أحمد الحناكي
أحمد الحناكي
كاتب في صحيفة الحياة اللندنية

عمرو موسى وعودة الوعي

آراء

مذكرات وزير الخارجية المصري الأسبق، الأمين العام للجامعة العربية الأسبق أيضاً، تثير تساؤلاً حائراً؛ عن صدقية المذكرات في شكل عام، والتي تصدر عن الزعماء والمسؤولين بعد مغادرتهم الكرسي الذهبي.

لا شك في أن أدب المذكرات مهم، فمنه نكتشف معلومات وأسراراً لم تكن لتظهر من دونها، غير أن مذكرات الفنانين على سبيل المثال تختلف قطعاً عن نظيرتها من مذكرات المثقفين أو السياسيين، كما أن الغربيين أكثر انفتاحاً وصدقاً مع النفس في مذكراتهم، لأن رد الفعل لدى المجتمعات الغربية ليس كالشرقي، لاعتبارات نعرفها جميعاً.

المؤكد أن علينا النظر في حذر وريبة إلى كل مذكرة تصدر عن سياسي، فهو عادة – كما يقال – «مخادع ومتلون»، ولا يكتب جملة من دون أن يضع في الحسبان أموراً كثيرة في تفكيره.

وعودة إلى عمرو موسى ومذكراته، فأهميتها تكمن في أهمية صاحبها الذي عاصر زعماء مصريين وعرباً منذ عقود عدة، غير أن الأخذ بما يقوله من المسلمات أمر غير منطقي. من وجهة نظري أن السيد عمرو موسى ارتكب أخطاء عدة أضعفت هذه المذكرات، وقبل أن أوردها أعيد الجميع إلى كتاب الراحل الكبير توفيق الحكيم «عودة الوعي»، الذي نشره بعد وفاة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بسنتين، إذ يرى فيه أنه تعرض والمصريين إلى ما يشبه غسل للدماغ، فانساقوا بعواطفهم ورمّزوا «ثورة يوليو» و«عبدالناصر» ولم يشاهدوا أخطاءه.

توفيق الحكيم أحد عباقرة مصر من الأدباء، ولا يختلف في ذلك اثنان، لكن هذه الموهبة لا تعني أن ما يقوله – بوصفها آراء – منزهة عن الخطأ والتلفيق، ولو كان الحكيم شخصاً مهمشاً أو مجهولاً أو أديباً ناشئاً لتفهمنا صمته آنذاك، فهو من مناصري الثورة، بل إن عبدالناصر كان يعتبِر كتابه «عودة الروح» إلهاماً شخصياً له، وما حدث أن «الحكيم» عاد إليه وعيه «ويا للسخرية». بعد عام 1972، أي بعد أن آلت الأمور إلى السادات، الذي كشف عن وجهه الكاره لكل ما يمت إلى عبدالناصر، فأطلق العنان بحملة مكثفة لتشويه سلفه، فالتقط توفيق الحكيم وأنيس منصور وإحسان عبدالقدوس وثروت أباظة، وكثيرون غيرهم، «الإشارة»، فاشترك في الحملة مثقفون وفنانون والإخوان المسلمون، فلم يتركوا رذيلة أو صفة قبيحة إلا وألصقوها بالرئيس جمال عبدالناصر.

لكي نحاول أن نصبح محايدين يجب أن نقر بأن هناك تجاوزات في عهد عبدالناصر وأخطاء، وإن كان عهده أحادي الرأي، لكن معظم منتقديه لاحقاً – عدا موقف الإخوان المسلمين التاريخي تجاهه، لأنه كشف عن خطورتهم وقلّم جميع أظافرهم – كان دافعهم هو النفاق للسادات لا غير.

عمرو موسى ذكر في مذكراته أن عبدالناصر كان يستورد طعاماً من سويسرا، وهو بذلك يتهم ناصر بما لم يذكره ألد أعدائه وهم الإخوان المسلمون. والكل يعرف أن الرئيس الراحل غادر الدنيا بيد نظيفة ولم تكن له أملاك أو أطيان، وعاش حياته ببساطة، وكل من عاداه لأسباب مختلفة لم يحاولوا النبش في ذمته المالية، لأنهم يعرفون أنها ستفقدهم الصدقية فوراً. صحيح أن موسى برّر لاحقاً أن استيراده خاص بنوع من الحمية الغذائية، إلا أن مفهوم جلبه الطعام مخصوصاً من سويسرا هي محاولة لإدخال فكرة الترف والفخامة المعيشية للرئيس الراحل. هذه بعض كلمات مدير المخابرات المركزية الأميركية الأسبق يوجين جوستين في كتابه «التقدم نحو القوة»، التي يصف بها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر: «مشكلتنا مع ناصر أنه بلا رذيلة، ما يجعله من الناحية العملية غير قابل للتجريح، فلا نساء ولا خمر ولا مخدرات، ولا يمكن شراؤه أو رشوته أو حتى تهويشه. نحن نكرهه عموماً، لكننا لا نستطيع أن نفعل تجاهه شيئاً، لأنه بلا رذيلة وغير قابل للفساد..». النقطة المهمة جداً هي أن أية مذكرات تصدر، ومعظم أبطالها غير أحياء، لا قيمة لها، فمن الذي سيكذبه أو يصادق على ما قاله؟

السيدة هدى جمال عبدالناصر وجهت سؤالاً إلى عمرو موسى تقول فيه: «رؤيتك السياسة لوالدي أو نظامه لا تعنيني على الإطلاق، ولكنني أكرر السؤال هنا: لماذا لم تستقل يا سيادة السفير، طالما أنك كنت معارضاً لرئيس جمهوريتك إلى هذا الحد؟ وفى كل دول العالم السفير وأعضاء السفارة يمثلون رئيس الدولة؟

المصدر: الحياة