د. عبدالله المدني
د. عبدالله المدني
أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين

رائد النهضة التعليمية وحركة التنوير في الكويت

آراء

انتقل إلى جوار ربه في مستشفى الصباح في التاسع من يونيو 1996 وتمّ دفنه في مقبرة الصليبيخات، ومنذ ذلك اليوم الحزين وذكرى وفاته السنوية تمر دون أنْ يتذكره أحد ــ بمن فيهم تلامذته ورفاقه الأحياء ــ بمقال أو كلمة، وكأنه لم يكن يوما شاغل دنيا الأدب والثقافة والدبلوماسية في الكويت، وحامل شعلة التنوير والتعليم فيها، هو الذي عاش ماضي بلده وحاضره، وعاصر حقبة ما قبل الاستقلال وبعدها، وكان فيها مواطنا مشهودا له بالوطنية والاخلاص، ومعلما فاضلا، وأديبا لايشق له غبار، وسفيرا ذا حضور وأفضال ومواقف، ووزيرا وقياديا لم تؤلف حكومة في الكويت المستقلة إلا وكان ضمن تشكيلتها بحسب ما كتبه عنه الاستاذ يوسف شهاب صاحب كتاب «من قديم الكويت» الذي وصفه بصاحب «السيرة العطرة» و «الانجازات الحافلة». شخصيا كنت دائم التساؤل عن جذوره منذ سنوات الصبا حينما كنت أفتش في الصحف لإختيار بعض الأخبار للإذاعة المدرسية. فكلما وقعت عيناي على صورته ضمن تشيكلة الحكومات الكويتية الأولى في حقبة ما بعد الإستقلال كنتُ أسأل نفسي لماذا يتميز هذا الرجل دون كل زملائه في الحكومة بارتداء الملابس الافرنجية الانيقة؟ وكنتُ أجيب على السؤال بنفسي قائلا «لابد أنه فلسطيني تم تجنيسه» وكان الفلسطينيون كثرا وقتذاك ويشغلون مناصب رفيعة في أطر الدولة الكويتية الحديثة. لاحقا إكتشفتُ بطريق الصدفة أنّ المفردة او الصفة التي تسبق إسم والده لا يستخدمه الفلسطينيون عادة لكنه شائع في العراق وبلاد فارس. حينذاك توقعت أنْ يكون للرجل جذورعراقية أو جذور عربفارسية خصوصا وأنّ موقع الكويت الجغرافي بين العراق والبر الفارسي سهـّـل عملية الانتقال والهجرة والمصاهرة بين الأقطار الثلاثة وشعوبها. على أنّ هذا التوقع لم يكن صحيحا أيضا. وهكذا مرتْ سنوات طويلة قبل أنْ أعرف أنّ الإسم الكامل لصاحبنا هو «عبدالعزيز ملا حسين التركيت» وأنّ عائلة التركيت عائلة قرشية شريفة هاجرتْ من الحجاز إلى شرق الجزيرة العربية على دفعات ما بين عامي 1760ـ 1790 ، وأنّ نسبها يرجع إلى قريش من السوالمة من بني مخزوم، وأنّ جدها الأكبر هو الشيخ أحمد بن محمد بن الشيخ الخضر بن سعيد بن المسيب القرشي المخزومي، وأنّ أول توثيق لهذه العائلة في الكويت يعود إلى 1830 اعتمادا على كتاب في شرح الفقه الشافعي من تأليف الملا «حسين بن عبدالله التركيت»، وهو ممن تركوا أثرا بارزا في الحقلين الديني والإجتماعي في الكويت قديما. ولعائلة التركيت، التي تعتبر من أقدم العائلات التي سكنت «الحي الشرقي في مدينة الكويت، مصاهرات مع العائلات الكويتية التالية: المخيزيم ،النصرالله، السميط، الغنيم، الرويح، الهاجري، العدواني، العمر، السليم، العمار، المنديل، العتيبي، العصفور، العيسى(القناعات) – العيسى(الفيحاء)، آل