أيمن العريشي
أيمن العريشي
كاتب وأكاديمي سعودي

في الآفاق!

آراء

حدث كوني عجيب تعرض له كوكبنا الأزرق منتصف فبراير الجاري ، سلّمنا الله وحمانا بقدرته نحن معاشر “الأرضيين” من كويكب يدعى دي أي 14 2012 وهو الأكبر حجماً والأقرب محاذاة لكوكب الأرض على مر التاريخ بحسب تقديرات العلماء ، جسم فضائي يبلغ حجمه نصف ملعب كرة قدم كان يمكن أن يرتطم ببقعة ما فيحدث كارثة تضاهي مئات أضعاف أضرار قنبلة هيروشيما اليابانية ، مر “الكويكب” من جانب “الكوكب” وعرج قريباً جداً منشرق أوروبا و استراليا و قارتنا الصفراء ، مر في طريقه بسرعة هائلة بلغت 13.000 كيلو متر في الثانية دون أن يلتفت له أو حتى يعرف عنه مليارات الأرضيين حتى لو من باب الثقافة العامة والمعلومة التاريخية ، لم يلتفت له بعض الناس ، بينما في ” ناسا ” الأمريكية رصد العلماء والباحثون تحركات الكويكب وحسبوا كل شاردة وواردة حجماً وبنيةً و تركيباً ، بل ونظر له بعض المختصين بمنظار مادي بحت ، حيث تضاهي قيمة المعادن والمواد المختلفة الموجودة فيه ما قيمته 195 مليار دولار أمريكي ! لا أدري إن كان هنالك ثمة مراكز بحثية شرق أوسطية مماثلة قد أدلت بدلوها وقامت بدورها تجاه هذه الظاهرة أم أنها اكتفت بالتعامل معها على طريقة أغنية طلال رحمه الله ” مرت ولا حتى تلتفت مرت ” !لقد اقترب الكويكب بالقدر الذي أمكنه معه اختراق مدارات أقمارنا الصناعية ، تلك التي تنقل غث إعلامنا وسمينه ، جده وهزله ، البنّاء منه والهدام ، مضى الكويكب في طريقه غير آبه بالصور التي تلتقطها بعض الأقمار التي ترصد وتوثق إما للخير والسلام والعمار ،أو للتجسس والتلصص و الخراب. مر الكويكب وأغلب أهل الأرض منصرفون نحو هموم كوكبهم أزماته وأحداثه ، مشغولون كعادتهم من أخمص أقدامهم حتى شعر رؤوسهم ، وليس عندهم وقت كي يشعروا بهكذا حدث كوني نادر أو يتأملوه !

بعض الأرضيين لا شك معذورون ، لديهم من المآسي والدمار ما يشغلهم ويكفيهم في بلدان ليست بحاجة إلى استشعار الكويكبات،يكفيهم مايعبر فوق رؤوسهم ليل نهار من صواريخ وطائرات وضجيج قاذفات ومايحاك لهم من مؤامرات وما تعيشه بلدانهم من فقر مدقع ومجاعات ، أما بعض الأرضيين فقد ذهبوا في تعليقاتهم عبر الصفحات الالكترونية بعيداً وأتوا بالعجب العجاب ،تمنى بعض أولئك ودعوا ربهم وألحوا في الدعاء لو يحاذي الكويكب و يرتطم بهذا البلد أو تلك البقعة دون سواها لمجرد الاختلاف مع تلك الشعوب في الدين والملة رغم الشراكة الإنسانية ،فيال رحمتك يارب البشر بالبشر من بعضهم ببعضهم ، ويال لطفك ورفقك بهم حتى أكثر منهم بأنفسهم ! و سبحانك يا أعز من قائل عليم ” سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم ” ، ولكل فاتهم مرور دي اي 14 2012 فإنه سيزورنا تارة اخرى عام 2046 م ، ” وكل في فلك يسبحون “، والله يعلم وأنتم لا تعلمون .

خاص لـ ( الهتلان بوست )