حرب مواهب الذكاء الاصطناعي

آراء

حرب خفية تدور رحاها في عالم مواهب الذكاء الاصطناعي، وبالتحديد على جذب المواهب والقدرات البشرية الاستثنائية التي تقودها كبرى الشركات في العالم والدول على حد سواء، للفوز بالنصيب الأوفر من الموارد البشرية التي ستصنع الفارق في صناعة الذكاء الاصطناعي، وهم مدركون تماماً أن تفوق شركة صغيرة مثل (Open Ai) على شركة عملاقة مثل «جوجل» هو أمر لم يكن متوقعاً تماماً، والثورة التي تقودها شركات الذكاء الاصطناعي التي تعتبر صغيرة بالمقارنة مع عمالقة السوق التقليديين في هذا الإطار على غرار شركة نفيديا (Nvidia)، وهي شركة أشباه الموصلات الأكثر قيمةً في الولايات المتحدة الأميركية، والتي أضحت رائدة في سباق الذكاء الاصطناعي كمؤسسة ناشئة تزاحم شركات مثل مايكروسوفت وأمازون وميتا وأبل بفضل نوعية المواهب التي تمتلكها في مجال الذكاء الاصطناعي.

وفي ظل الصراع المحتدم على المواهب يستخدم قادة تكنولوجيا المعلومات حلول الذكاء الاصطناعي لكسب الحرب على المواهب، ووفقاً لبحث أجرته شركة البنية التحتية الرقمية Equinix يرى 62% من صانعي القرار في مجال تكنولوجيا المعلومات العالميين أن النقص في الموظفين ذوي مهارات تكنولوجيا المعلومات هو أحد التهديدات الرئيسية لأعمالهم، إلى جانب كونه أحد أكبر التحديات التي تواجه مراكز البيانات حيث يعد نقص المواهب أحد أصعب التحديات التي يمكن معالجتها. ولكن هل يمكن أن يقدم الذكاء الاصطناعي حلاً؟ فالقلق يتصاعد يوماً بعد يوم بشأن المرشحين ذوي المهارات الخاطئة الذين يتقدمون للوظائف، والمعركة مستمرة للاحتفاظ بالمواهب الحالية وخاصةً أن القطاع يتوسع بسرعة هائلة، والأمر الواضح في هذا الصدد إن لم تتغير الأمور فإن الوتيرة الحالية للنمو غير مستدامة حتماً.

أما بالنسبة للكثيرين في الصناعة وحتى في الدوائر الحكومية المعنية بالحكومات الذكية والتحول الرقمي وركوب موجة الذكاء الاصطناعي في الوقت المناسب، يعتبر هناك تأخير وفجوة سببتها جائحة كورونا وتداعياتها وما تزامن معها من كوراث ونزاعات مسلحة، وبالتالي ضرورة التطور التكنولوجي في ظل استمرار الذكاء الاصطناعي في اختراق القيود وتغيير طريقة عملنا، ولا سيما أنه مع وجود الأنظمة المناسبة يمكن للحكومات والشركات أن توفر مبالغ مالية ضخمة، مما سيقلل من التكاليف من خلال أتمتة المهام، وإمكانية الحصول على بيانات وتحليلات حيوية للإشارة إلى مؤشرات أداء طويلة الأجل وفعالية في دعم سيناريوهات تدريب الواقع المعزز، وتوفير تحليلات تشغيلية فعالة في الوقت الفعلي وتطوير الخدمات والمنتجات بصورة غير مسبوقة.

إذاً الأمل ليس استراتيجية ولن تكون الاستعانة بمصادر خارجية لتوفير المهارات والقدرات الرقمية جزءا من الحل، والذي كان يعتبر الدواء الشافي من خلال استعانة الدول والشركات بالتوظيف عن بعد لكون تلك المواهب ستواجه منافسة محتدمة، وبروز مخاطر وتهديدات ومخاوف متزايدة بشأن الأمن السيبراني، ومع ارتفاع الطلب على القدرات الرقمية وقدرات تكنولوجيا المعلومات الاحترافية خلال العقد الماضي مدفوعاً برقمنة الأعمال، إلّا أن ذلك لم يواكبه وفرة في المهارات عبر مجموعة واسعة من المجالات الرقمية المتخصصة، كالمتخصصين في الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والهندسة/ التخطيط السحابي، حيث كانت الدول والشركات بطيئة في إدراك الآثار الاستراتيجية لهذا التحدي، وسنوات طويلة من إنشاء بيروقراطيات مكونة من طبقات إدارية غير قادرة على إنشاء حلول برمجية بنفسها، وتعتمد على إدارة إنشاء البرامج من قبل أطراف ثالثة.

ولحل هذه المشاكل تحتاج المؤسسات إلى اتباع نهج أكثر استراتيجية وشمولية يتجاوز الاستعانة بمصادر خارجية، والاستثمار في الموارد الماهرة المناسبة في مجالات متخصصة مثل البرمجيات وهندسة البيانات، وحوكمة استخدامات التكنولوجيا المتقدمة ودعم مراكز البحث والتطوير الذكية، وتطوير آليات حديثة للرشاقة والمرونة المؤسسية، وإعادة تنظيم الهياكل وكتابة المهام في رحلة الاندماج مع المتغيرات الحالية والقادمة لا محالة وقبل كل ذلك رفع الوعي الإبداعي الاستراتيجي التقني/الذكي الاستشرافي للقيادات الحالية والمستقبلية للتخلص من الديناصورات الإدارية وهي التي لا يحددها السن والتعليم بقدر عجزها عن التفكير الخلاق.

*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.

المصدر: الاتحاد