أيمن العريشي
أيمن العريشي
كاتب وأكاديمي سعودي

فلنحكّم ضمائرنا !

آراء

نحن معاشر الرجال نقف بقوة أمام كل دمعة توشك أن تتحدر على أحداقنا ، نريد أن نظهر دائما في مظهر الأقوياء الشجعان الذين لا تهزهم صنوف الدهر ولا تحركهم نوازل الأيام ، ونحن في ذلك نختلف عن شقائقنا النساء ، هن الأكثر كرماً في دموعهن ولو على أحد وجهي الوسادة .

لا أعتقد أن الدمعة عيب ، ولو كان البعض مقتنعاً بأنها عيبٌ فمصير تلك القناعة الزوال . في بعض المواقف لا تختبر الدموع شجاعتنا ولا تستأذن حضرة كبريائنا كي تعبر جفوننا بأمان.

أما دموع الأطفال فشأن آخر ، لا يجيد الأطفال استخدام سلاح دموعهم ! والكبار بدورهم لا ينساقون خلف مسلسل دمع صغارهم ، وحدها الأيام كفيلة بأن تجعل كل كبير يعرف بالضبط نوع دمعة صغيره وكيفية التعامل معها ، فما بين دمعة تنطوي على استجداء بعد أن فشلت كل الأساليب الأخرى ، وبين دمعة وجع لم يعد يطاق فيعبر عنه بنهر دموع ، كل تلك الدموع يمكن مسح أثرها من عيون الطفل بل وحتى تجفيف منبعها متى عرف سببها .

ثمة دمعتان يصعب التعامل معهما ، يصعب الوقوف أمامهما ومجابهتهما بصلابة ، دمعة طفل خائف في مدن تحولت إلى جبهات قتال ، وأخرى لطفل جائع في غياب رغيف خبز ، هاتان الدمعتان تسيل بغزارة في مواسم حماقات الكبار ، في الحروب والمجاعات والصراعات ، تدور رحى الخوف والجوع بقوة وتطحن في قلوب الكبار والصغار على حد سواء ،قد يجدُ الكبار في شدة البأس و تعابير الجسد و حبال الصوت وصرير القلم أفعالاً يعبرون من خلالها عن واقع الحال والخوف من المآل ، وقد يختزنون من قوة الإيمان و الإرادة ، والعزم والتصميم ، والأحلام و الآمال ما يتفاءلون به لغدٍ أفضل ، أما الصغار فحسبهم من ترجمة خلجات قلوبهم ما تفيض به أعينهم من الدمع ، كل دمعة طفل خائف أو جائع لا بد وأن تشعرنا بقدر كبير من الخجل تجاه ساكبها ، هذه الدموع هي بمثابة جرح غائر في جسد ضمير حي ، و هي في ذات الوقت مجرد مسمار في نعش ضمير ميت . فلنحكّم ضمائرنا إذاً !

خاص لـ ( الهتلان بوست )