جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

ديسلكسيا.. عذر من لا عذر له

آراء

اكتشفت وأنا في طريقي لمطار الملك عبدالعزيز بجدة للحاق برحلتي إلى البحرين، إنني متأخر والطائرة على وشك الإقلاع والأفضل أن أعود للبيت، ذلك أنني قرأت موعد الوصول على أساس أنه موعد الإقلاع، ولكني مضيت قدماً نحو المطار مؤملاً أن تعطل نظام الجوازات الذي شل مطارات المملكة قبل أيام مازال مستمراً وربما تأخرت الرحلة، ولكن من سوء حظي وحسن حظ بضعة آلاف من السعوديين يريدون التمتع بإجازاتهم الصيفية، فلقد تم إصلاح النظام وأقلعت طائرتي في موعدها.

غريب أن أفعل ذلك وأخلط بين الموعدين، فأنا مدمن سفر، ومجهز هاتفي الذكي ببرمجيات عدة أسجل بها مواعيد سفري وبالتالي لا يجوز أن أخطئ في أمر كهذا وكل معلومات الرحلة في متناول يدي، لمت نفسي كثيراً ولكن هربت أبحث عن عذر وقلت إنني « ديسلكسيك»! لست متأكداً من ذلك، ولكني لاحظت منذ صغري أنني أعاني صعوبات في حفظ جدول الضرب مثلاً، أو أخلط بين المنصوب والمرفوع، وكل ذلك من علامات الديسلكسيا، وقبل أن يقول أحدهم، هذا ليس مرضاً، إنه « جهل « أقول له، لقد قال هذا كثير من المعلمين أو الآباء لأولادهم، ضغطوا عليهم، اتهموهم بالكسل، أحياناً بالغباء، بينما لو تم تشخيصهم مبكراً لرحموا أنفسهم وأبناءهم قبل ذلك من هذه المعاناة، ووفروا تعليماً خاصاً وتدريبات معينة تمكنهم من التعلم، علماً أن كثيراً من الأذكياء والناجحين مثلي (وقالها بتواضع شديد) مصابون بها .

تعرف الديسلكسيا رسمياً بأنها «ضعف القدرة على فهم اللغة المكتوبة» أو «مرض عسر القراءة». وتختلف الدراسات في تقدير نسبة الطلبة الذين يعانون منها ومعظم الباحثين يضعونها ما بين 5 و 9 في المائة، مع وجود باحثين يصلون بها حتى الخمسين في المائة، ولعل هذا ما يفسر حالة الخلل التي تصيب بعض معلمي الصبيان! بعض حالاتها شديدة مثل القراءة بالمقلوب، خاصة في الأرقام، وبالطبع لا يدخل في ذلك قراءة وقت الوصول كوقت إقلاع، فهذا يدخل في باب عدم التركيز والذي نلخصه في عبارة «اللي واخد عقلك يهنأ به».

من الجيد أننا بدأنا نهتم بهذه الحالة المرضية، ولكن لايزال الاهتمام بها محصوراً بين طبقة من أساتذة التعليم الشباب ممن تلقوا تعليمهم في الولايات المتحدة، ويمكن للوالدين أن يجدا بعضاً من أبحاثهم في التعامل مع الطلبة الذين يعانون منها، أو اختبارات ذهنية لتشخيصها، على شبكة الإنترنت، ولكن يبدو أن خبرها لم يصل بعد لوزارة التربية والتعليم السعودية، إذ لم أجد أي إشارة إليها في موقعهم، وقد أكون مخطئاً إذا لم أنتبه إلى اهتمامهم الواسع، ذلك أنني ديسلكسيك.

المصدر: مجلة روتانا