أيمن العريشي
أيمن العريشي
كاتب وأكاديمي سعودي

دعونا نحتفي بهؤلاء !

آراء

كلما تصفحت شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، أو اطلعت على الرسائل التي تصلني عبر تطبيقات الهاتف المحمول، لا أنكر بأنني أتفاجئ في كثير من الأحيان بنوعية المحتوى الذي تتضمنه تلك الشبكات والتطبيقات ، ما أعنيه هنا هو المحتوى الإيجابي والوجه الجميل للتقنية بدلاً من التركيز دائما على انتقاد المحتوى السلبي وإظهار الوجه القبيح ، لقد أتاحت تلك الشبكات والتطبيقات للكثير من أفراد المجتمع الظهور بوجوه مختلفة عن المعهود ومكنتهم من تقديم أنفسهم لنا بصيغة مختلفة عن تلك التي اعتدناهم عليها ، أعتز بأن لدي في قوائم الأصدقاء مزيجاً من أفراد المجتمع ممن يعملون في مهن ووظائف ومواقع مختلفة، أولئك جميعهم لم يكن يربطني بهم غالباً سوى لقاء عابر أو مناسبة اجتماعية هنا وهناك، كل منهم غارقٌ في أداء عمله وواجباته الحياتية التي لا تنتهي، الحقيقة أن أدوات الاتصال الحديثة أتاحت لنا جميعاً أن نُظهر للآخرين جوانب أخرى من تجاربنا واهتماماتنا وخبراتنا ربما كانت غائبة قبل ظهور هذه الأدوات ،لقد اكتشفت بأن صديقي موظف المطار الذي كنت ألتقيه على عجل عند بوابة الصعود للطائرة، لديه هواية الاحتفاظ بالصور التاريخية لمدينتي وهو يعرضها اليوم عبر صفحته في فيس بوك من وقت لآخر ليختبر أصدقائه في مدى قوة ذاكرتهم فيتسابقون في التعليق على الصور المعروضة وتخمين تلك الأماكن بعد أن تغيرت وتبدلت معالمها مع مرور الزمن ، أما صديقي الموظف الصارم الذي اعتدت منه دائما الجدية وقلّة البوح أجده اليوم ذا حس فكاهي جميل وقدرة على صناعة النكتة وهو الوجه الذي كان غائباً في الواقع لكنه تكشّف اليوم عبر مواقع التواصل الجماعي ، لدي في قائمتي الممرض الذي اعتدت أن أراه بزي العمل في المنشأة الصحية لكنه في صفحته الخاصة يظهر بملَكة أدبية وبلاغية جميلة وراقية ، لدي في قائمتي معلم مادة الحاسب الآلي الذي لم تفسد لوحة المفاتيح مهارة أنامله كفنان تشكيلي يبهرني بلوحاته الفنية الرائعة ، ولدي الكثير ممن لا تتسع المساحة لحصرهم. إن في ثنايا النفس البشرية دائماً مساحة أو ربما مساحات للغوص في أعماق الفنون والآداب والمعارف ، إنني أؤمن بأن لدى كل روح إنسانية قدرة كامنة تؤهلها للإبداع، ربما يكمن الفرق بين بني البشر في مدى توفر الأدوات المساعدة والبيئة المحفزة والمناخ الملائم، ربما أتاحت لنا منصات التواصل الاجتماعي تلك الأدوات وتلك البيئة وذلك المناخ الإيجابي المحفز ، فلتكن منصاتنا الاجتماعية مساحات نحتفي من خلالها بأصدقائنا المبدعين، مرحباً بهم مثقفين وفنانين وأدباء، نحن نعيش عصراً مختلفاً ،عصرٌ يختصر على المبدع تلك المسافة الطويلة التي كان يجب عليه أن يقطعها قبل أن يحتفي بإبداعه مُجتمعه من حولِه !

خاص لـ ( الهتلان بوست )