ميرزا الخويلدي
ميرزا الخويلدي
كاتب وصحفي سعودي

«خيارات صعبة» يا عرب !

آراء

قبل 12 عاما (في 28 يوليو/ تموز 2002) كتبت في هذه الصحيفة مقالا يستعرض كتاب المؤلف الفرنسي تيري ميسان الذي صدر باللغة العربية في طبعتين: «الخديعة المرعبة»، و«الخدعة الرهيبة»، يجزم فيه الكاتب أن الاعتداء الإرهابي الذي جرى في نيويورك وواشنطن في 11 من سبتمبر (أيلول) 2001، مجرد «مسرحية دموية» جرت صياغتها بعناية لتعطي الولايات المتحدة الذريعة الكاملة للاستفراد بالعالم تحت ذريعة محاربة الإرهاب، والبحث عن عدو جديد بعد زوال الخطر السوفياتي.

هذا الكتاب لقي رواجا في العالم العربي منقطع النظير، ووجدت نفسي بعد نشر القصة أجيب على أسئلة واستفسارات من قراء من مختلف العالم العربي، يسألونني: أين يجدون هذا الكتاب؟! في الوقت الذي كان فيه النقاد الأوروبيون يسخرون من قصة المؤلف، ورفضت طباعة كتابه دور نشر محترمة.

في العالم العربي هناك من يعشق هذه القصص، وينفخ في رمادها، ويطير مع دخانها في الفضاء، وهو يعلم أنها مجرد أساطير لا قيمة لها.

أخيرا، انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي قصة مشابهة، لم يكلف أحد نفسه عناء التحقق منها، أعني كتاب «خيارات صعبة» لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، فقد احتفت به عشرات المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وكأنه فتح مبين؛ حيث نسب للوزيرة الأميركية قولها: «إن الإدارة الأميركية هي من قامت بتأسيس تنظيم (داعش)، بهدف تقسيم منطقة الشرق الأوسط»، وأن السيدة كلينتون قالت في مذكراتها هذه: «جرى الاتفاق على إعلان الدولة الإسلامية يوم 5 يوليو 2013 (؟؟!) وكنا ننتظر الإعلان لكي نعترف نحن وأوروبا بها فورا»، وقالت: «كنت قد زرت 112 دولة في العالم، وجرى الاتفاق مع بعض الأصدقاء بالاعتراف بـ«الدولة الإسلامية» حال إعلانها فورا وفجأة تحطم كل شيء» ما أفسد العرس الأميركي بإعلان خلافة «داعش» – حسب هؤلاء – قول كلينتون إنه «قيام ثورة 30 يونيو (حزيران) في مصر».

كان السياق العام لهذه الخرافة المنسوبة لهيلاري كلينتون يدعو للسخرية، لو لم يطالعنا وزير الخارجية اللبناني بمقاربة عجيبة لهذه التصريحات.. فالوزير جبران باسيل، وبحسب جريدة «السفير» في (6 أغسطس/ آب 2014)، أخذ الأمر على محمل الجدّ.. وتقدم بطلب رسمي للسفير الأميركي لدى لبنان، ديفيد هيل، مستفسرا منه «عمّا صدر عن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون حول موقف الولايات المتحدة من تنظيم (داعش)، وطلب منه توضيحا بهذا الخصوص»!!.

لا يحتاج الأمر إلى عبقرية لكي يكتشف المرء أن الوزير وقع ضحية «تشبيحات» جرت صياغتها في غرف سوداء وطبلت لها عقول تبحث عن أفيون من خرافة تنتشي بها.

الغريب أن هذه الإشاعة تجد طريقها في عصر الانفجار المعلوماتي؛ حيث يمكن لكل واحد أن يقرأ الكتاب مباشرة عبر تطبيقات المنصات الإلكترونية، أو استعراضه عبر مواقع الكتب في محركات البحث، أو عبر الموقع الرسمي للكتاب (http// www.hillaryclintonmemoir.com).

لكّن هذا النوع من الحكايات يلاقي أذنا صاغية لدى شرائح كثيرة وواسعة في العالم العربي، تريد أن لا تفكر ولا تشغل عقلها في معرفة الأسباب وتحليلها، يكفي أن تُرمى كسلة مهملات في الزاوية الأوسع والأكثر جاذبية في العقل الخامل: المؤامرة..!.

المصدر: الشرق الأوسط
http://aawsat.com/home/article/155776