ظمين، الجيران، الخشتي، الشلال، الصقر، الشاهين، بوناشي، العجلان، البكر، اليعقوب الحمد، الدعيج، الوهيب، الدخيل، الفرحان، الزنكي، القميز(أهل الرياض)، الحمد(أهل الخبر)، القريشي(أهل الشرقية)، الصقعبي، العبدالمغني، الغربللي. أما أهم الشخصيات التي برزتْ في عائلة التركيت عدا مستشار الأمير والوزير والسفير والأديب والمربي المرحوم الاستاذ عبدالعزيز حسين فهي: محمد محمد صالح التركيت (إمام وخطيب وأول أمين مكتبة في الكويت، كرمته الدولة فأطلقت إسمه على المكتبة العامة بمنطقة بيان وأطلق اسم والده محمد صالح التركيت على مسجد بمنطقة الخالدية)، عبدالرحمن بن حسين بن محمد التركيت (درس في الأحساء وعينه الملك عبدالعزيز قاضيا في مدينة الجبيل وكان يـُسمى بالشيخ عبدالرحمن الكويتي ومن ثم أصبح قاضي مدينة الأحمدي)، ومحمد بن حسين بن محمد التركيت (شاعر وأديب). ولد عبدالعزيز حسين في 26 نوفمبر 1920 في «حي الشرق» بمدينة الكويت إبنا لـ «ملا حسين التركيت» الذي عــُرف عنه الورع والتقوى وصفات التدين الوسطي التي انعكست على أبنائه، والذي عمل مثل غيره من الرعيل الكويتي الأول في الغوص قبل أنْ يتحول إلى تجارة أدوات السفن والصيد والغوص. ولأن بيت والده كان يعبق برائحة الدين والأدب والثقافة، ويحتوي على مكتبة عامرة بنفائس الكتب والمؤلفات، فإن عبدالعزيز لم يجد صعوبة في مسيرته التعليمية التي بدأت بالتحاقه بالمدرسة المباركية في 1927 ثم انتقاله إلى المدرسة الأحمدية التي أنهى فيها دراسته الثانوية في 1937 . وعن المدرسة الأخيرة كتب يوسف شهاب أنّ الرجل كان من بين من تتلمذوا فيها على يد الأساتذة عبدالملك الصالح وعبدالمحسن البحر وراشد السيف وسيد عمر عاصم، وأن نبوغه في اللغة العربية تحديدا يرجع إلى جلوسه إلى جانب المرحوم الشيخ يوسف بن عيسى القناعي الذي أثنى عليه وأولاه عناية خاصة. ويمثل العام 1939 عاما مفصليا في حياة عبدالعزيز، ففيه أختير ليكون ضمن أول بعثة تعليمية ترسلها الكويت للدراسة في الخارج، وكانت وجهتها القاهرة، وكان يرافقه فيها كل من أحمد مشاري العدواني، ويوسف عبداللطيف العمر، ويوسف مشاري البدر، علما بأنّ البعثة سافرت إلى مصر عن طريق البر فوصلتها بعد 21 يوما. في القاهرة التحق عبدالعزيز بكلية اللغة العربية والدراسات الاسلامية التابعة لجامعة الأزهر فتخرج منها في 1943 حاملا الشهادة العالمية في اللغة العربية. في هذه الأثناء كان العالم يعيش أهوال الحرب العالمية الثانية فطلبتْ حكومته منه العودة إلى الكويت، لكن الرجل فضّـل البقاء في القاهرة لمواصلة الدراسة خوفا من أنْ تتسبب عودته إلى الكويت في ضياع فرصة حصوله على شهادات أعلى. وهكذا إلتحق عبدالعزيز في 1943 بكل من كلية التربية في جامعة الأزهر والمعهد العالي للمعلمين التابع لجامعة القاهرة، فتخرج منهما في 1945 حاملا من الأولى شهادة تخصص في التدريس، ومن