قراءة في تصريحات مرشد الثورة الإيرانية

آراء

خلال استقباله عدداً من المسؤولين بسلاح الجو التابع للجيش النظامي في إيران، تناول مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي عدداً من القضايا التي تعكس النظرة السياسية لرأس هرم السلطة في إيران. سنحاول مع القارئ خلال السطور المقبلة استعراض بعض تلك التصريحات وأبعادها.

بداية لا يمكن فصل هذه التصريحات عن سياقها الزمني والمرتبط بالاحتفالات في إيران في الفترة الراهنة بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين للثورة الإيرانية عام 1979. حيث يتزامن مع هذه المناسبة العديد من الاحتفالات والتصريحات، التي تأخذ طابع الحدة والتحدي والتأكيد على مواجهة ما يطلق عليه في إيران قوى الاستكبار.
«تصريحات قليلة الأدب»، كانت هذه العبارة التي وصف فيها مرشد الثورة الإيرانية تصريحات المسؤولين الأميركيين حيال إيران. ولا تتوقف عند هذا الأمر بل يرى المرشد أن النفاق ظاهر وواضح في تصريحات الجانب الأميركي فهم كما يرى المرشد «يتحدثون خلال الجلسات الخاصة مع المسؤولين الإيرانيين بشكل، وخارج هذه الجلسات بشكل آخر، وهذا هو النفاق وسوء النوايا لدى العدو إذ يتعين على الشعب أن يرصد هذه الحالات بدقة».

ويلاحظ القارئ أن مسألة مراقبة السلوك الأميركي تجاه إيران واجب ليس ملقى على المسؤولين في إيران فحسب، بل إن الشعب الإيراني من منظور المرشد يأتي في الجبهة الأمامية لمواجهة مثل هذا السلوك. تصريحات المرشد لا تكاد تخلو، ومن ورائه مسؤولي النظام الإيراني، من التأكيد على دور الشعب الإيراني في هذا الصدد. وهو ما أكده في سياق تلك المقابلة حين رأى أن أبناء الشعب الإيراني سيطلقون في مسيرات ذكرى الثورة شعارات الثورة بصلابة.

التخوف الإيراني من النوايا الأميركية، واستمرار استدعاء المخيلة الإيرانية لحادثة الانقلاب على مصدق عام 1953، تنعكس بدورها على تصريحات المرشد الذي يؤكد حقيقة مترسخة تظهر على الدوام في تصريحاته تتمثل في عدم الوثوق بالجانب الأميركي. فالأميركيون «يكذبون عندما يقولون إنهم لا يسعون إلى تغيير النظام في إيران، ولن يترددوا لحظة إذا كان باستطاعتهم تحقيق ذلك».

ويأتي التساؤل هل يعني هذا الأمر أن مرشد الثورة الإيرانية يعارض أي نوع من التعاطي مع الولايات المتحدة من منطلق هذه التخوفات والنوايا الخفية للجانب الأميركي؟

تأتي الإجابة عن هذا التساؤل واضحة من خلال تصريح المرشد الذي قال إنه «يمكن تغيير الأساليب والتكتيكات». فأصبح مصطلح «المرونة البطولية» الذي سبق وأن صرح به المرشد، بوصلة لحكومة روحاني للتعاطي مع العالم الخارجي، وخاصة فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني.

هذا التغيير في الأساليب والتكتيكات، واتخاذ من المرونة البطولية بوصلة للوصول للهدف لا يعني من منظور المرشد، أن تأتي على حساب الثوابت. فـ«المبادئ ينبغي أن تبقى ثابتة، فسر بقاء النظام الإسلامي هو الاعتماد الصريح والشفاف على المبادئ والقيم». وبطبيعة الحال تصبح المساومة من منظور المرشد والتي تأتي على حساب مبادئ الثورة أمراً غير مجدٍ.

لم يكن المشهد الاقتصادي ليغيب عن تصريحات المرشد. فالوضع الاقتصادي الذي تعانيه إيران وما يترتب عليه من مصاعب جمة للشعب الإيراني لابد، وأن يأخذ نصيبه من تلك التصريحات. ونستشف من تلك التصريحات إدراك مرشد الثورة الإيرانية دور العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران على اقتصادها وما يواجهه من صعوبات.

غير أن الركون والاعتماد على رفع العقوبات بوصفها السبيل لتحسن الاقتصاد الإيراني أمر يناكف توجهات المرشد، ولذا يرى أن سعي المسؤولين الإيرانيين لإنعاش الاقتصاد يجب ألا يعتمد على ذلك، بل يتوجب الاعتماد على الابتكار المحلي.

هذا التوجه يأتي من منطلق سعي المرشد للوصول بإيران لمراحل متقدمه من الاكتفاء الذاتي، حيث ظهر هذا التوجه جلياً في شعار السنوات الأخيرة للسنوات الإيرانية. فجاء العام الحالي في إيران (13-2014) تحت شعار الملحمة السياسية والملحمة الاقتصادية، بحيث تكشفت معانيها لدى المسؤولين في إيران بالمشاركة الواسعة في الانتخابات وتحقيق الاكتفاء الذاتي في جميع المجالات، أما شعار عام «الإنتاج الوطني وحماية العمل والاستثمار الإيراني» فكان شعار العام الإيراني السابق.

هذه الشعارات وغيرها والسعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي، لا يمكن فصلها عن التوجسات الإيرانية من نوايا الغرب وأميركا تحديداً، بحيث يرى المرشد أن السبيل للوقوف في وجه تلك التحديات، يتجلى في ظهور إيران قوية مقتدرة أمام تلك المخاطر، فالبرنامج النووي ما هو إلا- كما يقول المرشد في تصريح سابق – عذر من قبل أميركا التي لن تتوقف عن معاداتها لإيران. فـ«الوقوف في وجه التحديات والتهديدات يتطلب التركيز على الاستقلال والاعتماد على الطاقات الموجودة في البلاد».

ما تقدم هو جزء من التصريحات التي أدلى بها مرشد الثورة في إيران، والتي دائماً ما تأتي بوصفها مرتكزات لتصريحات لاحقة من قبل مسؤولي النظام الإيراني، تغذيها في ذلك مناسبة انتصار ثورة عام 1979 والزخم الذي يصاحبها وتسابق أولئك المسؤولين في إبراز العداء للقوى الاستكبارية.

مناكفة هذه القوى والاستمرار في التشكك في نوايا الطرف الآخر ستبقى جزءاً مهماً في مخيلة النظام الإيراني، والذي لن يمانع في عملية التقارب مع تلك القوى المستكبرة بشرط ألا يأتي هذا الأمر على حساب الثوابت والمبادئ.

ويبقى مفهوم الثوابت والمبادئ أمراً فضفاضاً بمقدور النظام الإيراني تأويله حسب المعطيات وما يحقق بقاءه وضمان مصالحه.

المصدر: الاتحاد