سعيد المظلوم
سعيد المظلوم
ضابط في شرطة دبي برتبة مقدم ، حاصل على درجة الدكتوراة من جامعة سالفورد بالمملكة المتحدة في إدارة التغيير وعلى درجة الماجستير في الإدارة العامة (MPA) من جامعة ولاية أوريجون بالولايات المتحدة الأمريكية، مهتم في مجال الجودة والتميز المؤسسي ، يعمل حالياً مديراً لمركز أبحاث التميز بالإدارة العامة للجودة الشاملة بشرطة دبي

خليفة فيسبوك ..!

آراء

منذ سنوات ـ وفي يوم ربيعيّ جميل ـ ورد إليّ طلب إضافة اسم ” خليفة المظلوم ” على حسابي الخاص في الفيس بوك ، بطبيعة الحال ضغطت على زر Accept ، ظناً مني بأن هذا الشخص هو أخي الأصغر ( خليفة ) ومضى الحوار معه طبيعياً ـ يومذاك كنت أدرس في الخارج ـ لكني اكتشفت بعد أيام أن صاحب الحساب ليس أخي (خليفة ) بل هو شخص أخر اسمه : خليفة محمد عيد المظلوم. ولعَلّه من المؤسف حقاً بل والمحرِج أيضاً أن أقول : لقد كانت المرة الأولى التي أعرف فيها أن لدى ابن عمي محمد ولدا اسمه خليفة ..! ولعلّ ما يدعو للعجب و الدهشة أنّ هذه المفاجأة السارة حصلت على الفيس بوك .. !!

الواقع الذي يجب الاعتراف به ، هو: إنني عانيتُ وما زلتُ أعاني من هذه المسألة ( صلة الأرحام ) ولهذا قطعتُ على نفسي عهداً بالتواصل مع ذوي الأرحام أسبوعياً ، سواء كان ذلك بالزيارة أم بالاتصال على أقل تقدير ، وخصوصا أنني أتذكر دائماً قول النَّبِىّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏”‏مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِى رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ‏ “.‏

تعرفت على خليفة أكثر فأكثر ، وبعد أن أنهيت دراستي وعدت إلى أرض الوطن ، سرعان ما التقيت به ، وتشاركنا الرأي حول قلة تواصل الأرحام بيننا، وضرورة عدم قطع الأرحام ، ثمّ تعاهدنا بالخروج معاً لزيارة الأهل والأقارب ، وكان في يوم عيد، وما أجمله من يوم قضيناه بينهم إذْ لبينا فيه أمر الرحمن تقرباً له وطاعة .

” خليفة ابن عمي ” لا يزال طالباً جامعياً ، لكنه ـ مع ذلك ـ علمني درساً رائعاً و جميلاً ، فهو إنسانٌ غَيْرِيّ ، ديدنه المشاركة في الأعمال التطوعية بلا كلل أو ملل ، حتى إنني ـ لحظة كتابة هذا المقال ـ اتصلت به فإذا هو مشغول بعملٍ تطوعي ؛ فقلت في نفسي : ولماذا لا أتطوع أنا أيضاً وأعيش هذه الحياة الإنسانية النبيلة ؛ ولهذا اتخذت قراراً بأن أتطوع، ليصبحا بعد ذلك من أهدافي في العام 2013 ، وقد ترجمتُ هذا القرار النظري على أرض الواقع بأن التحقت بمجموعتين تطوعيتين : الأولى ، تهتم بنشر ثقافة الجودة والتميز، والثانية لها باع طويل في العمل الخيري والإنساني.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام ، هو : لماذا العمل التطوعي ؟ إنه حقيقة سؤال مهم ، فهناك خمسة أسباب تدفعنا دفعا لدخول هذا الميدان الفسيح الرحب ، بل هو العالم الوردي الذي يمنحك السعادة من حيث تدري ولا تدري، ولا أجد غضاضة ًمن التنويه بأنه مفَصّلٌ بوضوح في موقع Volunteerweekly.org وذلك على الشكل الآتي :

1- تطوير الذات : التطوع هو أفضل معلم في الحياة، من خلاله تستطيع اكتساب مهارات حياتية تعينك على النجاح فيها . ” خليفة ” يقول : من خلال العمل التطوعي استطعت كسر حاجز الخوف الذي كنت أعاني منه في التعامل مع الناس، وأبشرك ـ يا بنَ عمي ـ بأنني قد شاركتُ بعمل تطوعي في كوريا ؛ إذْ ألقيتُ كلمة أمام 600 من الحضور ! وأُرْجِعُ الفضل بعد الله في هذا التطور الحيوي لعملي في مجال التطوع .

2- رؤية العالم في حقيقته : نعيش ـ ولله الفضل من قبلُ ومن بعدُ ـ في دولة عزّ وخير، نسمع عن الفقر هناك وههنا ، ولكنّ الغالبية العظمى منّا لم تَعِشه ولم تعرف آلامه ، فهناك من لا يملك قوت يومه، وهناك من لا يملك مكيفاً ينعش له جو الصيف اللاهب. و من خلال تطوعك ستعيش تلك اللحظات وتتعرفُ على الكثير ممّا يعانيه إخوة لك ، وتسعد أيّما سعادة وأنت تشارك في قضاء بعضٍ من حاجات الناس.

3- في التطوع سياحة : بالفعل ، فعندما تشترك في برنامج تطوعي خارجي يكون ـ بالنسبة لك ـ فرصةً للسياحة في ذلك البلد، هو سفر ليس للمتعة فحسب ، وإنما لمساعدة الناس وإعانتهم ، وهي من أعظم متع الحياة. في مثل هذا السفر تلتقي بأناس بسطاء وتتعلم منهم مالم يُتَحْ لك تعلمه في حياتك الطبيعية.

4- الشعور بالإنجاز : عندما ترى ابتسامة طفل يتيم ، عندما ترشد إنساناً إلى مبتغاه، عندما تضع آخر كتاب على رفّ مكتبة قمت بترتيبها لمدرسة ما ، وعندما تقول كلمة تدخل السرور على قلب أحدهم طوال يومه ، فبلا شك ستشعر حينها بالارتياح المُطَعّم بروعة الإنجاز.

5- الصداقة : التطوع يمنحكَ الفرصة لإقامة علاقات صداقة قد تنمو وتتطور وصولاً إلى إقامة مشاريع ناجحة في المستقبل ، وما أجمل الصداقة عندما تتنوع لتشمل ثقافات مختلفة ، نعلم ونتعلم من خلالها !

ما أروعها من إنسانية ؛ تلك التي صدح بها الحبيب المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذْ عممّ ولم يلجا إلى الفرز أو الانتقاء أو الإقصاء ، ولم يصنفْ حسب العشيرة أو اللون أو الدين عند مساعدة المحتاج ، وهو القائل : ‏” ‏السَّاعِي عَلَى الأرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، أَوْ كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ‏ ” .

العالم ينتظر منا مساعدته ..
شكراً خليفة ..