عبدالرحمن الخطيب
عبدالرحمن الخطيب
باحث في الشؤون الإسلامية.

فضح كذب انتخابات النظام السوري بالأرقام

آراء

النظام السوري كان يعلم منذ البداية أنه لن يحصد تأييداً له في الانتخابات، التي أخرج مسرحيتها، لأكثر من نسبة 10 في المئة من الشعب السوري، لذا عمد، قبل أشهر، إلى إضافة نص إلى قانون الانتخابات الرئاسية القراقوشية، يحرم من خلاله أي سوري، خرج من سورية على نحو غير رسمي، من حقوقه في المشاركة في الانتخابات؛ لأنه يعلم أن أكثر من نصف الشعب السوري أضحى خارجها.

الأسبوع الماضي لم يوفر النظام ترغيباً أو ترهيباً أو تزويراً، وسيلة، لحصد أكبر نسبة لتأييده إلا وانتهجها، فقد عمد إلى إجبار جميع موظفي الدولة والجيش والأمن وطلاب الجامعات، وغيرهم على المشاركة في الانتخابات. كان عناصر الأمن عند الحواجز داخل المدن يطلبون من كل من يمر فيها أن يفتح يده اليمنى لإثبات أن فيها آثار حبر. وهدد رؤساء الجامعات الطلاب بالرسوب إن لم يشاركوا، مثلما هدد مديرو الأقسام مرؤوسيهم بالفصل من وظائفهم أيضاً، فضلاً عن تهديد سفارات النظام السوريين في الخارج بحرمانهم من تجديد جوازاتهم. أما الترغيب فقد عمد النظام إلى الإيعاز إلى الأثرياء التابعين لنظامه لنقل الناس بالحافلات إلى المراكز الانتخابية مجاناً. ولكن من أكثر ما أثار السخرية والاشمئزاز، في السياق ذاته، موضوع انكشاف فضيحة أن الكثيرين كانوا يرسلون صور هوياتهم عبر الهاتف النقال إلى اللجان الانتخابية لتدوين أسمائهم بأنهم انتخبوا.

بدأ النظام بالانتخابات في الخارج قبل يومين من بدئها في الداخل؛ لتزوير أصوات على زعم أنها أصوات فخرية أتت في الصناديق من طهران ولبنان. بل إن مسرحية مئات الألوف، الذين زعم أنهم شاركوا في الانتخابات عبر الحدود اللبنانية-السورية، في منطقة المصنع لم يتعد عددهم 12 ألف شخص ممن عبروا إلى سورية، بعد أن منحهم حزب الله بطاقات عبور خاصة، خشية حرمانه من العودة إلى لبنان ثانية، وانتزاع صفة لاجئ عنهم، بعد أن صدرت قرارات من الأمم المتحدة بهذا الخصوص.

بعد أن انتهت مسرحية النظام الأراكوزية، مع ما رافقها من «بروباغندا» مبتذلة، مثل دعوة شخصيات زعموا أنها مستقلة من روسيا وإيران وكوريا الشمالية، لمراقبة شفافية الانتخابات. وعروض الاستهبال والاستعباط التي عرضتها القنوات الفضائية السورية، سواء في نقلها لما سمي بالتصويت في سفارات النظام في موسكو وطهران ولبنان، أم في عرضها المباشر لفتح بضع مئات من مظاريف الأصوات، أو بحفلات رقص الشبيحة في الشوارع؛ إمعاناً منهم في تأييد مجرم قتل أكثر من 22 ألف طفل تحت سن العاشرة، بعد أن انتهى كل هذا، خرج علينا النظام ببيان إعلامي صرح فيه أن من يحق لهم الانتخاب بلغ عددهم 15845575 سورياً، وأن نسبة المشاركة بلغت 73.42 في المئة، وأن عدد الذين شاركوا في الانتخاب بلغ عددهم 11634412، وأن بشار الأسد نال نسبة 88.7 في المئة من الأصوات، أي 10319723 صوتاً، وأن منافسه حسان النوري نال 500279 صوتاً، ومنافسه الآخر ماهر الحجار نال 372301 صوت.

