د. محمد العسومي
د. محمد العسومي
كاتب إماراتي

عواقب متوقعة لسحب السفراء

آراء

ترتبط دول مجلس التعاون الخليجي بروابط متينة، كما أن الاتفاقيات والمشاريع التنموية المشتركة، كالاتفاقية الاقتصادية والاتحاد الجمركي والسوق المشتركة ومشروع الربط الكهربائي والقطار الخليجي وغيرها الكثير، أضحت تمثل مكوناً اقتصادياً مهماً لا يمكن لأي دولة الابتعاد عنه بسهولة.

من هنا طرحت العديد من التساؤلات حول التداعيات الخاصة بسحب سفراء كل من الإمارات والسعودية والبحرين من قطر بعد تمادي قطر في الإخلال بالاتفاقيات الأمنية المبرمة في نطاق مجلس التعاون رغم محاولات الدول الثلاث لحل هذه القضية ودياً، وبالأخص تصريحات التهدئة والمحبة، التي حملت في طياتها حكمة زايد، والتي أدلى بها الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.

بالتأكيد هناك تداعيات اقتصادية مؤثرة في حالة عدم تراجع قطر عن دعمها لبعض المنظمات، التي تعتبر معادية لدول المجلس، وبالأخص «الإخوان المسلمين»، إلا أن هذه التداعيات ستلحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد القطري بصورة أساسية وبالقطاع الخاص هناك على وجه التحديد، في الوقت الذي لن تتعرقل فيه المشاريع الخليجية المشتركة، وذلك بسبب ضآلة حجم الاقتصاد القطري والذي لا يشكل أكثر من 4 في المئة من مجموع الاقتصاد الخليجي.

سيكون مركز قطر المالي أول ضحايا هذا الخلاف، فالسوق المالية القطرية صغيرة وتعتمد على بعدها الإقليمي، وبالأخص دول مجلس التعاون، كما أن الاستثمارات الخليجية في سوق الدوحة للأوراق المالية تقدر بـ 62.5 مليار ريال قطري، مما يفسر خسائر البورصة القطرية والتي قدرت بـ 21 مليار ريال في الأيام الأولى لسحب السفراء.

تجارياً تعتمد قطر على جاراتها، وبالأخص الإمارات والسعودية في مجالي التصدير والاستيراد وتسويق المنتجات القطرية، مما يعني أن إغلاق الحدود البرية مع السعودية إذا تطورت الأمور في هذا الاتجاه سيعني خنق الاقتصاد القطري وتكبد مؤسسات القطاع الخاص خسائر جسيمة على أكثر من صعيد. يأتي ذلك في ظل تنفيذ مشاريع لاستضافة كأس العالم عام 2022 بقيمة 42 مليار دولار، ما تسبب في ارتفاع الدين الخارجي بصورة خطيرة ليصل إلى 86 في المئة من الناتج المحلي وفق صندوق النقد الدولي، ما يعني أن هذا الخلاف يأتي في غير موعده بالنسبة لقطر.

أما البلدان الثلاثة الأخرى، فإن تأثرها يكاد لا يذكر بفضل حجم اقتصاداتها الكبيرة «الإمارات والسعودية»، وانفتاحها على بعضها البعض، أما موضوع الغاز القطري، فيمكن تعويضه بسهولة، علماً بأن وقفه سيلحق ضرراً أكبر بسلطنة عُمان التي تعتمد عليه في بعض الصناعات.

تبقى هناك المشاريع الخليجية المشتركة، سواء المنفذة أو تلك التي تحت التنفيذ، إذ أن المنفذ منها، كالربط الكهربائي لا يمكن الرجوع عنه لما يمثله من خسائر للجميع، أما تلك التي تحت التنفيذ، كالقطار الخليجي، فإن 95 في المئة منه يقع خارج حدود قطر، ويتركز أساساً في أراضي كل من الإمارات والسعودية وعُمان، مما يعني أن انسحاب قطر منه سيكلف الاقتصاد القطري الكثير من الخسائر، كما أنه لن يؤثر في استمرار تنفيذ هذا المشروع الحيوي.

صحيح أن الوضع المالي لقطر قوي للغاية، ففائض الميزانية بلغ 40 مليار ريال قطري، إلا أن الأضرار ستطال أساساً الأوضاع الاقتصادية العامة وصادرات القطاع الخاص تحديداً وتلبية متطلبات السوق الداخلية بالمرونة والسرعة نفسها.

يشير ذلك إلى أن المصالح الاقتصادية الخليجية لم تكن بهذا الترابط، كما هي اليوم، كما أن الاقتصادات الخليجية الصغيرة هي أشد حاجة لوجود السوق الخليجية المشتركة والتي تعتمد على أكبر اقتصادين وأكبر سوقين، هما الإمارات والسعودية.

لا نتمنى، ولا يتمنى أي خليجي، أن تسير الأمور ضمن السيناريو الذي تحدثنا عنه حول الأضرار الاقتصادية التي يمكن أن تلحق بالاقتصاد القطري، وإنما نتمنى أن تسير ضمن النهج الذي دعا إليه سمو الشيخ محمد بن زايد وأن تنجح محاولات الوساطة التي يزمع سمو أمير الكويت القيام بها قريباً، وأن تأخذ قطر مكانتها الطبيعية بين أشقائها بعيداً عن المنظمات والمؤسسات المتطرفة والتحريضية.

المصدر: الاتحاد