قراءة في استطلاع مركز زغبي حول إيران

آراء

أجرت مؤسسة زغبي للخدمات البحثية برئاسة الدكتور جيمس زغبي استطلاعاً للرأي في إيران من الفترة 26 أغسطس وحتى 22 سبتمبر 2013، تمثلت أهدافه في تكوين صورة أوضح حول الرأي العام الإيراني بشأن رئيسهم الجديد، ومقارنة ميول من يدعم روحاني ومن يعارضه، بالإضافة إلى أولويات السياسة لدى الإيرانيين ومدى ثقتهم بقدرة الحكومة على تحقيقها، وختاماً الوقوف على توجهات الرأي العام الإيراني فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لإيران والبرنامج النووي.

بداية تلعب استطلاعات الرأي بشكل عام دوراً في معرفة التوجه العام للشعب وميوله. وتلعب مصداقية المؤسسة القائمة على هذا الاستطلاع، والشريحة المستهدفة، ومدى تنوعها، بالإضافة إلى الفهم والإدراك لخصوصيات المجتمع وطبيعته، دوراً في إعطاء صورة أكثر وضوحاً لميول المجتمع وتوجهاته.

وبنظرة متعمقة في الداخل الإيراني ونظامه الحالي، فإننا نلاحظ توجس هذا النظام من الإعلام الغربي، والذي اتُهم بالعمالة والجاسوسية وخاصة بعد أحداث عام 2009 وما صاحبها من اضطرابات كان لذلك الإعلام دوره في تأزيم الموقف كما يرى النظام الإيراني.
أما فيما يتعلق باستطلاعات الرأي في إيران فيلاحظ تلون الكثير منها وفق المؤسسة القائمة عليها. فالموقع الإلكتروني «تابناك» التابع للمترشح السابق لرئاسة الجمهورية محسن رضائي كان يعطي هذا الأخير النسبة الأعلى في استطلاع الرأي، غير أن نتائج الانتخابات الرئاسية الحادية عشرة جاءت مغايرة كلياً. فقد فاز بها حسن روحاني، بينما حقق محسن رضائي نسبة متواضعة خلافاً لذلك الاستطلاع.

في المقابل فإن هناك استطلاعات للرأي أجريت في إيران قبل الانتخابات جاءت نتائجها متماشية مع نتائج استطلاع الرأي الذي قامت به مؤسسة زغبي في بعض الجوانب.

ونسير مع القارئ هنا لنحلل بعض جوانب ذلك الاستطلاع ومقاربتها بالواقع وفق متابعة الواقع في إيران.

يرى استطلاع الرأي أن الشارع الإيراني منقسم على نفسه. فهناك 50 في المئة قالوا إنهم انتخبوا روحاني في حين أن الـ 50 في المئة إما لم تنتخبه أو لم تشارك في الانتخابات الرئاسية من منطلق أن لا فائدة ترجى من ذلك. وبالنظر إلى نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة يلاحظ أن روحاني نال بالفعل 50,71 في المئة من إجمالي الأصوات في حين توزعت بقية النسبة على المترشحين الآخرين. غير أن هناك ما يقارب 11 مليون صوت ممن يحق لهم التصويت لم يشاركوا، كان من شأنها أن ترفع النسبة التي نالها روحاني.

وأبدى 65 في المئة ممن دعموا روحاني تفاؤلهم بالمستقبل، كما أن 75 في المئة يثقون بنجاحه في أداء مهمته، ويتوقع 30 في المئة ممن لم ينتخبوه نجاحه. ولعل إدراك هؤلاء بأن هامش حركة حسن روحاني تواجهها مؤسسات أخرى قد تقيد حركته، هو ما يجعل تلك النسبة متذبذبة، ويتبقى الدور هنا في تحقيق تلك الموازنة بين ما يتطلع له الشعب الإيراني وبين تلك الضوابط التي يجب على الحكومة مراعاتها.

على صعيد الأولويات يلاحظ أن 29 في المئة من مستطلعي الرأي يرون أن توفير فرص العمل هي الأولوية الرئيسية للحكومة و24 في المئة ذهبت استطلاعاتهم باتجاه دعم الديمقراطية و23 في المئة للحقوق المدنية، في حين أخذت حقوق المرأة نسبة 18 في المئة. أما تحسين العلاقات مع العرب فلم تتجاوز الـ 10 في المئة، و5 في المئة لتحسين العلاقات مع أميركا.