لنبدأ من حيث انتهينا من الإحصاءات الكراكوزية. يعلم الشعب السوري أن لا أحد يجرؤ على انتخاب غير الأسد. ويعلم أن ما جاء في النتائج بأن المرشحين الآخرين نالا هذا العدد من الأصوات لا تنطلي على طفل صغير. إن المرشحين الآخرين (الكومبارس) لم يحصلا إلا على بضع مئات من الأصوات. وهي أصوات أسرتهما وأقربائهما وجيرانهما واللحام والبقال… مجاملةً لهما، ووكلائهما في صناديق الانتخاب. والذي يؤكد هذا الطرح أن لا أحد في سورية كلها كان يعرفهما قبل إعلان اسميهما مرشحين. والدليل الآخر أن النظام حين عرض صوراً مباشرة لفتح المظاريف في 8 مراكز انتخابية تقع تحت سيطرته، لم يخرج إلا صوت واحد لكل مرشح في كل مركز. وأكاد أجزم أنهما صوتا وكيلي المرشحين التابعين للاستخبارات.

في تاريخ 1-1-2011 أصدر المكتب المركزي للإحصاء التابع للنظام، بياناً نُشر في الصحف الرسمية السورية يتضمن أرقاماً رسمية، كشفت أن عدد السكان الذين يحملون الجنسية السورية وفقاً للأحوال المدنية بلغ 24.5 مليون نسمة. ووفقاً لذلك البيان، آنذاك، والنسبة التي أعلنها النظام، الأسبوع الماضي، فيمن يحق لهم الانتخاب. فيجب أن يكون العدد 17620800. هذا بالطبع من دون إضافة من كان عمرهم -آنذاك- 15 عاماً، وبلغ 18 عاماً يوم الانتخاب. أي أن هناك أكثر من مليونين، أغفل النظام إحصاءهم.

ثم لنأتي على ذكر الإحصاءات الرسمية لعدد اللاجئين السوريين المسجلين رسمياً في الأمم المتحدة. في تركيا يبلغ عددهم 1.305.274؛ وفي لبنان 1,222,272؛ وفي الأردن 801,408؛ وفي مصر 145,472؛ وفي العراق 243,409. أما في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية فإن هناك أكثر من 80 ألفاً حصلوا على اللجوء السياسي. أي أن إجمالي أعداد اللاجئين السوريين في دول العالم المسجلين رسمياً ينيف على 4 ملايين. ويقدر عدد اللاجئين غير المسجلين، الذين فروا من سورية منذ بداية الثورة بأكثر من مليونين. أي أن الحصيلة النهائية لمجموع عدد اللاجئين في الخارج يزيد على 6 ملايين.

المؤشر الأبرز أن السوريين المغتربين قبل الثورة، الذين يحملون الجنسية السورية، والمقيمين في الدول العربية يقدر عددهم بـ7 ملايين. أما المقيمون في الدول الأوروبية والأميركيتين فيقدر عددهم ما يقارب 8 ملايين. وفي بقية دول العالم يقدرون بمليون. أي أن مجموع المغتربين السوريين يصل إلى 16 مليون مغترب. وتُظهر بعض الإحصاءات أن نسبة من تجاوز منهم سن 18 عاماً تصل إلى 70 في المئة. أي أن هناك أكثر من 11 مليون مغترب في الخارج يحق لهم الانتخاب.

وإذا أردنا تناول قضية نسبة من شاركوا في الانتخاب من الداخل فإن الشمس لا تُحجَب بغربال، إذ إن النظام -في أحسن الأحوال- لا يسيطر إلا على 50 في المئة من الأراضي، وعليه فإن من بقي في الداخل من المعارضين للنظام يقارب عدد من يحق لهم الانتخاب لا يقل عن 5 ملايين.

ولكي تتضح الصورة الكلية للقارئ فإن عدد السوريين الكلي في العالم يقدر بـ40 مليوناً. ومن أصل 17 مليوناً منهم في الخارج من يحق لهم الانتخاب، لم يتجاوز عدد من ذهب إلى السفارات في البلدان، التي سمحت بإجراء انتخابات في بلدانها، أكثر من 20 ألفاً. وإذا صدقنا جدلاً بأن الأسد له شعبية في الداخل، كما يزعم، فإن عدد مؤيديه من الشبيحة والأمن الذين انتخبوه لا يتجاوز عددهم مليونين في أحسن الأحوال. أي أن مجموع نسبة من شارك في الانتخاب من الشعب السوري لا تتجاوز 9 في المئة.

المصدر: الحياة