الثانية شهادة الدبلوم العالي. على إثر هذا الانجاز عاد إلى وطنه الكويت لخدمتها، خصوصا وأنّ الأخيرة في هذا الوقت، أي في 1945، كانت على مشارف نهضة تعليمية وتنموية كبيرة بسبب عائدات النفط. غير أنّ دائرة المعارف الكويتية (وزارة التربية والتعليم لاحقا) كان من رأيها أنْ يعود عبدالعزيز إلى القاهرة في اواخر 1945 ليستثمر تجربته وعلمه في الإشراف على طلبة الكويت المبتعثين إلى القاهرة من خلال إدارة المركز الثقافي الذي صار يـُعرف لاحقا بـ «بيت الكويت» الواقع في حي الزمالك. وبيت الكويت، لمن لا يعرفه، كان بمثابة سفارة في مصر للكويت قبل استقلالها وقد افتتحه الرئيس عبدالناصر في حفل كبير في 1954 بحضور رئيس دائرة المعارف الكويتية المرحوم الشيخ عبدالله الجابر الصباح، ثم تحول هذا البيت الى سفارة لدولة الكويت المستقلة. وعلى الرغم من عمره الذي لم يكن يتجاوز الخامسة والعشرين وقتذاك، فإن عبدالعزيز أبلى بلاء حسنا في المهمة الموكلة إليه. فعلى سبيل المثال لم يمض سوى عام على عودته إلى المملكة المصرية إلا والرجل يؤسس ويترأس تحرير مجلة تتكلم عن شئون وشجون الطلبة الكويتيين في القاهرة وتعبر عن آرائهم وطموحاتهم تحت إسم «مجلة البعثة»، علما بأنّ هذه المجلة كانت توزع في الكويت بثمن بخس وكان عليها إقبال شديد من كل فئات المجتمع. وعلى الرغم مما قيل حولها من أنها مجرد نشرة طلابية لا ترتقي إلى العمل الصحفي الجاد، إلا أنها سدتْ فراغا صحفيا كبيرا كانت تعيشه الكويت، وأثبتت بمواضيعها المتنوعة وأقلامها الوطنية الشابة المتعلمة، وحواراتها الفكرية الجريئة، أنها إيذان بظهور صحافة كويتية لها خصوصياتها. وليس أدل على ذلك من أنها وضعتْ في اعتبارها كل فئات القراء، فاعتنت بالصور والرسم والكاريكاتير والفتاة والبيت والاسرة والرياضة، وأرفقتْ نسخها بملاحق في بعض المناسبات، وأخرجتْ عددا خاصا عن البحرين في ابريل 1953 إيمانا منها بوحدة الخليج ودوره القومي، وأفردتْ صفحاتها للأقلام النسائية مثل بدرية الغانم وغنيمة المرزوق وبثينة محمد جعفر بأسمائها الصريحة لأول مرة، وقبلتْ مساهمات القراء من كل الأقطار بما فيها أمريكا التي كاتبها منها أحمد زكي أبوشادي مؤسس جماعة أبوللو. هذا ناهيك عن انها بدأتْ بصفحات قليلة ثم توسعتْ إلى أربعين فسبعين فمائة صفحة. وقد سـُجل عن عبدالعزيز حسين الذي يعود إليه الفضل الأكبر في ولادة «مجلة البعثة» قوله عنها: «قضيت أجمل الأيام فيها. كنا نعيش حلمنا. المجموعة كلها تعمل كخلية نحل. فريق واحد نحو هدف سام. كنا نعتصر كل ما فينا من أجل إصدار يكون هو وجه الكويت في الخارج. كنا نتسابق مع كل شيء. ورغم كل الصعوبات لم نتراجع ولم نتوان، لأننا في النهاية كنا وضعنا الأسس، وإصرارنا هو الذي أخرج هذا الإصدار. وحتى بعدما عدتُ إلى الكويت واصل الرفاق الرحلة واستطاعوا أنْ يجعلوا من المجلة شمعة كويتية مضيئة ومنارة تمثلها في الخارج