أي امرأة، سواء أكانت أماً أم زوجة يعدّ انتقاصاً من شأنها. بل إن بعضهم، حين يود ذكر اسم المرأة، يقول للمخاطب: (أكرمك الله)، وكأنهم يجنبون المخاطب قولاً فاحشاً.

أقول: اتقوا الله في أنفسكم، فلولا ذكر أسماء النساء لما كنا عرفنا عائشة وحفصة وفاطمة… رضي الله عنهن. وكان الملك عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، يفاخر بقوله: «أنا أخو نورة». ومعظم الأميرات في المملكة يفاخرن بأسمائهن. يقول المتنبي:

فما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال.

المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Abdulrahmaan-Al-Khateeb/4000460