وحين ننظر إلى نسبة 10 في المئة التي ذهبت فقط لتحسين العلاقات مع العرب، لابد أن للوصول إلى مقاربات صحيحة أن لا نُخرج هذه النسبة من سياقها. فبلد مثل إيران يئن تحت وطأة العقوبات الاقتصادية، لاشك أن تحسين الوضع الاقتصادي وخلق فرص العمل سيأتي على أولوياته، خصوصاً إذا ما وضعنا في الاعتبار أن نسبة البطالة وفق آخر تقرير قد وصلت إلى 25 في المئة، بينما وصل التضخم في بعض الأحيان إلى 40 في المئة. كما تأتي الحريات ودعم الديمقراطية في أولويات الداخل الإيراني، والذي تتباين فيه وجهات النظر حيال منظور ومفهوم الديمقراطية التي يراها فريق أنها مدعاة إلى التفكك والتفسخ ومهددة للنظام، وأن ما تعيشه إيران هو من أسمى النظم الديمقراطية. وبذلك يبقى هذا الأمر يراوح بين تباين القراءة في الداخل الإيراني.

بالانتقال إلى السياسة الخارجية والبرنامج النووي، فإن دراسة الشخصية الإيرانية واعتزازها بقوميتها، يعكس نتائج ذلك الاستطلاع. فالشخصية الإيرانية لا تزال تستدعي التاريخ والماضي في نظرتها إلى إيران والمنطقة، ولا ترى أن إيران أقل شأناً من دول مثل باكستان أو الهند اللتين تمتلكان سلاحاً نووياً. من هذا المنطلق فإن 60 في المئة ممن استطلع رأيهم أيدوا حصول إيران على السلاح النووي، منطلقين، 36 في المئة في تبريرهم أن هناك دولاً أخرى لديها هذا السلاح، و31 في المئة معتبرين أن إيران دولة عظمى. ولذا يرى 96 في المئة ممن استطلع رأيهم بأن الحصول على برنامج نووي يستحق عناء العقوبات.

لعبت النظرة التاريخية وتوظيف الإعلام الإيراني دورهما في ميول المستطلعين حول السياسة الخارجية. فـ 76 في المئة يرون أن حماية الأقليات الشيعية يجب أن تكون أولوية للحكومة في حين أن 59 في المئة دعوا إلى تعزيز النفوذ الإقليمي و63 في المئة حماية الأمن القومي. فالإعلام الإيراني الذي دائماً ما يظهر الأقليات الشيعية في العالم على أنها مضطهدة ومغلوبة على أمرها لاشك أنه سيظهر تعاطفاً لدى الشعب الإيراني الذي يأتي نظامه على أنه الحامي للشيعة في المنطقة. كما أن تعزيز نفوذ إيران في المنطقة يعكس الموروث التاريخي لهذه الشخصية وتوجهاتها.

الحقيقة أن هذا الاستطلاع يعكس الكثير من الواقع في إيران، فالتركيز على الجانب الاقتصادي والسعي إلى خلق فرص العمل، تعكس ما يعانيه الشعب الإيراني تحت وطأة العقوبات. كما أن ما واجهته الحركة الخضراء في عام 2009، لاشك أنه يعطي انطباعاً لدى الداخل الإيراني أن السعي وراء الديمقراطية، وتحقيق انفتاح سياسي لن يتأتى سوى داخل دائرة النظام ووفق الضوابط التي تحفظ للنظام الإيراني أسسه، وإلا فلن يكتب لتلك التطلعات سوى الفشل.

تحقيق المقاربات بين دول المنطقة ووقف آلة الإعلام السلبية والتوظيف المغرض لها، وتغيير نهج التدخل في شؤون الغير إلى مساهمة في تحقيق التوافقات بين مختلف طوائف المجتمع وتغليب الوطنية على ما سواها، سيعكس بلاشك مزيداً من رغبة شعوب المنطقة في التواصل وتحقيق الرخاء والتنمية. وعندها سنرى نسبة استطلاعات الرأي سواء في إيران أو في أي دولة في المنطقة تصب في خانة تعزيز العلاقات مع دول الجوار

المصدر: صحيفة الاتحاد