والداخل». أما أديب الكويت عبدالله زكريا الانصاري الذي رافق المجلة منذ صدورها وحتى توقفها، وكتب في كل أعدادها فيقول بعد الثناء على عبدالعزيز حسين والتأكيد على دوره المحوري في ولادة المجلة:»البعثة هي سجل القدر الأكبر من قصائد المرحوم أحمد العدواني، وقصص فهد الدويري وجاسم القطامي، وأشعار عبدالمحسن الرشيد، ومقالات المرحوم عبدالعزيز حسين، ومحاولات حمد الرجيب، وغير هؤلاء ممن أثروا الحياة الفكرية والثقافية في الكويت إلى اليوم». كتب أحمد خضر في مجلة «آداب» الكويتية(العدد 500 يوليو 2000) أنّ عبدالعزيز لم يكتف بدور المتفرج أو المراقب الخارجي أثناء سنوات تواجده في القاهره، بل ألقى بنفسه وسط التيارات الفكرية والمدارس الثقافية المعاصرة، يتفاعل معها ويقرأ عنها ويدرسها ويراقبها ويستوعب نقاشاتها. وآية ذلك موقفه الخاص من الحوار الذي كان دائرا حول التعليم ومسئولية الدولة بين طه حسين الذي كان يرى أنّ على الدولة أنْ تجعل التعليم متاحا للجميع كالماء والهواء، واسماعيل القباني الذي كان له رأي مفاده «أننا ما زلنا في مرحلة تستدعي تخريج قادة تربويين من النخب ممن يستطيعون بخبرتهم وعلمهم وكفاءتهم أنْ يضعوا الأسس السليمة لنهضة تعليمية متنامية توصلنا في نهاية المطاف إلى التعليم الشامل لكل مواطن». وكان من رأي عبدالعزيز حسين أنه لا تناقض بين الموقفين بمعنى أنْ يصبح التعليم متاحا كالماء والهواء لكل القطاعات لا يتناقض مع أنْ يكون هذا التعليم على أرفع مستوى. في 1950 عاد عبدالعزيز إلى الكويت تاركا إدارة بيت الكويت لحمد عيسى الرجيب ورئاسة تحرير مجلة البعثة لعبدالله زكريا الأنصاري، لكن إقامته في وطنه لم تطل. إذ سرعان ما وقع عليه إختيار مجلس المعارف لبعثة دراسية جديدة كانت وجههتها هذه المرة هي لندن، والهدف منها هو أن يلتحق الرجل بالمعهد العالي للتربية في لندن لدراسة التربية وعلم النفس، وأيضا الإطلاع على أنظمة التعليم الغربية. وبعد أنْ أنهى عبدالعزيز برنامج المعهد وتخرج منه في 1952 طلب منه مجلس المعارف أنْ يعود ليتولي منصب مدير المعارف، وكان وقتها في سن الـ 32 . وقتها شكك الكثيرون في قدرة من كان بهذا العمر بتحقيق إنجاز باهر في قطاع التعليم، لكن حكومة المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح كانت واثقة من قدراته وكفاءاته تعويلا على ما حققه أثناء سنوات إشرافه على بيت الكويت. وهكذا بدتْ الكويت على موعد مع الرجل المناسب في الموقع المناسب، أو مع الرجل الذي سـُجل عنه قوله ذات يوم «إننا نعمل على أنْ نقطع في نهضتنا هذه خلال ربع قرن ما قطعه غيرنا في عشرة قرون». والحقيقة أنّ هذا الكلام تحول إلى واقع معاش ومحسوس، فخلال الفترة ما بين 1952 ـ 1961 استطاع عبدالعزيز أنْ يغير كيان مجتمعه وأنْ يحقق معظم أحلامه في حدود مسئولياته. لكن كيف فعل ذلك؟ الإجابة جاءت من أحمد خضر في مقاله المشار إليه آنفا بمجلة «آداب» حينما قال (بتصرف): «كان مفتاح عبدالعزيز حسين لكل الانجازات التي حققها هو وعيه العميق بطبيعة مجتمعه، وهو ما جعله من أين وكيف يبدأ. وقد ظهر هذا الوعي بجلاء في كتابه الوحيد (محاضرات عن المجتمع العربي بالكويت) الصادر في القاهرة في 1960، حيث قدم فيه رصدا دقيقا لواقع المجتمع الكويتي قبل النفط وبعد انتاجه في 1946 . وبهذا الوعي العميق لمجتمعه استطاع أنْ يحول إدارة المعارف إلى خلية هدفها تحقيق نهضة شاملة على مختلف المستويات. وقامت هذه النهضة وفقا لإستراتيجية من أهم أعمدتها المجانية التامة للتعليم، إطلاق تعليم البنات، التوسع في إرسال البعثات الدراسية إلى الخارج، تعميم ريض الأطفال، الاهتمام بالمدارس والمدرسين، وربط التعليم بالثقافة. العام 1961 يؤرخ لبداية انتقال الرجل من موقعه القيادي في التعليم إلى المناصب السياسية. ففي ذلك العام كان في القاهرة لإجراء محادثات تربوية مع نظرائه المصريين بصفته مديرا للمعارف الكويتية، فإذا برسالة تأتيه من الشيخ عبدالله السالم الصباح يطلب منه فيها أن يقوم بتقديم طلب باسم الكويت إلى الجامعة العربية من أجل الحصول على عضويتها. وبالفعل قام الرجل بما طــُلب منه، ثم غادر القاهرة إلى جنيف لتمثيل الكويت في مؤتمر دولي عن التعليم. في هذه الأثناء اندلعت الأزمة الكويتية ـ العراقية على إثر رفض الحكومة العراقية إستقلال الكويت والتهديد بغزوها ومطالبة الزعيم عبدالكريم قاسم بالسيادة الكاملة عليها. هنا أيضا لم يجد أمير الكويت رجلا أفضل من عبدالعزيز حسين لتكليفه بالسفر إلى نيويورك لعرض قضية بلاده أمام الأمم المتحدة في يوليو 1961 ، فقام بالمهمة خير قيام، الأمر الذي شجع الحكومة الكويتية على تكليفه برئاسة الوفد الكويتي في جلسة الجامعة العربية المخصصة لمناقشة عضوية الكويت وأزمتها مع العراق. وفي الثاني من ديسمبر 1961 تم تعيينه بموجب مرسوم أميري كأول سفير مفوض للكويت في مصر، وقدم أوراقه بتلك الصفة إلى الرئيس جمال عبدالناصر. أما حكايته مع التشكيلات الوزارية الكويتية المختلفة فتعود إلى 1963 حينما استدعي من القاهرة ليعين وزيرا للدولة لشئون مجلس الوزراء في ثاني الحكومات في تاريخ الكويت وكانت برئاسة الشيخ صباح السالم الصباح. بعدها ظل ماسكا بهذه الحقيبة في كل الوزارات الكويتية المتعاقبة التي شكلها الشيوخ صباح السالم الصباح وجابر الاحمد الجابر وسعد العبدالله السالم حتى خروجه من المنصب الوزاري باستقالة الحكومة الحادية عشرة في مارس 1985 . بعدها رغب الرجل في التفرغ لأعماله الخاصة لكن الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح عينه مستشارا خاصا لسموه من 1985 وحتى تاريخ وفاته، تكريما وتقديرا له. ويمكن القول أنّ أحد أبرز منعطفات حياته كان في 1973 حينما أسْـندت إليه رئاسة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وهي الرئاسة التي ظلت تلازمه حتى خروجه من الحكومة في 1985 . فمن خلال هذا الصرح جسد عبدالعزيز خلاصة تجربته وحقق كل آماله وطموحاته في رؤية الكويت منارة ثقافية مرتبطة بعمقها العربي، وأداة من أدوات التكامل والنهضة والتعاون بين الكويتيين وأشقائهم العرب. وقد اقترن إسمه أثناء قيادته لهذا الكيان الثقافي بتأسيس أو أنشطة العديد من الصروح الثقافية والعلمية على المستويات المحلية والعربية والدولية مثل: المرسم الحر، جامعة الكويت، معهد الكويت للأبحاث العلمية، الهيئة العامة للجنوب والخليج العربي، كلية العلوم والتكنولوجيا بالقدس، الخطة الشاملة للثقافة العربية، مشروع مكتبة الإسكندرية العالمي، معهد تاريخ العلوم العربية والاسلامية في جامعة فرانكفورت، معهد العالم العربي في باريس، إضافة إلى مشاريع منظمة اليونيسكو. وفي مقاله المشار اليه سلفا بمجلة «آداب» يلخص لنا الاستاذ احمد خضر شخصية ومآثر الرجل قائلا (بتصرف): «مَن يستعرض مسيرة عبد العزيز حسين، سيجد أنّ الرجل لم يحصر نفسه أبداً داخل الأطر الأيديولوجية أو الحزبية رغم سيادة الخطاب الأيديولوجي في الخمسينيات والستينيات. فمما لا شك فيه أنّ الرجل ينتمي إلى سلسلة من روّاد التنوير الكبار الذين أنجبتهم هذه الأمة، وربما يكون آخر العمالقة من أبناء هذا الجيل من الرواد. إلى ذلك، كان يمتلك حسّاً استراتيجياً فائقاً مكنه من تطبيق الكثير من أفكاره رغم تباين المسئوليات التي اضطلع بها خلال رحلته الوظيفية. وهو عبقرية إبداعية حقيقية رغم أنّ البعض قد يستغرب تعبير إبداعية هنا لأن إنتاجه المكتوب محدود جداً. والواقع أنّ هذه العبقرية حققت إبداعها الخاص بطريقة تنطوي على الكثير من إنكار الذات والتضحية بالمجد الشخصي من أجل أبناء وطنه. وكان هذا من حسن حظ الكويت! فالمجتمع الكويتي في ذلك الوقت لم يكن يحتاج إلى ترف الأعمال الفكرية المكتوبة التي تتحدث عن أهمية التعليم والتنوير وإطلاق الطاقات بقدر ما كان يحتاج إلى إنجازات على الأرض. فمن السهل على المرء أن يتحدث عن ضرورة تحقيق نهضة تعليمية في البلاد، لكن من الصعوبة تحقيق هذه النهضة والحفاظ على استمراريتها. وهكذا، ضحى المفكر بمجده الشخصي الذي كان سيحصل عليه لو تفرّغ للكتابة أو للعمل الحزبي من أجل مجد وطنه ومن أجل الرسالة التي آمن بها وكرّس لها كل حياته. وربما لن يحتل عبد العزيز حسين المكانة التي تليق به على خارطة الإبداع الثقافي والفكري المكتوب، لكنه يحتل بالتأكيد مكانة شديدة الخصوصية في قلب شعبه وقلب أمته العربية بوصفه الرجل الذي حمل مشعل التنوير وتقدم الصفوف ليضيء الدرب لأبناء وطنه في لحظات عزّ فيها الضياء». ونختتم بالاشارة إلى أنّ الرجل قد كرمته بلاده في اليوبيل الذهبي للإعلام في 2003 ، كما تم الاتفاق في 2009 على إصدار طابع بريدي لتخليد ذكراه، ناهيك عن أنّ أسمه أطلق على مركز ثقافي، ومكتبة، ومدرسة متوسطة للبنين.

المصدر: الأيام البحرينية
http://www.alayam.com/Home/Article/389970#